تذكرة بين يدي رمضان (٢/٢) وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يبشّر أصحابه بقدوم رمضان، كما ...
تذكرة بين يدي رمضان
(٢/٢)
وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يبشّر أصحابه بقدوم رمضان، كما خرّجه الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يبشّر أصحابه، يقول: (قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم)، قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة النّاس بعضهم بعضا بشهر رمضان.
كيف لا يبشّر المؤمن بفتح أبواب الجنان، كيف لا يبشّر المذنب بغلق أبواب النيران، كيف لا يبشّر العاقل بوقت يغلّ فيه الشيطان، من أين يشبه هذا الزمان زمان.
وقال معلّى بن الفضل: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلّغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبّل منهم. وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم: "اللهم سلّمني إلى رمضان، وسلّم لي رمضان، وتسلّمه منّي متقبّلا".
بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه، ويدلّ عليه حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم، ثم مات الثالث على فراشه بعدهما، فرئي في المنام سابقا لهما، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (أليس صلّى بعدهما كذا وكذا صلاة، وأدرك رمضان فصامه، فوالذي نفسي بيده، إنّ بينهما لأبعد ممّا بين السّماء والأرض) خرّجه الإمام أحمد وغيره.
من رُحم في رمضان فهو المرحوم، ومن حُرم خيره فهو المحروم، ومن لم يتزوّد فيه لمعاده فهو ملوم.
يا من طالت غيبته عنّا، قد قربت أيّام المصالحة، يا من دامت خسارته قد أقبلت أيّام التّجارة الرّابحة، من لم يربح في هذا الشّهر ففي أيّ وقت يربح؟! من لم يقرب فيه من مولاه فهو على بعده لا يبرح.
كم ينادى: حيّ على الفلاح وأنت خاسر؟! كم تدعى إلى الصّلاح وأنت على الفساد مثابر؟!
كم ممّن أمّل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله، فصار قبله إلى ظلمة القبر، كم من مستقبل يوما لا يستكمله، ومؤمّل غدا لا يدركه. إنّكم لو أبصرتم الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره.
خطب عمر بن عبد العزيز آخر خطبة خطبها، فقال فيها: إنّكم لم تخلقوا عبثا، ولن تتركوا سدى، وإنّ لكم معادا ينزل الله فيه للفصل بين عباده، فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كلّ شيء، وحرم جنّة عرضها السّماوات والأرض.
ألا ترون أنّكم في أسلاب الهالكين، وسيرثها بعدكم الباقون؟ كذلك حتّى تردّ إلى خير الوارثين. وفي كلّ يوم تشيّعون غاديا ورائحا إلى الله قد قضى نحبه، وانقضى أجله، فتودّعونه وتدعونه في صدع من الأرض غير موسّد ولا ممهّد، قد خلع الأسباب، وفارق الأحباب، وسكن التّراب، وواجه الحساب، غنيّا عمّا خلّف، فقيرا إلى ما أسلف؛ فاتّقوا الله عباد الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقيته، وإنّي لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذّنوب أكثر ممّا أعلم عندي، ولكني أستغفر الله وأتوب إليه. ثمّ رفع طرف ردائه وبكى حتّى شهق، ثمّ نزل فما عاد إلى المنبر بعدها حتّى مات رحمه الله".
[لطائف المعارف]
لابن رجب الحنبلي -رحمه الله-
المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 484
السنة السادسة عشرة - الخميس 28 شعبان 1446 هـ
• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
(٢/٢)
وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يبشّر أصحابه بقدوم رمضان، كما خرّجه الإمام أحمد والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يبشّر أصحابه، يقول: (قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغلّ فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم)، قال بعض العلماء: هذا الحديث أصل في تهنئة النّاس بعضهم بعضا بشهر رمضان.
كيف لا يبشّر المؤمن بفتح أبواب الجنان، كيف لا يبشّر المذنب بغلق أبواب النيران، كيف لا يبشّر العاقل بوقت يغلّ فيه الشيطان، من أين يشبه هذا الزمان زمان.
وقال معلّى بن الفضل: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلّغهم رمضان، ثم يدعونه ستة أشهر أن يتقبّل منهم. وقال يحيى بن أبي كثير: كان من دعائهم: "اللهم سلّمني إلى رمضان، وسلّم لي رمضان، وتسلّمه منّي متقبّلا".
بلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه، ويدلّ عليه حديث الثلاثة الذين استشهد اثنان منهم، ثم مات الثالث على فراشه بعدهما، فرئي في المنام سابقا لهما، فقال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (أليس صلّى بعدهما كذا وكذا صلاة، وأدرك رمضان فصامه، فوالذي نفسي بيده، إنّ بينهما لأبعد ممّا بين السّماء والأرض) خرّجه الإمام أحمد وغيره.
من رُحم في رمضان فهو المرحوم، ومن حُرم خيره فهو المحروم، ومن لم يتزوّد فيه لمعاده فهو ملوم.
يا من طالت غيبته عنّا، قد قربت أيّام المصالحة، يا من دامت خسارته قد أقبلت أيّام التّجارة الرّابحة، من لم يربح في هذا الشّهر ففي أيّ وقت يربح؟! من لم يقرب فيه من مولاه فهو على بعده لا يبرح.
كم ينادى: حيّ على الفلاح وأنت خاسر؟! كم تدعى إلى الصّلاح وأنت على الفساد مثابر؟!
كم ممّن أمّل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله، فصار قبله إلى ظلمة القبر، كم من مستقبل يوما لا يستكمله، ومؤمّل غدا لا يدركه. إنّكم لو أبصرتم الأجل ومسيره، لأبغضتم الأمل وغروره.
خطب عمر بن عبد العزيز آخر خطبة خطبها، فقال فيها: إنّكم لم تخلقوا عبثا، ولن تتركوا سدى، وإنّ لكم معادا ينزل الله فيه للفصل بين عباده، فقد خاب وخسر من خرج من رحمة الله التي وسعت كلّ شيء، وحرم جنّة عرضها السّماوات والأرض.
ألا ترون أنّكم في أسلاب الهالكين، وسيرثها بعدكم الباقون؟ كذلك حتّى تردّ إلى خير الوارثين. وفي كلّ يوم تشيّعون غاديا ورائحا إلى الله قد قضى نحبه، وانقضى أجله، فتودّعونه وتدعونه في صدع من الأرض غير موسّد ولا ممهّد، قد خلع الأسباب، وفارق الأحباب، وسكن التّراب، وواجه الحساب، غنيّا عمّا خلّف، فقيرا إلى ما أسلف؛ فاتّقوا الله عباد الله قبل نزول الموت وانقضاء مواقيته، وإنّي لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد من الذّنوب أكثر ممّا أعلم عندي، ولكني أستغفر الله وأتوب إليه. ثمّ رفع طرف ردائه وبكى حتّى شهق، ثمّ نزل فما عاد إلى المنبر بعدها حتّى مات رحمه الله".
[لطائف المعارف]
لابن رجب الحنبلي -رحمه الله-
المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 484
السنة السادسة عشرة - الخميس 28 شعبان 1446 هـ
• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at