حُ ـ ـ / ـماة الشَّريـ؏ـة: إن هي إلا أسماء سمّيتموها [2/2] وفي ظل ما نشاهده في أيامنا هذه من ...

حُ ـ ـ / ـماة الشَّريـ؏ـة:
إن هي إلا أسماء سمّيتموها
[2/2]

وفي ظل ما نشاهده في أيامنا هذه من عبودية للتنظيمات والفصائل والأحزاب، فإننا إذا دققنا في واقع تلك التجمعات من البشر نجد أن أتباعها إنما يتّبعون سبيل المشركين في تقديسهم الأسماء التي لم يأمر الله بتقديسها، بل ويعبدون تلك الأسماء بطريقة أو بأخرى، شاءوا الاعتراف بذلك أم أبوا، علموا ذلك أم لم يعلموا، ولا أدلّ على ذلك من تمسّكهم بتلك التنظيمات المنحرفة، تعصّبا لأسمائها المشهورة، واعتقادا من كثير منهم أن بقاء الإسلام مرتبط ببقاء أسماء فصائلهم وتنظيماتهم، وحرصا دائما على مبارزة الخصوم بتاريخها الذي كتبوه بأيديهم ليزيدوا من خلاله من بريق تلك الأسماء.

ومن يراجع تاريخ تلك التنظيمات والأحزاب الذي يمتد أحيانا لدى بعضها إلى ما يقارب القرن من الزمان يجد أنها غيرت من عقيدتها ومنهجها عدة مرات، وأنه تعاقب عليها أجيال من القيادات والأتباع، فمنهم من هلك، ومنهم من ترك، ومنهم من انشق وشكل تنظيما جديدا، ورغم ذلك بقي الثابت الوحيد لديهم هو الاسم، حتى غدا هذا الاسم وكأنه الصنم الذي يبقى معبودا لأجيال عديدة، وكلما استجد عليه جيل من الناس كسوه حلة جديدة، وصوروه بصورة جديدة، فلا يبقى له من حاله القديمة غير الاسم الذي لا يتغير بتغير حاله، ولا بتغير عبيده.

ومن يشاهد حال الكثير من هذه الفصائل والتجمعات، يرى أنها كلما نشبت بين قادتها النزاعات، وتعرضت للتفرق والانشقاقات، فإن المتنازعين لا يتصارعون على الأتباع والمقرات والممتلكات بقدر صراعهم على حيازة اسم التنظيم، وذلك لاعتقادهم أن حيازة الاسم سيعطيهم الشرعية، ويجذب إليهم الأتباع والأنصار، ونادرا ما يتخذ المنشقون اسما جديدا لتجمعهم، لأن ذلك يعني أنهم سيمضون سنين في بناء الاسم الجديد وتعظيمه في عيون الخلق، لذلك يتصارعون حول الاسم الأصلي، فمن يحوزه يتمسك به، ومن يخسر الصراع يشتق لنفسه اسما قريبا من الاسم الأصلي يكون غالبا بإضافة كلمات جديدة عليه، توحي أن الحزب الجديد يمتلك كامل رصيد الاسم الأصلي ويزيد عليه بما استجد من شعارات تعكسها الزيادة على الاسم.

بل ونجد أنه ما إن ينتشر اسم لفصيل أو تنظيم ويصبح مشهورا، حتى يسارع بعض المفتونين بالأسماء إلى تبنّي هذا الاسم وإسباغه على تنظيماتهم وأحزابهم الجديدة، رغم عدم وجود ارتباط تنظيمي حقيقي بين التنظيم الأصلي، والتنظيمات الجديدة التي ليس لها من علاقة به غير تشابه الأسماء، وما ذلك إلا لقناعة لدى المتأخرين بأن تبني الاسم المشهور للجماعة سيسرع من عملية استقطاب الأنصار إليها.

بل ونجد بعضهم يصيبهم الكبر والغرور لمجرد استيلائهم على اسم مشهور، فيخيل لهم شياطينهم أنهم بحيازتهم لهذا الاسم وقدرتهم على منح الموافقة لتوزيع هذا الاسم على من يرتضون من التنظيمات والفصائل، أنهم صاروا بذلك أوصياء على دين الله، فلا يتعبّد اللهَ أحدٌ من الناس بهذه العبادة أو تلك إلا بإذنهم، وأنهم بامتلاكهم للاسم المشهور يحق لهم وحدهم قيادة الأمة، ويجنّ جنونهم إذا ظهر اسم جديد وانتشر واشتهر بين الناس، فلا يرون ذلك إلا مؤامرة على الدين، وحربا على الإسلام والمسلمين.

ولو دققنا في أكثر الأسماء المشهورة اليوم في عالم الأحزاب والتنظيمات، نجدها لا علاقة لها بواقع التنظيم ولا عقيدته ولا منهجه، إن لم يكن الاسم مناقضا كل التناقض لذلك، فإذا انطفأ بريق الاسم الذي يعمي الأبصار عن رؤية ما تحته من واقع، أصيب المفتونون بالصدمة، كصدمة المشرك الوثني عندما يزيل عن وثنه المعبود ذلك الاسم البراق الذي أسبغه عليه، أو تبع آباءه وأجداده في إبقائه ملتصقا به، فلا يجد في حقيقة الوثن غير قطعة من حجر لا تختلف في طبيعتها عن حجارة الأرض.

