صحيفة النبأ العدد 484 المقال الافتتاحي: سبيل العزة (١/٢) تقرر في شريعة ربنا أنّ العزة لله ...
صحيفة النبأ العدد 484
المقال الافتتاحي:
سبيل العزة
(١/٢)
تقرر في شريعة ربنا أنّ العزة لله جميعا، فمن كان باحثا عن العزة طالبا لها، فليلزم سبيل العبودية لله وليسلك صراطه المستقيم فهو سبيل العزة في الدنيا والآخرة، وهو وحده -سبحانه- يعز من يشاء ويذل من يشاء، ولا يملك أحد من الخلق ذلك ولو ملك كل أسباب القوة المادية، ولو فاق قارون مُلكًا وفرعون طغيانًا.
وفي تاريخنا المجيد، نجد أنه لمّا تمسك سلفنا الأوائل بدين الله سبحانه، وسلكوا سبيله؛ عزّوا وعزّ شأنهم ودانت لهم الأمم، في حين لما تخلّف المتخلّفون عن سبيل الله تعالى، وسلكوا سبل الغواية والجاهلية؛ ذلوا وتجرأت عليهم الأمم.
وقد دلنا الله تعالى في كتابه على طريق نيل العزة فقال عز وجل: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}، والمعنى كما بيّنه الإمام ابن كثير في تفسيره: "أي: من كان يحب أن يكون عزيزا في الدنيا والآخرة، فليلزم طاعة الله، فإنه يحصل له مقصوده؛ لأن الله مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعها"، فدلّ ذلك على أن طاعة الله تعالى والاستسلام له، هو سبيل العزة لا سبيل غيره مهما تعددت السبل وافترقت الملل والنحل.
ولا يتصور عاقل البتة أنْ يبتغي المرء العزة بعيدا عن جناب الله تعالى، مفارقا عتبة العبودية له؛ منطرحا على عتبات الطواغيت طوّافا على محافلهم وقصورهم كما يفعل اليوم كثير من الهيئات والأحزاب المرتدة! اللاهثة خلف سراب المكاسب وفتات المناصب تحت أجنحة "النظام الدولي" الكافر! وقد جلّى لنا الله في كتابه حال هؤلاء فقال: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}، وما أجود ما ساقه ابن كثير في معرض تفسيره للآية فقال: "والمقصود من هذا، التهييج على طلب العزة من جناب الله، والالتجاء إلى عبوديته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين الذين لهم النصرة في هذه الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد".
فعُلم بذلك أن موالاة الكافرين من اليهود والنصارى وأذنابهم المرتدين ومداهنتهم وركوب مراكبهم، بحثا عن السلامة والمصالح المتوهمة؛ سراب بقيعة لن يجني أصحابه غير المهانة والمذلة، عقابا لهم بخلاف مرادهم، والجزاء من جنس العمل.
كما قضى سبحانه أنّ العزة والمهابة هي في الإيمان بالله تعالى وما اتصل به من موالاة المؤمنين السائرين على منهاج النبوة قولا وعملا، ومحبتهم وتأييدهم وتكثير سوادهم فلهم العزة بنص القرآن الكريم، فقال عز وجل: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، وكما روي عن عمر بن الخطاب قوله لأبي عبيدة بن الجراح: "إنَّا كنَّا أذَلَّ قومٍ، فأعزَّنا اللَّهُ بالإسلامِ، فمهما نطلُبِ العِزَّةَ بغيرِ ما أعزَّنا اللَّهُ به، أذلَّنا اللَّهُ" [رواه الحاكم وصححه].
فالمسلم عزيز باتباعه دين الله، وسلوكه نهج نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ومن ثمار هذه العزة أنك تجد المسلم مقداما شجاعا يقول الحق ولا يخشى في الله لومة لائم، يتقدم ولا يحجم، ولا يعمل حسابا لغير الله تعالى، لأنه يعلم أن الله عزيز مغالب عزّ على كل شيء فغلبه وقهره، فبات وما في قلبه إلا خوف العزيز القهار فاكتسب بذلك عزة ومهابة ظهرت على جوارحه حتى هابه أعداؤه ولو كان وحده، فلا يقتحمون عليه عرينه إلا بغطاء الطائرات وأرتال الآليات، كما نراهم في حملاتهم المكوكية على أجناد الخلافة شرقا وغربا يحشدون المئات لاقتحام كهف غائر في جبل أو خيمة في فلاة في أقصى الأرض.
والمؤمن العزيز بالله المستعين به تعالى، يقدم على الموت في سبيل الله تعالى إنْ كان في الموت سلامة توحيده ونصرة شريعته، كما حدث مع سحرة فرعون بعد إيمانهم واعتزازهم بدينهم، وكيف حوّل الإيمان بالقوي العزيز حالهم من عبدة لفرعون أذلاء إلى مؤمنين لله أعزاء، فلم يعبأوا بتهديده ووعيده ومضوا إلى ربهم يرجون لقاءه وهم يرون مصارعهم ودنوّ آجالهم، بعد أن قالوا لفرعون في صورة فريدة لثبات المؤمن المعتز بدينه: {قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ}، ولسان حالهم: كفرنا بك ولم نعد نبالي بما تفعله بنا، بعد أن لامس الإيمان شغاف قلوبنا وصحّ توحيدنا وارتشفنا لأول مرة طعم الاعتزاز بالله وعذوبة طاعته، وهكذا يفعل التوحيد الخالص بأصحابه، يعز شأنهم ويعلي ذكرهم ويحسن خاتمتهم ويجرّؤهم على تقحُّم الأخطار طلبا للأمن يوم العرض الأكبر.
• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 484
السنة السادسة عشرة - الخميس 28 شعبان 1446 هـ
• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
المقال الافتتاحي:
سبيل العزة
(١/٢)
تقرر في شريعة ربنا أنّ العزة لله جميعا، فمن كان باحثا عن العزة طالبا لها، فليلزم سبيل العبودية لله وليسلك صراطه المستقيم فهو سبيل العزة في الدنيا والآخرة، وهو وحده -سبحانه- يعز من يشاء ويذل من يشاء، ولا يملك أحد من الخلق ذلك ولو ملك كل أسباب القوة المادية، ولو فاق قارون مُلكًا وفرعون طغيانًا.
وفي تاريخنا المجيد، نجد أنه لمّا تمسك سلفنا الأوائل بدين الله سبحانه، وسلكوا سبيله؛ عزّوا وعزّ شأنهم ودانت لهم الأمم، في حين لما تخلّف المتخلّفون عن سبيل الله تعالى، وسلكوا سبل الغواية والجاهلية؛ ذلوا وتجرأت عليهم الأمم.
وقد دلنا الله تعالى في كتابه على طريق نيل العزة فقال عز وجل: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}، والمعنى كما بيّنه الإمام ابن كثير في تفسيره: "أي: من كان يحب أن يكون عزيزا في الدنيا والآخرة، فليلزم طاعة الله، فإنه يحصل له مقصوده؛ لأن الله مالك الدنيا والآخرة، وله العزة جميعها"، فدلّ ذلك على أن طاعة الله تعالى والاستسلام له، هو سبيل العزة لا سبيل غيره مهما تعددت السبل وافترقت الملل والنحل.
ولا يتصور عاقل البتة أنْ يبتغي المرء العزة بعيدا عن جناب الله تعالى، مفارقا عتبة العبودية له؛ منطرحا على عتبات الطواغيت طوّافا على محافلهم وقصورهم كما يفعل اليوم كثير من الهيئات والأحزاب المرتدة! اللاهثة خلف سراب المكاسب وفتات المناصب تحت أجنحة "النظام الدولي" الكافر! وقد جلّى لنا الله في كتابه حال هؤلاء فقال: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}، وما أجود ما ساقه ابن كثير في معرض تفسيره للآية فقال: "والمقصود من هذا، التهييج على طلب العزة من جناب الله، والالتجاء إلى عبوديته، والانتظام في جملة عباده المؤمنين الذين لهم النصرة في هذه الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد".
فعُلم بذلك أن موالاة الكافرين من اليهود والنصارى وأذنابهم المرتدين ومداهنتهم وركوب مراكبهم، بحثا عن السلامة والمصالح المتوهمة؛ سراب بقيعة لن يجني أصحابه غير المهانة والمذلة، عقابا لهم بخلاف مرادهم، والجزاء من جنس العمل.
كما قضى سبحانه أنّ العزة والمهابة هي في الإيمان بالله تعالى وما اتصل به من موالاة المؤمنين السائرين على منهاج النبوة قولا وعملا، ومحبتهم وتأييدهم وتكثير سوادهم فلهم العزة بنص القرآن الكريم، فقال عز وجل: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ}، وكما روي عن عمر بن الخطاب قوله لأبي عبيدة بن الجراح: "إنَّا كنَّا أذَلَّ قومٍ، فأعزَّنا اللَّهُ بالإسلامِ، فمهما نطلُبِ العِزَّةَ بغيرِ ما أعزَّنا اللَّهُ به، أذلَّنا اللَّهُ" [رواه الحاكم وصححه].
فالمسلم عزيز باتباعه دين الله، وسلوكه نهج نبيه -صلى الله عليه وسلم-، ومن ثمار هذه العزة أنك تجد المسلم مقداما شجاعا يقول الحق ولا يخشى في الله لومة لائم، يتقدم ولا يحجم، ولا يعمل حسابا لغير الله تعالى، لأنه يعلم أن الله عزيز مغالب عزّ على كل شيء فغلبه وقهره، فبات وما في قلبه إلا خوف العزيز القهار فاكتسب بذلك عزة ومهابة ظهرت على جوارحه حتى هابه أعداؤه ولو كان وحده، فلا يقتحمون عليه عرينه إلا بغطاء الطائرات وأرتال الآليات، كما نراهم في حملاتهم المكوكية على أجناد الخلافة شرقا وغربا يحشدون المئات لاقتحام كهف غائر في جبل أو خيمة في فلاة في أقصى الأرض.
والمؤمن العزيز بالله المستعين به تعالى، يقدم على الموت في سبيل الله تعالى إنْ كان في الموت سلامة توحيده ونصرة شريعته، كما حدث مع سحرة فرعون بعد إيمانهم واعتزازهم بدينهم، وكيف حوّل الإيمان بالقوي العزيز حالهم من عبدة لفرعون أذلاء إلى مؤمنين لله أعزاء، فلم يعبأوا بتهديده ووعيده ومضوا إلى ربهم يرجون لقاءه وهم يرون مصارعهم ودنوّ آجالهم، بعد أن قالوا لفرعون في صورة فريدة لثبات المؤمن المعتز بدينه: {قَالُوا لَا ضَيْرَ إِنَّا إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ}، ولسان حالهم: كفرنا بك ولم نعد نبالي بما تفعله بنا، بعد أن لامس الإيمان شغاف قلوبنا وصحّ توحيدنا وارتشفنا لأول مرة طعم الاعتزاز بالله وعذوبة طاعته، وهكذا يفعل التوحيد الخالص بأصحابه، يعز شأنهم ويعلي ذكرهم ويحسن خاتمتهم ويجرّؤهم على تقحُّم الأخطار طلبا للأمن يوم العرض الأكبر.
• المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 484
السنة السادسة عشرة - الخميس 28 شعبان 1446 هـ
• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at