تَعَدُّدٌ بِلَا تَعَدٍّ [1/2] الحمد لله الذي حرّم على نفسه الظلم وتوعّد الظالمين، والصلاة ...

تَعَدُّدٌ بِلَا تَعَدٍّ

[1/2]

الحمد لله الذي حرّم على نفسه الظلم وتوعّد الظالمين، والصلاة والسلام على سيد العادلين وإمام المتقين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فعن أبي ذر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما روى عن الله -تبارك وتعالى- أنه قال: (يا عبادي إني حرّمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرّما، فلا تظالموا...) [رواه مسلم]، وعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ألا فاستوصوا بالنساء خيرا، فإنهنّ عَوَانٌ عندكم) [رواه الترمذي والنسائي]، «فإنما هنّ عوان عندكم جمع عانية أي أُسَرَاء كالأُسَرَاء، شُبِّهن بهِنَّ عند الرجال لتحكمهم فيهن. قال في النهاية: العاني الأسير وكل من ذل واستكان وخضع» [تحفة الأحوذي].

وأخرج الإمام البخاري في صحيحه (باب الوصاة بالنساء)، من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبتَ تقيمه كسرتَه، وإن تركتَه لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا.

هذا وقد فضّل الله تعالى الرجال على النساء، ولم يجعل الذكر كالأنثى، وجعل القوامة بيد الرجل، وفرض على المرأة طاعة الزوج بل وجعلها عبادة تتقرب بها إلى خالقها عز وجل. كما وأحلّ الله تعالى للرجال أربعا من الزوجات، وما شاء من السراري، فقال تبارك اسمه: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [سورة النساء: 3].

ولكن هل ترك الشارع الحكيم هذا الأمر (أي تعدد الزوجات) على إطلاقه؟ لا، بل قيده سبحانه بشرط عظيم، حري بكل رجل تدبره بقلبٍ وَجِلٍ، وهذا الشرط هو: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً} [سورة النساء: 3]، إنه العدل، عمود تعدد الزوجات وذروة سنامه!

{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}؛ نعم واحدة لأن الله عَدْلٌ يحب العَدْلَ، واحدة إذا خيف الظلم والجور والتعدي على حقوق إحدى الزوجات، واحدة لأن الظلم يوم الحساب ظلمات، فما بال كثير من الرجال اليوم يستهينون بأمر التعدد ولا يخشون مغبة الظلم والتعدي؟ أما بلغهم حديث النبي، صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط) وفي رواية: (أحد شقيه مائل) [أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي].

قال المباركفوري: «قال الطيبي في شرح قوله (وشقه ساقط): أي: نصفه مائل، قيل: بحيث يراه أهل العَرَصات ليكون هذا زيادة في التعذيب» [تحفة الأحوذي].

فمن ذا الذي يقدر على الوقوف بين يدي الملك وشقه مائل، ومن ذا الذي يقدر على عذاب الآخرة والسبب زوجة!

إنا أحيانا ونحن ننصر شرعة التعدد ونذب عنها، نُصدم بواقع مرير وبتجارب مفجعة لبعض الأزواج المعددين، ولكنهم أزواج معتدون، لا يعرفون من تعدد الزوجات سوى أنه سنة ثابتة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، نعم هو سنة ونعمت السنة هي والله، ولكنها كذلك إذا أتينا بها وفق ما أتى به النبي -صلى الله عليه وسلم- أما أن نشذ ونتعدى، وتحكمنا الشهوة والهوى، فهذا لم يأمرنا به ربنا ولم يرضه لنا.

وإن للتعدد فقهاً، كما إن للطهارة فقهاً، وللصلاة فقهاً، وللصوم فقهاً، وللزكاة فقهاً، وللحج فقهاً... إلخ، فكما لا يمكن للمرء أن يزكي قبل أن يلم بشروط الزكاة وأركانها، لا يمكن لمن أراد أن يعدد أن يلج هذا الباب خالي الوفاض صفر اليدين من فقه التعدد، جاهلا بأبسط أحكامه!


◾ المصدر: صحيفة النبأ العدد 36
مقتطف من مقال: تَعَدُّدٌ بِلَا تَعَدٍّ