كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة في ظروف الحرب والفتن والشدة، تزداد الهموم، وتبلغ القلوب الحناجر، ...
كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة
في ظروف الحرب والفتن والشدة، تزداد الهموم، وتبلغ القلوب الحناجر، فمن الناس من يثبتهم الله بإيمانهم وحسن ظنّهم بالله، ومنهم من يهلك فينقلب على عقبيه، منتكسا عن دينه، موليا الدبر، وخائنا لإخوانه، بل تجد أن كثيرا من هؤلاء لا يكتفي بانهزامه، بل يحاول سعيه أن ينقل تلك الهزيمة إلى غيره، ويشيعها في المسلمين كافة، فيهوّل من شأن أعدائهم، ويسعى لإخافة المسلمين منهم، وصدهم بذلك عن قتالهم والوقوف في وجههم.
وهذا الفعل من الأفعال المشهورة عن المنافقين، المنتشرة بين ضعيفي الإيمان ومسلوبي اليقين، من الرجال والنساء، فأما شأنهم في الرجال معروف، ودورهم فيما مضى من كلام مبسوط وموصوف، أما في النساء، فإن المصيبة من قبلهن تكمن في نقل هذا الإرجاف من بيوت المنافقين وألسنتهم لتدخله إلى بيتها وبين زوجها وأولادها، لتقع في أفعال المنافقين من حيث شعرت أم لم تشعر.
- الإرجاف فعل المنافقين:
والإرجافُ هو الخبر الكاذب المثيرُ للفتنِ والاضطرابِ. قالَ القرطبي رحمه الله في تفسيره: (الإرْجافُ الْتِمَاسُ الْفِتْنَةِ، وَإِشَاعَةُ الْكَذِبِ وَالْبَاطِل لِلاِغْتِمَامِ بِهِ)ا.هـ
وقد ذمّ الله تعالى الإرجافَ وأهله في مواضعَ كثيرةٍ من القرآنِ الكريمِ، فقد قالَ عزّ وجلّ: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا} (الأحزاب 18)، وقالَ أيضًا: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)] (الأحزاب)، قال الجصاص في (أحكام القرآن): (فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِرْجَافَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَالْإِشَاعَةَ بِمَا يَغُمُّهُمْ وَيُؤْذِيهِمْ يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّعْزِيرَ وَالنَّفْيَ إذَا أَصَرَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْتَهِ عَنْهُ، وَكَانَ قَوْمٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَآخَرُونَ مِمَّنْ لَا بَصِيرَةَ لَهُ فِي الدِّينِ وَهُمْ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَهُوَ ضَعْفُ الْيَقِينِ يُرْجِفُونَ بِاجْتِمَاعِ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ وَتَعَاضُدِهِمْ وَمَسِيرِهِمْ إلَى الْمُؤْمِنِينَ فَيُعَظِّمُونَ شَأْنَ الْكُفَّارِ بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَيُخَوِّفُونَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِيهِمْ، وَأَخْبَرَ تَعَالَى بِاسْتِحْقَاقِهِمْ النَّفْيَ وَالْقَتْلَ إذَا لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ اللَّهِ وَهُوَ الطَّرِيقَةُ الْمَأْمُورُ بِلُزُومِهَا وَاتِّبَاعِهَا). ا.هـ
ومن خطورة الإرجاف أن حذر المجاهدين من الاختلاط بالمرجفين، لأنهم يوهنون الصف بكلامهم، ويضعفون المسلمين بتخذيلهم، كما قال تعالى {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، يُشِيرُونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إلَى تَبُوكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: أَتَحْسِبُونَ جَلَّادَ بَنِي الْأَصْفَرِ كَقِتَالِ الْعَرَبِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا! وَاَللَّهِ لَكَأَنَّا بِكَمْ غَدًا مُقَرَّنِينَ فِي الْحِبَالِ، إرْجَافًا وَتَرْهِيبًا لِلْمُؤْمِنِينَ.
◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 31
الثلاثاء 10 شعبان 1437 هـ
مقتطف من مقال:
كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة
في ظروف الحرب والفتن والشدة، تزداد الهموم، وتبلغ القلوب الحناجر، فمن الناس من يثبتهم الله بإيمانهم وحسن ظنّهم بالله، ومنهم من يهلك فينقلب على عقبيه، منتكسا عن دينه، موليا الدبر، وخائنا لإخوانه، بل تجد أن كثيرا من هؤلاء لا يكتفي بانهزامه، بل يحاول سعيه أن ينقل تلك الهزيمة إلى غيره، ويشيعها في المسلمين كافة، فيهوّل من شأن أعدائهم، ويسعى لإخافة المسلمين منهم، وصدهم بذلك عن قتالهم والوقوف في وجههم.
وهذا الفعل من الأفعال المشهورة عن المنافقين، المنتشرة بين ضعيفي الإيمان ومسلوبي اليقين، من الرجال والنساء، فأما شأنهم في الرجال معروف، ودورهم فيما مضى من كلام مبسوط وموصوف، أما في النساء، فإن المصيبة من قبلهن تكمن في نقل هذا الإرجاف من بيوت المنافقين وألسنتهم لتدخله إلى بيتها وبين زوجها وأولادها، لتقع في أفعال المنافقين من حيث شعرت أم لم تشعر.
- الإرجاف فعل المنافقين:
والإرجافُ هو الخبر الكاذب المثيرُ للفتنِ والاضطرابِ. قالَ القرطبي رحمه الله في تفسيره: (الإرْجافُ الْتِمَاسُ الْفِتْنَةِ، وَإِشَاعَةُ الْكَذِبِ وَالْبَاطِل لِلاِغْتِمَامِ بِهِ)ا.هـ
وقد ذمّ الله تعالى الإرجافَ وأهله في مواضعَ كثيرةٍ من القرآنِ الكريمِ، فقد قالَ عزّ وجلّ: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا} (الأحزاب 18)، وقالَ أيضًا: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)] (الأحزاب)، قال الجصاص في (أحكام القرآن): (فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْإِرْجَافَ بِالْمُؤْمِنِينَ وَالْإِشَاعَةَ بِمَا يَغُمُّهُمْ وَيُؤْذِيهِمْ يَسْتَحِقُّ بِهِ التَّعْزِيرَ وَالنَّفْيَ إذَا أَصَرَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْتَهِ عَنْهُ، وَكَانَ قَوْمٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَآخَرُونَ مِمَّنْ لَا بَصِيرَةَ لَهُ فِي الدِّينِ وَهُمْ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَهُوَ ضَعْفُ الْيَقِينِ يُرْجِفُونَ بِاجْتِمَاعِ الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ وَتَعَاضُدِهِمْ وَمَسِيرِهِمْ إلَى الْمُؤْمِنِينَ فَيُعَظِّمُونَ شَأْنَ الْكُفَّارِ بِذَلِكَ عِنْدَهُمْ وَيُخَوِّفُونَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ فِيهِمْ، وَأَخْبَرَ تَعَالَى بِاسْتِحْقَاقِهِمْ النَّفْيَ وَالْقَتْلَ إذَا لَمْ يَنْتَهُوا عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ سُنَّةُ اللَّهِ وَهُوَ الطَّرِيقَةُ الْمَأْمُورُ بِلُزُومِهَا وَاتِّبَاعِهَا). ا.هـ
ومن خطورة الإرجاف أن حذر المجاهدين من الاختلاط بالمرجفين، لأنهم يوهنون الصف بكلامهم، ويضعفون المسلمين بتخذيلهم، كما قال تعالى {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}، قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ كَانَ رَهْطٌ مِنْ الْمُنَافِقِينَ، يُشِيرُونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إلَى تَبُوكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ: أَتَحْسِبُونَ جَلَّادَ بَنِي الْأَصْفَرِ كَقِتَالِ الْعَرَبِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا! وَاَللَّهِ لَكَأَنَّا بِكَمْ غَدًا مُقَرَّنِينَ فِي الْحِبَالِ، إرْجَافًا وَتَرْهِيبًا لِلْمُؤْمِنِينَ.
◽ المصدر: صحيفة النبأ - العدد 31
الثلاثاء 10 شعبان 1437 هـ
مقتطف من مقال:
كُونِي مُثبِّتة لاَ مُثبِّطة