زَقُّومُ مَجَالِسِ النِّسَاءِ عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: «ما شيء أحق بطول سجن من ...
زَقُّومُ مَجَالِسِ النِّسَاءِ
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: «ما شيء أحق بطول سجن من لسان» [رواه الطبراني في الكبير]، والمتأمل في حال مجالس المسلمين اليوم يرى فيها انفلاتا عجيبا للألسنة وتجرؤا غريبا على الأعراض بالقيل والقال، إلا من عصمه الله وهم قليل، ويكأنهم ما سمعوا قول ربهم، عز وجل: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12]، ولو تدبّروه وتفكّروه، ووعوه وفقهوه، لوجلت من هوله القلوب.
وليس افتراء منا إن قلنا أن أكثر المجالس التي تشكو من وباء الغيبة هي مجالس النساء خاصة، ولا نقول كما قيل أنها أصبحت فاكهة المجالس، بل إنها زقوم المجالس، والله المستعان.
والغيبة بكسر الغين عرّفها النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (أتدرون ما الغيبة؟) قالوا: «الله ورسوله أعلم»، قال: (ذكرك أخاك بما يكره)، قيل: «أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟» قال: (إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بَهَتَّه) [رواه مسلم]، و(بَهَتَّه) من البهتان والزور وقول الباطل، عن قتادة قال: «كنا نحدّث أن الغيبة أن تذكر أخاك بما يشينه، وتعيبه بما فيه، وإن كذبت عليه فذلك البهتان» [انظر: تفسير الطبري].
وعن قتادة أيضا في تفسير قوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} يقول: «كما أنت كاره لو وجدت جيفة مدودة أن تأكل منها، فكذلك فاكره غيبته وهو حي» [انظر: تفسير الطبري].
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت للنبي، صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله إن صفية امرأة» وقالت بيدها هكذا، كأنها تعني: قصيرة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لقد مزجت بكلمة لو مزجت بها ماء البحر لمزج) [رواه أبو داود والترمذي].
قال المباركفوري: «المعنى: أن هذه الغيبة لو كانت مما يمزج بالبحر، لغيّرته عن حاله مع كثرته وغزارته، فكيف بأعمال نزرة خلطت بها؟» [تحفة الأحوذي].
سبحان الله! هذه عائشة زوج النبي وأم المؤمنين، الصِدّيقة التقية الورعة الحافظة العالمة تشير بيدها فقط لتصف أختها (أي ضرتها) للنبي -صلى الله عليه وسلم- في غيابها ولم تفعل ذلك إلا لغيرتها، ولكن النبي ينهاها ويحذّرها من كلمتها التي قالتها، ولم يقل هي غَيرى ولا بأس بذلك، فقد غارت عائشة وضربت يد خادم كان يحمل صحفة فيها طعام من إحدى زوجاته فسقطت وانفلقت، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لصحابته: (غارت أمكم) [رواه البخاري وغيره]، فاستوعب غيرتها والتمس لها العذر، ولم يجعل غيرتها عذرا لها فيما قالته في صفية، رضي الله عنها.
وعن معاذ بن جبل، قال: «كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا نبي الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار، قال: (لقد سألتَ عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم قرأ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} [السجدة: 16]، ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده، وذروة سنامه؟) فقلت: بلى يا رسول الله، قال: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد)، ثم قال: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟)، قلت: بلى يا رسول الله. فأخذ بلسانه، فقال: (كفّ عليك هذا)، فقلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يَكُبُّ الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم يوم القيامة إلا حصائدُ ألسنتهم) [رواه الترمذي].
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا، يهوي بها سبعين خريفا في النار)، ولفظ (الرجل) هنا لا يعني أن المعنيين بالخطاب الرجال فحسب، بل المرأة كذلك يشملها هذا الحديث وهذا الوعيد، وإن كانت كلمة تفعل بصاحبها هذا الفعل، فكيف بكلمات وكلمات، بل كيف بمجالس تدوم لساعات وساعات، لا حديث فيها إلا عن فلان أو فلانة.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه) [رواه مسلم]، نعم عرضه الذي لا ترقب فيه المغتابة إلّاً ولا ذمة، فنجد الواحدة من النساء رقيقات الدين تلوك في عرض أختها المسلمة دونما خوف أو رادع لها.
ويحك يا مسلمة، أما بلغك حديث نبيك -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم) [رواه أبو داود]، نعم هذا حال الواقعين في أعراض المسلمين في الآخرة والعياذ بالله، أم حسب المغتابون أنهم لا يُسألون؟!
وعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال) [رواه أبو داود].
