الحمد لله وبعد/ 1- روى البخاري (3500) عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال :سَمِعْتُ ...
الحمد لله وبعد/
1- روى البخاري (3500) عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لاَ يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ ، إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ) .
قال ابن حجر في الفتح : قوله : ما أقاموا الدين ) أي مدة إقامتهم أمور الدين ، قيل يحتمل أن يكون مفهومه فإذا لم يقيموه لا يسمع لهم ، وقيل يحتمل أن لا يقام عليهم وإن كان لا يجوز إبقاؤهم على ذلك ذكرهما ابن التين ، ثم قال : وقد أجمعوا أنه أي الخليفة إذا دعا إلى كفر أو بدعة أنه يقام عليه واختلفوا إذا غصب الأموال وسفك الدماء وانتهك هل يقام عليه أو لا ، انتهى . وما ادعاه من الإجماع على القيام فيما إذا دعا الخليفة إلى البدعة مردود ، إلا إن حمل على بدعة تؤدي إلى صريح الكفر ، وإلا فقد دعا المأمون والمعتصم والواثق إلى بدعة القول بخلق القرآن وعاقبوا العلماء من أجلها بالقتل والضرب والحبس وأنواع الإهانة ولم يقل أحد بوجوب الخروج عليهم بسبب ذلك ، ودام الأمر بضع عشرة سنة حتى ولي المتوكل الخلافة فأبطل المحنة وأمر بإظهار السنة ؟ وما نقله من الاحتمال في قوله : ما أقاموا الدين " خلاف ما تدل عليه الأخبار الواردة في ذلك الدالة على العمل بمفهومه أو أنهم إذا لم يقيموا الدين يخرج الأمر عنهم . وقد ورد في حديث أبي بكر الصديق نظير ما وقع في حديث معاوية ذكره محمد بن إسحاق في [ ص: 125 ] " الكتاب الكبير " فذكر قصة سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر وفيها : فقال أبو بكر : وإن هذا الأمر في قريش ما أطاعوا الله واستقاموا على أمره " وقد جاءت الأحاديث التي أشرت إليها على ثلاثة أنحاء :
الأول وعيدهم باللعن إذا لم يحافظوا على المأمور به كما في الأحاديث التي ذكرتها في الباب الذي قبله حيث قال الأمراء من قريش ما فعلوا ثلاثا : ما حكموا فعدلوا الحديث ، وفيه فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله وليس في هذا ما يقتضي خروج الأمر عنهم .
الثاني وعيدهم بأن يسلط عليهم من يبالغ في أذيتهم ، فعند أحمد وأبي يعلى من حديث ابن مسعود رفعه يا معشر قريش إنكم أهل هذا الأمر ما لم تحدثوا ، فإذا غيرتم بعث الله عليكم من يلحاكم كما يلحى القضيب ورجاله ثقات ، إلا أنه من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عم أبيه عبد الله بن مسعود ولم يدركه ، هذه رواية صالح بن كيسان عن عبيد الله ، وخالفه حبيب بن أبي ثابت فرواه عن القاسم بن محمد بن عبد الرحمن عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي مسعود الأنصاري ولفظه لا يزال هذا الأمر فيكم وأنتم ولاته . الحديث أخرجه أحمد وفي سماع عبيد الله من أبي مسعود نظر مبني على الخلاف في سنة وفاته وله شاهد من مرسل عطاء بن يسار أخرجه الشافعي والبيهقي من طريقه بسند صحيح إلى عطاء ولفظه قال لقريش : أنتم أولى الناس بهذا الأمر ما كنتم على الحق ، إلا أن تعدلوا عنه فتلحون كما تلحى هذه الجريدة وليس في هذا أيضا تصريح بخروج الأمر عنه وإن كان فيه إشعار به .
