تم تأجيل العمل على خطة الهروب لبعض الوقت، لأن زنزانتهم كانت قريبة من غرفة السجانين، وكان نشر قضبان ...

تم تأجيل العمل على خطة الهروب لبعض الوقت، لأن زنزانتهم كانت قريبة من غرفة السجانين، وكان نشر قضبان الحديد سيحدث صوتا قويا لا يمكن إخفاؤه، فكان مفتاح الفرج الثاني جرافة أحضرها مرتدو البيشمركة للقيام ببعض الإنشاءات في القطعة العسكرية الواقعة خلف مبنى السجن، فاستغل الإخوة صوت الجرافة المرتفع للتغطية على صوت نشر القضبان الحديدية، حتى انتهوا منها بعد 5 أيام من العمل وتركوا من كل واحد منها جزءا يمكنهم كسره بأيديهم عندما تحين ساعة التنفيذ.

ثم قرر الإخوة تنفيذ الخطوة الأخيرة، فكسروا القضبان، وخرجوا من النافذة بعد منتصف الليل يحملون معهم ما توفر بأيديهم من كِسَر الخبز ليتزودوا بها على الطريق، حيث وجدوا أنفسهم في قلب معسكر البيشمركة، فانطلقوا نحو السياج المحيط به متوكلين على الله، فلم ينتبه لهم المرتدون، ثم أكملوا مسيرهم لسبعة أيام يمشون في الليل وينامون في النهار مخافة أن يُكشف أمرهم، ولم يكن بإمكانهم الإسراع في المسير بسبب ما ألمّ بصهيب من إصابة.

على أطراف مدينة جمجمال فارقهم أحد الإخوة ليجد حيلة للدخول إلى المدينة التي يعرف فيها صديقا علّه يجد عنده المال واللباس لإخوانه، فلما تأخر عليهما خافا أن يكون قد سقط بيد المرتدين من جديد، فيدلهم على مكانهما فاستعجلا المسير إلى كركوك، حيث قدر الله لهم أن وجدوا في طريقها من تصدّق عليهم ببعض المال والطعام لما رأى حالتهما الرثة، فاستقلا بذلك المال حافلة إلى مدينة كركوك.

على بوابات المدينة أوقفهم مرتدو البيشمركة من جديد ومنعوهم من الدخول إليها لأنهم لا يحملون بطاقات هوية، وأصروا على عودتهم من حيث جاؤوا رغم ما ادعوه بأنهم تعرضوا للسلب من اللصوص وفقدوا أموالهم وثبوتياتهم.

رقم هاتف أحد الإخوة كان صهيب ما زال يحتفظ به في ذاكرته أنقذهم هذه المرة، إذ اتصل به صهيب وأخبره بحاله ومن معه، فخرج إليهما، وأدخلهما إلى مدينة كركوك، لتكون فرحة عظيمة للإخوة فيها، وخاصة لوالي كركوك الشيخ أبي فاطمة، تقبله الله، وهناك لحق بهم أخوهم الثالث، بعد أن أصابه -بدوره- القلق، عندما لم يجدهم في مكانهم الأول قرب جمجمال.

عاد صهيب بعكازيه إلى الساحة من جديد، ليعمل في ورشة التفخيخ التابعة لولاية كركوك، حتى كان الفتح، لتتغير بعد ذلك طبيعة عمله.

ولم يطل به المقام حتى اختير أميرا عسكريا لجيش الخلافة في الولاية، بعد مقتل أميرها الأسبق أبي عبد الناصر -تقبله الله- وصار يشارك بنفسه في ملاحمها، وقاد إخوانه في كثير من المعارك ضد الرافضة والبيشمركة، على رأسها معارك (مكتب خالد)، وغزوة الفتح المبين، حتى قتل في معارك حقول علاس وعجيل في شهر رجب من عام 1436 هجرية.

وهكذا طويت صفحة فارس شهم أبيّ من فرسان دولة الإسلام، لم يسكن عن جهاد المرتدين، ولم يتعب من السجون والأسفار، حتى أناخ ركابه على أبواب الجنة، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 51
الخميس 19 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة الصحيفة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at


صهيب المدائني