أتدرين ما ردغة الخبال يا مسلمة؟ قال ابن الأثير: «جاء تفسيرها في الحديث أنها عصارة أهل النار، والردغة، بسكون الدال وفتحها: طين ووحل كثير».
روي أن الإمام ابن سيرين -رحمه الله تعالى- ذكر رجلا فقال: «ذاك الرجل الأسود»، فخاف وجزع ثم استدرك: «أستغفر الله، إني أراني قد اغتبته»!
فلتحذر المسلمة من هول يومٍ عظيم، فالله -تبارك وتعالى- قد يغفر لك ما كان في حقه عليك من تقصير أو تفريط، أما حقوق عبيده الذين تعديتِ عليهم فلن يغفرها حتى يعفوا هم عنك، ولتعلمي أن مجالسك الدنيوية ستكون يوم القيامة شاهدة عليك، وجهاز الهاتف الذي تقضي به بعضُ المسلمات الأوقات الطوال، تذكر أختا لها مسلمة بسوء أو شر، هو أيضا سيأتي يوم الحساب شاهدا عليك، ولا تظني يا مسلمة أن دعاء كفارة المجلس الذي تلهج به المغتابة بعد الانتهاء من أكل لحم أختها، أو قول: «غفر الله لنا ولها»، سينجيك بين يدي الحسيب، لأن كفارة المجلس والدعاء المجرد لا ينفعان صاحبهما إن لم تؤدَّ الحقوق إلى أصحابها ويتوب المرء توبة صادقة.
أما النميمة وما أدراك ما النميمة، فتلك أمرها أشد وأعظم من الغيبة، وهي -كما عرّفها أهل العلم- نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم، وقد ذم الله -عز وجل- النمَّامين في محكم التنزيل فقال تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 10-11]، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قَتَّات) [متفق عليه]، والقَتَّات النَمَّام الذي ينقل الكلام بين الناس بغية الإفساد وإحداث فتنة، وما أبغض هذا الخُلُق وأسوأه، وكيف يطيب عيشه وينام ليله من كان هذا طبعه؟ وعن يحيى بن أبي كثير -رحمه الله- قال: «النمّام يفسد في ساعة ما لا يفسد الساحر في شهر» [الآداب للبيهقي].
وبعض النسوة لهن أكثر من وجه، فتجد إحداهن تأتي هذه بوجه والأخرى بوجه، وقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه، ويأتي هؤلاء بوجه)، وما تكاد النمّامة تسمع من مسلمة كلمة في حق أخت لها، حتى تطير بها إليها زاعمة أن ذلك من المحبة والإخلاص، كذبت والله، فهذا من إفساد ذات البين، فما تنقل المُحِبَّة لأختها ما يكدّرها وينزغ بينها وبين مسلمة، وما تمشي من تخشى الله واليوم الآخر بوقيعة بين المسلمين، فلتحذر المسلمة من أن تكون من الفاسقات، إن هي سلكت سبيل المشّائين بنميم إذ يقول الله، عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: 6].
والنميمة من موجبات عذاب القبر، فعن ابن عباس قال: «مرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قبرين، فقال: (أما إنهما ليُعذَّبان وما يُعذَّبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله)» [متفق عليه].
ولتعلم من يبلغها من أختها شرّ في حقها أن من نقلت لها ستنقل عنها حتما، هكذا هي معادلة النمامين! وعليها أن تردّها وتنهرها وتقبّح صنيعها وتذكّرها بالله وشديد عقابه علَّها تنزجر وتتعظ.
وأخيرا: حذار حذار يا أَمَة الله من أن تأتي يا مسلمة يوم القيامة مفلسة من الحسنات التي كنت تجمعينها بصلاتك وزكاتك وقراءتك القرآن وتحريضك وهجرتك... إلخ، روى مسلم عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أتدرون من المفلس؟) قالوا: «المفلس فينا يا رسول الله، من لا درهم له، ولا متاع»، قال: (المفلس من أمتي يوم القيامة من يأتي بصلاة، وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم عرض هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وضرب هذا، فيقعد فيقتص هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرح عليه، ثم طرح في النار).
وحريّ بالمسلمة مريدة الآخرة أن تجعل من بيتها منارة من منارات الهدى، ومن مجالسها شعلة من مشاعل الإيمان، فلا تقومنّ من مجلس كمن تقوم من على جثة حمار، لحديث النبي، صلى الله عليه وسلم: (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة) [رواه أبو داود].
كما عليها أن تختار لنفسها صحبة صالحة تعينها على أمر الآخرة، فيجتهدن لتعلم أمر دينهن والسؤال عما ينفعهن.