الثالث الإذن في القيام عليهم وقتالهم والإيذان بخروج الأمر عنهم كما أخرجه الطيالسي والطبراني من حديث ثوبان رفعه استقيموا لقريش ما استقاموا لكم ، فإن لم يستقيموا فضعوا سيوفكم على عواتقكم فأبيدوا خضراءهم ، فإن لم تفعلوا فكونوا زراعين أشقياء ورجاله ثقات ، إلا أن فيه انقطاعا لأن راويه سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان . وله شاهد في الطبراني من حديث النعمان بن بشير بمعناه . وأخرج أحمد من حديث ذي مخبر بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الموحدة بعدهما راء وهو ابن أخي النجاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان هذا الأمر في حمير فنزعه الله منهم وصيره في قريش وسيعود إليهم وسنده جيد وهو شاهد قوي لحديث القحطاني ، فإن حمير يرجع نسبها إلى قحطان ، وبه يقوى أن مفهوم حديث معاوية ما أقاموا الدين أنهم إذا لم يقيموا الدين خرج الأمر عنهم ، ويؤخذ من بقية الأحاديث أن خروجه عنهم إنما يقع بعد إيقاع ما هددوا به من اللعن أولا وهو الموجب للخذلان وفساد التدبير ، وقد وقع ذلك في صدر الدولة العباسية ، ثم التهديد بتسليط من يؤذيهم عليهم ، ووجد ذلك في غلبة مواليهم بحيث صاروا معهم كالصبي المحجور عليه يقتنع بلذاته ويباشر الأمور غيره ، ثم اشتد الخطب فغلب عليهم الديلم فضايقوهم في كل شيء حتى لم يبق للخليفة إلا الخطبة ، واقتسم المتغلبون الممالك في جميع الأقاليم ، ثم طرأ عليهم طائفة بعد طائفة حتى انتزع الأمر منهم في جميع الأقطار ولم يبق للخليفة إلا مجرد الاسم في بعض الأمصار .
2 - عن يحيى بن حصين قال سمعت جدتي تحدث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع وهو يقول ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا رواه مسلم
قال القرطبي في المفهم: قوله: " على المرء المسلم السمع والطاعة " ظاهر في وجوب السمع والطاعة للأئمة والأمراء والقضاة، ولا خلاف فيه إذا لم يأمر بمعصية، فإن أمر [ ص: 39 ] بمعصية فلا تجوز طاعته في تلك المعصية قولا واحدا، ثم إن كانت تلك المعصية كفرا وجب خلعه على المسلمين كلهم، وكذلك لو ترك إقامة قاعدة من قواعد الدين كإقام الصلاة وصوم رمضان وإقامة الحدود ومنع من ذلك، وكذلك لو أباح شرب الخمر والزنا ولم يمنع منها لا يختلف في وجوب خلعه، فأما لو ابتدع بدعة ودعا الناس إليها فالجمهور على أنه يخلع.
وذهب البصريون إلى أنه لا يخلع تمسكا بقوله عليه الصلاة والسلام: "إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان"، وهذا يدل على استدامة ولاية المتأول وإن كان مبتدعا، فأما لو أمر بمعصية مثل أخذ مال بغير حق أو قتل أو ضرب بغير حق فلا يطاع في ذلك ولا ينفذ أمره، ولو أفضى ذلك إلى ضرب ظهر المأمور وأخذ ماله؛ إذ ليس دم أحدهما ولا ماله بأولى من دم الآخر ولا ماله، وكلاهما يحرم شرعا؛ إذ هما مسلمان، ولا يجوز الإقدام على واحد منهما لا للآمر ولا للمأمور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " كما ذكره الطبري ، ولقوله هنا: " فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ".
فأما قوله في حديث حذيفة " اسمع وأطع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك " فهذا أمر للمفعول به ذلك للاستسلام والانقياد، وترك الخروج عليه مخافة أن يتفاقم الأمر إلى ما هو أعظم من ذلك.
ويحتمل أن يكون ذلك خطابا لمن يفعل به ذلك بتأويل يسوغ للأمير بوجه يظهر له ولا يظهر ذلك للمفعول به، وعلى هذا يرتفع التعارض بين الأحاديث ويصح الجمع، والله تعالى أعلم.