لذلك ينبغي أن ينظر المسلم إلى حقائق الأمور لا إلى أسمائها، وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من فتنة الأسماء واتباع المفتونين فيها بقوله: (ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) [حديث صحيح رواه أبو داود وابن ماجه]، وكما أن تسمية الخمر بغير اسمها لا يرفع عنها حكم التحريم، ما دامت فيها حقيقة الإسكار، فكذلك الأمور كلها، أسماؤها مرتبطة بأوصافها، فما حمل الوصف، حمل الاسم، وحمل الحكم، وليعلم المسلم أنما تعبّده الله بالإسلام، ولم يفرض عليه تعظيم اسم لم يعظمه بنفسه أو يعظمه نبيه، وأن الله -عز وجل- لن يسأله يوم القيامة عن أسماء التنظيمات والأحزاب، ولكنه سائله عن عمله، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at

الجهادُ بالدُّعاء
[1/2]

الدعاء سلاحٌ قويٌّ ماضٍ فتاك، به تُكشف المصائب ويُمنع الهلاك، وبه يدافعُ المؤمن البلاء ويدفع كيد الأعداء، وبه تُستجلبُ النعم وتُستدفعُ النقم، وبه تفرَّجُ الهموم وتزول الغموم، والدعاء أخصُّ سمات العبادة، بل إن الدعاء هو العبادة، ففيه كمال الحب وكمال الذل، لله الواحد الحكم العدل، فيه يناجي العبدُ ربَّه، ويعترف بعجزه وضعفه، وهو سلوانٌ للقلوب شفاءٌ للصدور بلسمٌ للجروح تيسيرٌ للأمور، والدعاء حرزٌ ضليع وحصنٌ منيع، ولا شيء أكرم على الله من الدعاء وأعجز الناس من عجز عن الدعاء، فهو عبادة يسيرة، ميسورةٌ في الليل والنهار مبذولةٌ في البر والبحر مشروعةٌ في الإقامة والسفر، الداعون يفرُّون إلى الرحيم الرحمن العلام، ويتعلقون بربهم الملك القدوس السلام، فتراهم حال الدعاء منطرحين بين يدي أكرم الأكرمين، قاطعين صِلاتهم بالعالَم متوجهين لرب العالمين، متخلصين من رقِّ حاجة الناس ومِنَّتهم، مخلصين لربهم في التماسهم، طامعين بفضله عليهم...

هذا هو الدعاء، فما أحوج المسلم إليه في هذه الأيام التي تداعت فيها على جماعة المسلمين كل أمم الكفر وملله ونحله! فلْينتبه المجاهد في سبيل الله إلى أهمية هذا السلاح وضرورة الاهتمام به ووجوب إتقانه وترك التعلق بغير السميع المجيب، كما ولْيشارك كل مسلم ومسلمة في مجاهدة أعداء الله بهذا السلاح الرباني الناجع، قال صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) [حديث صحيح رواه أبو داود والنسائي]، ولا يقتصر الجهاد باللسان على التحريض على الجهاد ومدح المجاهدين وذم القعود وهجو الكافرين؛ بل إنَّ من أهمِّ أنواع جهاد اللسان: الدعاء، بأن يدعو المسلم على المشركين بالهزيمة وللمؤمنين بالنصر.

ويتأكد هذا النوع من الجهاد (الجهاد بالدعاء) بحق من لم ييسر الله لهم القتال في سبيله لأي عذرٍ من الأعذار الشرعية، كالمرأة والمريض والعاجز والمحبوس... فعلى هؤلاء الدعاء للغزاة في سبيل الله، لأن الله تعالى عندما عذرهم من القتال، اشترط عليهم لقبول عذرهم أن ينصحوا لله ولرسوله، ومن ذلك الدعاء لأولياء الله، أتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم- قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 91].

بل إنَّ دعاء هؤلاء الضعفة من أهم أسباب انتصار المسلمين وهزيمة الكافرين، كما قال -صلى الله عليه وسلم- لسعد ابن أبي وقاص -رضي الله عنه- لما ظنَّ أن له فضلٌ على من سواه من ضعفاء المسلمين: (هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم) [رواه البخاري]، وفي رواية النسائي: (إنما يَنصرُ اللهُ هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم).

قال ابن حجر العسقلاني: «قال السهيلي: الجهاد تارة يكون بالسلاح وتارة بالدعاء» [فتح الباري]، وهذا من الأمور الظاهرة الثابتة، إلا أن في هذه الأيام بعض المهزوزين المنهزمين الذين استسلموا لهبل التكنولوجيا العسكرية وسلَّموا مقدَّماً بانتصار الحملة الصليبية على الدولة الإسلامية، تركوا الدعاء، وكأنَّه لا يجدي نفعاً، والعياذ بالله! وذلك السلوك الخاطئ لدى بعض الناس إنما سببه الجهل بهذا السلاح، فإنهم لو علموا أهمية الدعاء وعظيم آثاره وكيفيته وآدابه وسمعوا قصص استجابة الله تعالى لعباده، لما زهدوا فيه وتمسكوا بغيره.

وعلى العبد أن يعلم أن للدعاء ثمراتٍ عديدة وفضائل كثيرة تعزُّ على الحصر، منها: أنه امتثال لأمر الله عزَّ وجلَّ القائل: {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف: 29]، {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الأعراف: 56]، {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: 55]، وأن فيه كمال التوكل والذل والتواضع لله تعالى القائل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]، ومنها: أنه سبب لدفع البلاء قبل نزوله، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يرد القدر إلا الدعاء) [حديث حسن رواه ابن ماجه وابن حبّان والحاكم] كما أنه سببٌ لرفع البلاء بعد نزوله، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، وإن البلاء لينزل فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة) [حديث حسن رواه الحاكم]، ومنها: أنه سبب لحصول المطلوب في الدعاء، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها) [حديث صحيح رواه أحمد والحاكم]، وهكذا فإن للدعاء شأنٌ عظيم!


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 42
الثلاثاء 5 ذو القعدة 1437 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at