* المصدر: صحيفة النبأ - العدد 40
الثلاثاء 21 شوال 1437 هـ
لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: «ما شيء أحق بطول سجن من لسان» [رواه الطبراني في الكبير]، والمتأمل في حال مجالس المسلمين اليوم يرى فيها انفلاتا عجيبا للألسنة وتجرؤا غريبا على الأعراض بالقيل والقال، إلا من عصمه الله وهم قليل، ويكأنهم ما سمعوا قول ربهم، عز وجل: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 12]، ولو تدبّروه وتفكّروه، ووعوه وفقهوه، لوجلت من هوله القلوب.
وليس افتراء منا إن قلنا أن أكثر المجالس التي تشكو من وباء الغيبة هي مجالس النساء خاصة، ولا نقول كما قيل أنها أصبحت فاكهة المجالس، بل إنها زقوم المجالس، والله المستعان.
والغيبة بكسر الغين عرّفها النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (أتدرون ما الغيبة؟) قالوا: «الله ورسوله أعلم»، قال: (ذكرك أخاك بما يكره)، قيل: «أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟» قال: (إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بَهَتَّه) [رواه مسلم]، و(بَهَتَّه) من البهتان والزور وقول الباطل، عن قتادة قال: «كنا نحدّث أن الغيبة أن تذكر أخاك بما يشينه، وتعيبه بما فيه، وإن كذبت عليه فذلك البهتان» [انظر: تفسير الطبري].
وعن قتادة أيضا في تفسير قوله تعالى: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} يقول: «كما أنت كاره لو وجدت جيفة مدودة أن تأكل منها، فكذلك فاكره غيبته وهو حي» [انظر: تفسير الطبري].
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت للنبي، صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله إن صفية امرأة» وقالت بيدها هكذا، كأنها تعني: قصيرة، فقال صلى الله عليه وسلم: (لقد مزجت بكلمة لو مزجت بها ماء البحر لمزج) [رواه أبو داود والترمذي].
قال المباركفوري: «المعنى: أن هذه الغيبة لو كانت مما يمزج بالبحر، لغيّرته عن حاله مع كثرته وغزارته، فكيف بأعمال نزرة خلطت بها؟» [تحفة الأحوذي].
سبحان الله! هذه عائشة زوج النبي وأم المؤمنين، الصِدّيقة التقية الورعة الحافظة العالمة تشير بيدها فقط لتصف أختها (أي ضرتها) للنبي -صلى الله عليه وسلم- في غيابها ولم تفعل ذلك إلا لغيرتها، ولكن النبي ينهاها ويحذّرها من كلمتها التي قالتها، ولم يقل هي غَيرى ولا بأس بذلك، فقد غارت عائشة وضربت يد خادم كان يحمل صحفة فيها طعام من إحدى زوجاته فسقطت وانفلقت، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لصحابته: (غارت أمكم) [رواه البخاري وغيره]، فاستوعب غيرتها والتمس لها العذر، ولم يجعل غيرتها عذرا لها فيما قالته في صفية، رضي الله عنها.
وعن معاذ بن جبل، قال: «كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير، فقلت: يا نبي الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة، ويباعدني من النار، قال: (لقد سألتَ عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل، ثم قرأ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ} [السجدة: 16]، ثم قال: ألا أخبرك برأس الأمر وعموده، وذروة سنامه؟) فقلت: بلى يا رسول الله، قال: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد)، ثم قال: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟)، قلت: بلى يا رسول الله. فأخذ بلسانه، فقال: (كفّ عليك هذا)، فقلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: (ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يَكُبُّ الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم يوم القيامة إلا حصائدُ ألسنتهم) [رواه الترمذي].
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسا، يهوي بها سبعين خريفا في النار)، ولفظ (الرجل) هنا لا يعني أن المعنيين بالخطاب الرجال فحسب، بل المرأة كذلك يشملها هذا الحديث وهذا الوعيد، وإن كانت كلمة تفعل بصاحبها هذا الفعل، فكيف بكلمات وكلمات، بل كيف بمجالس تدوم لساعات وساعات، لا حديث فيها إلا عن فلان أو فلانة.
والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وماله، وعرضه) [رواه مسلم]، نعم عرضه الذي لا ترقب فيه المغتابة إلّاً ولا ذمة، فنجد الواحدة من النساء رقيقات الدين تلوك في عرض أختها المسلمة دونما خوف أو رادع لها.
ويحك يا مسلمة، أما بلغك حديث نبيك -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: (لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم) [رواه أبو داود]، نعم هذا حال الواقعين في أعراض المسلمين في الآخرة والعياذ بالله، أم حسب المغتابون أنهم لا يُسألون؟!
وعن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال) [رواه أبو داود].
أتدرين ما ردغة الخبال يا مسلمة؟ قال ابن الأثير: «جاء تفسيرها في الحديث أنها عصارة أهل النار، والردغة، بسكون الدال وفتحها: طين ووحل كثير».