1- روى البخاري (3500) عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما قال :سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لاَ يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ ، إِلَّا كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ) .
قال ابن حجر في الفتح : قوله : ما أقاموا الدين ) أي مدة إقامتهم أمور الدين ، قيل يحتمل أن يكون مفهومه فإذا لم يقيموه لا يسمع لهم ، وقيل يحتمل أن لا يقام عليهم وإن كان لا يجوز إبقاؤهم على ذلك ذكرهما ابن التين ، ثم قال : وقد أجمعوا أنه أي الخليفة إذا دعا إلى كفر أو بدعة أنه يقام عليه واختلفوا إذا غصب الأموال وسفك الدماء وانتهك هل يقام عليه أو لا ، انتهى . وما ادعاه من الإجماع على القيام فيما إذا دعا الخليفة إلى البدعة مردود ، إلا إن حمل على بدعة تؤدي إلى صريح الكفر ، وإلا فقد دعا المأمون والمعتصم والواثق إلى بدعة القول بخلق القرآن وعاقبوا العلماء من أجلها بالقتل والضرب والحبس وأنواع الإهانة ولم يقل أحد بوجوب الخروج عليهم بسبب ذلك ، ودام الأمر بضع عشرة سنة حتى ولي المتوكل الخلافة فأبطل المحنة وأمر بإظهار السنة ؟ وما نقله من الاحتمال في قوله : ما أقاموا الدين " خلاف ما تدل عليه الأخبار الواردة في ذلك الدالة على العمل بمفهومه أو أنهم إذا لم يقيموا الدين يخرج الأمر عنهم . وقد ورد في حديث أبي بكر الصديق نظير ما وقع في حديث معاوية ذكره محمد بن إسحاق في [ ص: 125 ] " الكتاب الكبير " فذكر قصة سقيفة بني ساعدة وبيعة أبي بكر وفيها : فقال أبو بكر : وإن هذا الأمر في قريش ما أطاعوا الله واستقاموا على أمره " وقد جاءت الأحاديث التي أشرت إليها على ثلاثة أنحاء :
الأول وعيدهم باللعن إذا لم يحافظوا على المأمور به كما في الأحاديث التي ذكرتها في الباب الذي قبله حيث قال الأمراء من قريش ما فعلوا ثلاثا : ما حكموا فعدلوا الحديث ، وفيه فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله وليس في هذا ما يقتضي خروج الأمر عنهم .
الثاني وعيدهم بأن يسلط عليهم من يبالغ في أذيتهم ، فعند أحمد وأبي يعلى من حديث ابن مسعود رفعه يا معشر قريش إنكم أهل هذا الأمر ما لم تحدثوا ، فإذا غيرتم بعث الله عليكم من يلحاكم كما يلحى القضيب ورجاله ثقات ، إلا أنه من رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عم أبيه عبد الله بن مسعود ولم يدركه ، هذه رواية صالح بن كيسان عن عبيد الله ، وخالفه حبيب بن أبي ثابت فرواه عن القاسم بن محمد بن عبد الرحمن عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن أبي مسعود الأنصاري ولفظه لا يزال هذا الأمر فيكم وأنتم ولاته . الحديث أخرجه أحمد وفي سماع عبيد الله من أبي مسعود نظر مبني على الخلاف في سنة وفاته وله شاهد من مرسل عطاء بن يسار أخرجه الشافعي والبيهقي من طريقه بسند صحيح إلى عطاء ولفظه قال لقريش : أنتم أولى الناس بهذا الأمر ما كنتم على الحق ، إلا أن تعدلوا عنه فتلحون كما تلحى هذه الجريدة وليس في هذا أيضا تصريح بخروج الأمر عنه وإن كان فيه إشعار به .
