فلمّا دُعي إلى محاولته الجديدة في حضرموت، فرح واستبشر مظنة أن ينال الشهادة فيها، بعد أن حيل بينه ...

فلمّا دُعي إلى محاولته الجديدة في حضرموت، فرح واستبشر مظنة أن ينال الشهادة فيها، بعد أن حيل بينه وبينها بقدر الله من قبل، ثم ودّع إخوانه يوم العملية، وركب سيارته إلى مكان الهدف، ليُفاجَأ هناك بأنّ رصد الموقع كان قديما، وأن هناك حاجزا قد استجد في الموقع يعيق دخوله إلى البوابة التي تؤدي إلى المرتدين، فعاد أدراجه، وحاول المشرفون على العملية إصلاح خطئهم بزرع عبوة ناسفة لتفجير الحاجز، وفتح طريق العبور للاستشهادي، فلما انفجرت العبوة انطلق أبو محمد ليعبر الحاجز ويقتحم البوابة، وكانت المصيبة أن علقت سيارته في الحاجز لأن التفجير لم يدمّره بشكل كامل، فوقع في مرمى نيران المرتدين، الذين استهدفوا السيارة، وأصابوه بجراح في فخذه وكتفه، ولكن إصابته لم تمنعه من سحب سيارته إلى الخلف تحت وابل الرصاص، فمكث في مركز للعلاج حتى آخر العام 1435 هـ.

في ذلك الوقت كانت أخبار الدولة الإسلامية تملأ الآفاق، وكان إعلان الخلافة حدثا يهز العالم كله، ويهزّ قلوب أكثر الموحدين، التي خفقت في مشارق الأرض ومغاربها فرحا وسرورا بذلك، فانطلقوا يرسلون البيعات، معلنين السمع والطاعة لأمير المؤمنين وخليفة المسلمين الشيخ أبي بكر البغدادي، حفظه الله.

وكان أبو محمد السهلي -تقبله الله- ممن بلغه الأمر، وسمع بالخبر، فعزم على أن يطيع الله تعالى فيلتزم الجماعة، كيف لا وهو الذي طالما تحّرى الحق، وبذل الغالي والنفيس في سبيل بلوغه، وصبر على الأذى فيه، فاحتال لأمره، وورّى على يهود الجهاد بإبداء رغبته في تقديم النصيحة لمن بايع الدولة الإسلامية ليأمن مكر يهود الجهاد، وينجي نفسه من سجنهم الذي أعتدوه لمن عرفوا غايته الحميدة.

يسرّ الله له الوصول إلى إخوانه في ولاية اللواء الأخضر، فكان يستعجل البيعة حتى جاءه مَن قَبِلها مِنه، فصار جنديا من جنود الخلافة، دون أن ينسى أو يتراجع عن هدفه الذي ثبت عليه، فازداد إصرارا على تنفيذ العملية الاستشهادية، وقد صار يعتقد أن الله أخره عن تنفيذها، لينال ثوابها في هذا الركب المبارك، وتكون نتيجتها العاجلة أو الآجلة تمكينا لهذا الدين، لا إزهاقا للنفس في مشاريع الضلالة التي يسوّقها يهود الجهاد، ويضيعوا في سبيلها الدماء والجهود، ليسلموا ثمارها للديموقراطيين والصحوات.

صبر أبو محمد على تأخر عمليته، وفرح إخوانه بمكوثه معهم، كما فرحوا بقدومه عليهم، فهو البشوش الذي لا تفارقه الابتسامة، السخي الكريم الذي لا يبخل بماله، السهل اللين الذي لا يضنّ بجهد في خدمة المجاهدين، فيطبخ لهم، ويقوم على شؤونهم، وهو ملازم لكتاب الله يقرؤه، محافظ على صيام داود، عليه السلام، فيصوم يوما ويفطر يوما، وهو على ذلك منذ أيام سجنه، حتى حان موعد رحيله.

فلما وجد المجاهدون هدفا ثمينا، ألحّ عليهم أن يكون له فيه نصيب، فيسّر الله له ذلك، فدفع ثمن سيارته من جيبه، ليكون ممن خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء، ثم ركب مركوبه الذي ألفه من قبل، ومضى يشق طريقه بين صفوف المرتدين، ليعقر جواده في وسط جمع للمرتدين في عدن، ويُفجِّر سيارته في «فندق القصر» مقر إقامة الطاغوت خالد بحاح، فيحرق المرتدين بناره، ويمزّقهم بعصفه، ويهدّ بنيانهم بقصفه، فنال ما تمنّى، وكانت خاتمة سِفره سعدا، كما نحسب، والحمد لله رب العالمين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 53
الخميس 3 صفر 1438 ه‍ـ

• لقراءة الصحيفة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
أبو محمد السهلي