روي أن الإمام ابن سيرين -رحمه الله تعالى- ذكر رجلا فقال: «ذاك الرجل الأسود»، فخاف وجزع ثم استدرك: «أستغفر الله، إني أراني قد اغتبته»!
فلتحذر المسلمة من هول يومٍ عظيم، فالله -تبارك وتعالى- قد يغفر لك ما كان في حقه عليك من تقصير أو تفريط، أما حقوق عبيده الذين تعديتِ عليهم فلن يغفرها حتى يعفوا هم عنك، ولتعلمي أن مجالسك الدنيوية ستكون يوم القيامة شاهدة عليك، وجهاز الهاتف الذي تقضي به بعضُ المسلمات الأوقات الطوال، تذكر أختا لها مسلمة بسوء أو شر، هو أيضا سيأتي يوم الحساب شاهدا عليك، ولا تظني يا مسلمة أن دعاء كفارة المجلس الذي تلهج به المغتابة بعد الانتهاء من أكل لحم أختها، أو قول: «غفر الله لنا ولها»، سينجيك بين يدي الحسيب، لأن كفارة المجلس والدعاء المجرد لا ينفعان صاحبهما إن لم تؤدَّ الحقوق إلى أصحابها ويتوب المرء توبة صادقة.
أما النميمة وما أدراك ما النميمة، فتلك أمرها أشد وأعظم من الغيبة، وهي -كما عرّفها أهل العلم- نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد بينهم، وقد ذم الله -عز وجل- النمَّامين في محكم التنزيل فقال تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} [القلم: 10-11]، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة قَتَّات) [متفق عليه]، والقَتَّات النَمَّام الذي ينقل الكلام بين الناس بغية الإفساد وإحداث فتنة، وما أبغض هذا الخُلُق وأسوأه، وكيف يطيب عيشه وينام ليله من كان هذا طبعه؟ وعن يحيى بن أبي كثير -رحمه الله- قال: «النمّام يفسد في ساعة ما لا يفسد الساحر في شهر» [الآداب للبيهقي].
وبعض النسوة لهن أكثر من وجه، فتجد إحداهن تأتي هذه بوجه والأخرى بوجه، وقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه، ويأتي هؤلاء بوجه)، وما تكاد النمّامة تسمع من مسلمة كلمة في حق أخت لها، حتى تطير بها إليها زاعمة أن ذلك من المحبة والإخلاص، كذبت والله، فهذا من إفساد ذات البين، فما تنقل المُحِبَّة لأختها ما يكدّرها وينزغ بينها وبين مسلمة، وما تمشي من تخشى الله واليوم الآخر بوقيعة بين المسلمين، فلتحذر المسلمة من أن تكون من الفاسقات، إن هي سلكت سبيل المشّائين بنميم إذ يقول الله، عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: 6].
والنميمة من موجبات عذاب القبر، فعن ابن عباس قال: «مرّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على قبرين، فقال: (أما إنهما ليُعذَّبان وما يُعذَّبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله)» [متفق عليه].
ولتعلم من يبلغها من أختها شرّ في حقها أن من نقلت لها ستنقل عنها حتما، هكذا هي معادلة النمامين! وعليها أن تردّها وتنهرها وتقبّح صنيعها وتذكّرها بالله وشديد عقابه علَّها تنزجر وتتعظ.
وأخيرا: حذار حذار يا أَمَة الله من أن تأتي يا مسلمة يوم القيامة مفلسة من الحسنات التي كنت تجمعينها بصلاتك وزكاتك وقراءتك القرآن وتحريضك وهجرتك... إلخ، روى مسلم عن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أتدرون من المفلس؟) قالوا: «المفلس فينا يا رسول الله، من لا درهم له، ولا متاع»، قال: (المفلس من أمتي يوم القيامة من يأتي بصلاة، وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم عرض هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وضرب هذا، فيقعد فيقتص هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته، قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم، فطرح عليه، ثم طرح في النار).
وحريّ بالمسلمة مريدة الآخرة أن تجعل من بيتها منارة من منارات الهدى، ومن مجالسها شعلة من مشاعل الإيمان، فلا تقومنّ من مجلس كمن تقوم من على جثة حمار، لحديث النبي، صلى الله عليه وسلم: (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه، إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة) [رواه أبو داود].
كما عليها أن تختار لنفسها صحبة صالحة تعينها على أمر الآخرة، فيجتهدن لتعلم أمر دينهن والسؤال عما ينفعهن.
* المصدر: صحيفة النبأ - العدد 40
الثلاثاء 21 شوال 1437 هـ
لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at