الثالث الإذن في القيام عليهم وقتالهم والإيذان بخروج الأمر عنهم كما أخرجه الطيالسي والطبراني من حديث ثوبان رفعه استقيموا لقريش ما استقاموا لكم ، فإن لم يستقيموا فضعوا سيوفكم على عواتقكم فأبيدوا خضراءهم ، فإن لم تفعلوا فكونوا زراعين أشقياء ورجاله ثقات ، إلا أن فيه انقطاعا لأن راويه سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان . وله شاهد في الطبراني من حديث النعمان بن بشير بمعناه . وأخرج أحمد من حديث ذي مخبر بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الموحدة بعدهما راء وهو ابن أخي النجاشي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان هذا الأمر في حمير فنزعه الله منهم وصيره في قريش وسيعود إليهم وسنده جيد وهو شاهد قوي لحديث القحطاني ، فإن حمير يرجع نسبها إلى قحطان ، وبه يقوى أن مفهوم حديث معاوية ما أقاموا الدين أنهم إذا لم يقيموا الدين خرج الأمر عنهم ، ويؤخذ من بقية الأحاديث أن خروجه عنهم إنما يقع بعد إيقاع ما هددوا به من اللعن أولا وهو الموجب للخذلان وفساد التدبير ، وقد وقع ذلك في صدر الدولة العباسية ، ثم التهديد بتسليط من يؤذيهم عليهم ، ووجد ذلك في غلبة مواليهم بحيث صاروا معهم كالصبي المحجور عليه يقتنع بلذاته ويباشر الأمور غيره ، ثم اشتد الخطب فغلب عليهم الديلم فضايقوهم في كل شيء حتى لم يبق للخليفة إلا الخطبة ، واقتسم المتغلبون الممالك في جميع الأقاليم ، ثم طرأ عليهم طائفة بعد طائفة حتى انتزع الأمر منهم في جميع الأقطار ولم يبق للخليفة إلا مجرد الاسم في بعض الأمصار .
2 - عن يحيى بن حصين قال سمعت جدتي تحدث أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع وهو يقول ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا رواه مسلم
قال القرطبي في المفهم: قوله: " على المرء المسلم السمع والطاعة " ظاهر في وجوب السمع والطاعة للأئمة والأمراء والقضاة، ولا خلاف فيه إذا لم يأمر بمعصية، فإن أمر [ ص: 39 ] بمعصية فلا تجوز طاعته في تلك المعصية قولا واحدا، ثم إن كانت تلك المعصية كفرا وجب خلعه على المسلمين كلهم، وكذلك لو ترك إقامة قاعدة من قواعد الدين كإقام الصلاة وصوم رمضان وإقامة الحدود ومنع من ذلك، وكذلك لو أباح شرب الخمر والزنا ولم يمنع منها لا يختلف في وجوب خلعه، فأما لو ابتدع بدعة ودعا الناس إليها فالجمهور على أنه يخلع.
وذهب البصريون إلى أنه لا يخلع تمسكا بقوله عليه الصلاة والسلام: "إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان"، وهذا يدل على استدامة ولاية المتأول وإن كان مبتدعا، فأما لو أمر بمعصية مثل أخذ مال بغير حق أو قتل أو ضرب بغير حق فلا يطاع في ذلك ولا ينفذ أمره، ولو أفضى ذلك إلى ضرب ظهر المأمور وأخذ ماله؛ إذ ليس دم أحدهما ولا ماله بأولى من دم الآخر ولا ماله، وكلاهما يحرم شرعا؛ إذ هما مسلمان، ولا يجوز الإقدام على واحد منهما لا للآمر ولا للمأمور؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " كما ذكره الطبري ، ولقوله هنا: " فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة ".
فأما قوله في حديث حذيفة " اسمع وأطع، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك " فهذا أمر للمفعول به ذلك للاستسلام والانقياد، وترك الخروج عليه مخافة أن يتفاقم الأمر إلى ما هو أعظم من ذلك.
ويحتمل أن يكون ذلك خطابا لمن يفعل به ذلك بتأويل يسوغ للأمير بوجه يظهر له ولا يظهر ذلك للمفعول به، وعلى هذا يرتفع التعارض بين الأحاديث ويصح الجمع، والله تعالى أعلم.