نبي الملحمة، صلى الله عليه وسلم.. جهاد حتى الممات [2/2] فكم هي عظيمة منزلة الشهادة في سبيل ...

نبي الملحمة، صلى الله عليه وسلم.. جهاد حتى الممات
[2/2]


فكم هي عظيمة منزلة الشهادة في سبيل الله حتى يتمناها النبي الذي اصطفاه الله وكرمه وختم به الرسالة! وكم هو عظيم أجر الجهاد في سبيل الله حتى يودُّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ألا يتخلف عن سرية تغزو في سبيل الله، ولو عاد المرء إلى السيرة لوجد أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد خرج بنفسه في إحدى وعشرين غزوة على الصحيح من الأقوال. [انظر: النبي القائد]، «وأما البعوث والسرايا؛ فعدّ ابن إسحاق ستا وثلاثين....» وزاد غيره على ذلك [انظر: النبي القائد]، أي بمجموع سبع وخمسين غزوة وسرية في مدة عشر سنوات، بمعدل خمس إلى ست غزوات وسرايا في السنة.

وحتى بعد عقد الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصلح مع قريش عام الحديبية في آخر السنة السادسة من الهجرة، فإنه -صلى الله عليه وسلم- لم يخلد إلى الراحة والاستقرار بعد ست سنوات خاض فيها الصحابة ما خاضوا من الحروب وفقدوا من فقدوا من الأهل والأولاد والأموال، بل خرج إلى خيبر أول سنة سبع من الهجرة.

قال ابن كثير: «وقال موسى بن عقبة: لما رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحديبية مكث عشرين يوما أو قريبا من ذلك، ثم خرج إلى خيبر وهي التي وعده الله إياها»، فمكّنه الله من فتح حصونها وقتل اليهود وإخراجهم واغتنام ما بأيديهم، ثم في جمادى الأولى من السنة ذاتها، أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل إلى مؤتة من أرض الشام ليؤدب النصارى العرب الذين قتلوا رسوله إليهم؛ حتى لا تضيع هيبة المسلمين ودولتهم، وواجه المسلمون في هذه المعركة مائتي ألف مقاتل من النصارى؛ نصفهم من العرب والنصف الآخر من الروم، وسقط فيها قادة الجيش الثلاثة الذين سماهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهداء، وهم جعفر بن أبي طالب ابن عمه وحبيبه، وزيد بن حارثه حِبُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الله بن رواحة، رضي الله عنهم جميعاً.

ثم منّ الله -عز وجل- بعد ذلك على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه بفتح مكة ثم حنين ثم غزو الطائف ثم ما كان من تبوك وغيرها من السرايا والبعوث التي بذل فيها الصحابة -رضي الله عنهم- الأنفس والأموال، وفقد فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- الأقارب والأحباب، فلم تكن الانتصارات يوما بلا ثمن.

وتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يُعد سرية أسامة (ابن شهيد مؤتة زيد بن حارثة)، جهزه ليقاتل القوم ذاتهم، وتوفي -صلى الله عليه وسلم- قبل إنفاذ بعث أسامة -رضي الله عنه- فأنفذه الصديق -رضي الله عنه- من بعده.
فيا من تدّعون محبّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أين أنتم من سيرته؟ أوليس فيها أسوة حسنة لكم؟ ما لكم جعلتم أسوة لكم الأئمة المضلّين الذين يجهدون كل الجهد في أن يغيروا معالم هذه العبادة العظيمة، أو يجعلوها من نوافل الطاعات بعد أن يشترطوا لها من الاشتراطات ما لم ينزل الله به من سلطان.

أولئك الضالون الذين أطنبوا وأكثروا من الحديث عن السلام في الإسلام وصغروا من شأن الجهاد في سبيل الله، وأدخلوا فيه ما ليس منه تبريراً لقعودهم عنه، ثم قللوا من شأنه بادعائهم أن الجهاد الأكبر جهاد النفس وما عداه أصغر، ودعوا إلى السلم وأوّلوا قوله تعالى: {يا أيُّها الّذِين آمنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كافّةً ولا تتّبِعُوا خُطُواتِ الشّيْطانِ إِنّهُ لكُمْ عدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 208] بالدخول في السلام مع أنّ المراد بها الدخول في شرائع الإسلام كافة دون ترك بعضها، وليس مسالمة الأعداء كما زعموا [انظر: تفسير ابن كثير].
وأين هم من جهاد النبي -صلى الله عليه وسلم- وجهاد أصحابه والتابعين؟ وأين هم من قوله تعالى: {فإِذا انْسلخ الْأشْهُرُ الْحُرُمُ فاقْتُلُوا الْمُشْرِكِين حيْثُ وجدْتُمُوهُمْ وخُذُوهُمْ واحْصُرُوهُمْ واقْعُدُوا لهُمْ كُلّ مرْصدٍ فإِنْ تابُوا وأقامُوا الصّلاة وآتوُا الزّكاة فخلُّوا سبِيلهُمْ إِنّ اللّه غفُورٌ رحِيمٌ}[التوبة: 5]؟ وأين هم من قوله تعالى: {يا أيُّها الّذِين آمنُوا قاتِلُوا الّذِين يلُونكُمْ مِن الْكُفّارِ ولْيجِدُوا فِيكُمْ غِلْظةً واعْلمُوا أنّ اللّه مع الْمُتّقِين} التوبة: 123]؟ أم أنّ هذه الآيات نزلت تخاطب قوما آخرين ولا تعني مدّعي العلم بشيء؟

وأما أنتم يا جند الخلافة فهنيئاً لكم اتباع سنة نبيكم، وسيركم تحت لوائه وائتماركم بأمره في جهاد أعداء الله مهما كثروا ومهما تجهزوا، فأنتم جند الله -عز وجل- وأتباع رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: {ولقدْ سبقتْ كلِمتُنا لِعِبادِنا الْمُرْسلِين * إِنّهُمْ لهُمُ الْمنْصُورُون * وإِنّ جُنْدنا لهُمُ الْغالِبُون} [الصافات: 171-173].

حشرنا الله وإياكم تحت لواء النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة، وسقانا من يده الشريفة شربة ماء لا نظمأ بعدها أبدا.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at