نبي الملحمة، صلى الله عليه وسلم.. جهاد حتى الممات [1/2] الجهاد في سبيل الله عبادة لها من ...

نبي الملحمة، صلى الله عليه وسلم.. جهاد حتى الممات
[1/2]

الجهاد في سبيل الله عبادة لها من الإسلام ذروة السنام، ومقامها فيه أرفع مقام، وليست تنقطع حتى قيام الساعة كما أخبر النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو الذي قاد المجاهدين وأرسل السرايا وجيّش الجيوش، بعد هجرته إلى المدينة بفترة يسيرة، واستمر في جهاد أعدائه حتى لقي ربه.

فقد وصل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى المدينة بعد هجرته من مكة، يوم الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول، على رأس ثلاث عشرة سنة من النبوة كما يذكر أصحاب السير، وانشغل وأصحابه في بناء المسجد وتنظيم أمور المدينة والمؤاخاة وغيرها من الأمور الأساسية في بناء الدولة النبوية، ولم يتأخر -صلى الله عليه وسلم- عن الجهاد، فبعد أشهر من تاريخ مقدمه أرسل أولى سراياه.

ذكر ابن سعد في الطبقات أنَّ «أول لواء عقده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحمزة بن عبد المطلب بن هاشم، في شهر رمضان على رأس سبعة أشهر من مهاجر رسول الله، صلى الله عليه وسلم»، وتوجهت هذه السرية لاعتراض عير قريش ولم يحدث بين الفريقين قتال، فسبعة أشهر بعد الهجرة كانت كافية عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليبدأ جهاد الطلب لأعداء الله وشن غاراته عليهم، ثم تجد أنه -صلى الله عليه وسلم- في الفترة الفاصلة بين هذه السرية وغزوة بدر الكبرى في رمضان من السنة الثانية للهجرة (التي تقدر بسنة واحدة فقط)، قد أرسل وشارك بنفسه في سبع سرايا وغزوات؛ أي لا يمر شهران دون أن يرسل سرية أو يخرج في غزوة، بل أقل من ذلك إذا احتسبت المدة التي تقضيها السرية أو الغزوة في الخروج ولقاء العدو والرجوع ثم الخروج بعدها لغزوة أخرى.

وهكذا كانت سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- جهادا غير منقطع طلباً لأعداء الله ورداً لهم عن حياض المسلمين، وكم كان -صلى الله عليه وسلم- يَوَدُّ أن يخرج في كل سرية تغزو في سبيل الله، ولكنَّ شدّة الوضع في المدينة تمنعه.

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لولا أن رجالا من المؤمنين لا تطيب أنفسهم أن يتخلفوا عني، ولا أجد ما أحملهم عليه، ما تخلفت عن سرية تغزو في سبيل الله، والذي نفسي بيده، لوددت أني أقتل في سبيل الله، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل) [رواه البخاري].

فكم هي عظيمة منزلة الشهادة في سبيل الله حتى يتمناها النبي الذي اصطفاه الله وكرمه وختم به الرسالة! وكم هو عظيم أجر الجهاد في سبيل الله حتى يَوَدُّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ألا يتخلف عن سرية تغزو في سبيل الله، ولو عاد المرء إلى السيرة لوجد أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قد خرج بنفسه في إحدى وعشرين غزوة على الصحيح من الأقوال. [انظر: النبي القائد]، «وأما البعوث والسرايا؛ فَعَدَّ ابن إسحاق ستا وثلاثين....» وزاد غيره على ذلك [انظر: النبي القائد]، أي بمجموع سبع وخمسين غزوة وسرية في مدة عشر سنوات، بمعدل خمس إلى ست غزوات وسرايا في السنة.

وحتى بعد عقد الرسول -صلى الله عليه وسلم- الصلح مع قريش عام الحديبية في آخر السنة السادسة من الهجرة، فإنه -صلى الله عليه وسلم- لم يخلد إلى الراحة والاستقرار بعد ست سنوات خاض فيها الصحابة ما خاضوا من الحروب وفقدوا من فقدوا من الأهل والأولاد والأموال، بل خرج إلى خيبر أول سنة سبع من الهجرة.

قال ابن كثير: «وقال موسى بن عقبة: لما رجع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحديبية مكث عشرين يوما أو قريبا من ذلك، ثم خرج إلى خيبر وهي التي وعده الله إياها»، فمكّنه الله من فتح حصونها وقتل اليهود وإخراجهم واغتنام ما بأيديهم، ثم في جمادى الأولى من السنة ذاتها، أرسل الرسول -صلى الله عليه وسلم- جيشاً قوامه ثلاثة آلاف مقاتل إلى مؤتة من أرض الشام ليؤدب النصارى العرب الذين قتلوا رسوله إليهم؛ حتى لا تضيع هيبة المسلمين ودولتهم، وواجه المسلمون في هذه المعركة مائتي ألف مقاتل من النصارى؛ نصفهم من العرب والنصف الآخر من الروم، وسقط فيها قادة الجيش الثلاثة الذين سماهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شهداء، وهم جعفر بن أبي طالب ابن عمه وحبيبه، وزيد بن حارثه حِبُّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الله بن رواحة، رضي الله عنهم جميعاً.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at