وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ بعد أن أكلت جلودَ المسلمين ...
وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ
بعد أن أكلت جلودَ المسلمين ولحومَهم ونفوسَهم -رجالا ونساء وولدانا- نيرانُ المرتدين الغاشمة المقذوفة من الطائرات والراجمات والدبابات، شفى الله صدور أهل الولاء والبراء بما كتبه على أيديهم من حرق أسرى الطواغيت، بينما استنكر «علماء» الطواغيت و«منظّرو» الصحوات نيران العدل تقرّبا لعروش الكفرة الطغاة وفي سبيل العصبيات الجاهلية، فتجاهلوا الخلاف، وتناسوا الأدلة، وتباكوا على إخوانهم المرتدين، حشرهم الله مع حرقى الطواغيت وهلكى الصحوات في نار جهنّم خالدين فيها أبدا، آمين.
ولقد اتّبع هؤلاء «العلماء» و«المنظرون» كفرة أهل الكتاب {الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة: 174]، وضُلّال أهل البدعة الذين «لا يَروُون إلا ما لهم»، كما نعتهم وكيع بن الجراح، رحمه الله [أبو نعيم: تاريخ أصبهان]، وسلكوا هذا النهج في مسائل يَسع الخلاف فيها ليُفضّلوا المرتدين من الطواغيت والصحوات على الموحّدين المجاهدين من المهاجرين والأنصار، ألا ساء ما يحكمون.
فأما تجاهلهم الخلاف، فهو إخفاؤهم ما ذكره غير واحد من شرّاح الحديث بقولهم: «اختلف السلف في التحريق، فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما... وأجازه عليّ وخالد بن الوليد وغيرهما» [ابن حجر: فتح الباري].
وقد حرق أبو بكر الصدّيق وخالد بن الوليد -رضي الله عنهما- بعض مانعي الزكاة وأتباع المتنبئين بالنار، وحرق علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بعض الروافض بالنار، فقتلوا المرتدين -ردّة مغلّظة- شرّ قتلة إرهابا لمن دونهم وتشريدا لمن خلفهم، وحرق أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وخالد بن الوليد وعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهم- بعض اللوطية بالنار غضبا لله وتعزيرا لهم.
والواجب على المرء فيما اختلف فيه الناس ردُّه إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10]، وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59].
فبيّنت السنّة أن الأصل في حرق ذوات الأرواح الحُرمة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: «بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعث فقال: (إن وجدتم فلانا وفلانا، فأحرقوهما بالنار)؛ ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أردنا الخروج: (إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا يُعذِّب بها إلا الله، فإن وجدتموهما، فاقتلوهما)» [رواه البخاري].
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تعذّبوا بعذاب الله) [رواه البخاري].
وأما تناسي «علماء» الطواغيت و«منظّري» الصحوات للأدلة، فهو كتمانهم بعض ما أنزله أحكم الحاكمين ليقوم الناس بالقسط، قال سبحانه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]، وقال: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]، وقال: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، وقال: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45].
وجاء في التعذيب بالنار قصاصا حديثُ العُكليين الذي رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه «أن نفرا من عُكْل ثمانية قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا الأرض [أي: لم توافقهم وكرهوها]، وسقمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (ألا تخرجون مع راعينا في إبله، فتصيبون من أبوالها وألبانها؟) فقالوا: بلى؛ فخرجوا، فشربوا من أبوالها وألبانها، فصحوا، فقتلوا الراعي وطردوا الإبل [أي: أخرجوها عن مستقرها]، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبعث في آثارهم، فأُدركوا، فجيء بهم، فأمر بهم، فقُطّعت أيديهم وأرجلهم، وسَمَرَ أعينهم [أي: كحلها بمسامير محمية بالنار، وفي رواية: ثم أمر بمسامير فأُحميت فكحلهم بها]، ثم نُبذوا في الشمس حتى ماتوا».
وقال أنس، رضي الله عنه: «إنما سمل [أي: بمعنى سَمَرَ] النبي -صلى الله عليه وسلم- أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاء» [رواه مسلم].
وبوّب البخاري على حديث العُكليين في صحيحه «باب: إذا حرق المشرك المسلم هل يُحرق؟» قال ابن حجر: «أشار بذلك إلى تخصيص النهي في قوله (باب: لا يُعذّب بعذاب الله) بما إذا لم يكن ذلك على سبيل القصاص» [فتح الباري]، لأن حقيقة السمر تحريق الأعين بالنار بواسطة المسامير المحماة، كما أشار إلى ذلك ابن المهلّب وابن بطّال وابن الملقّن وغيرهم من شرّاح الحديث.
ففي هذه الآيات شرع أحكم الحاكمين القصاص، وفي هذا الحديث حكم الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- بسمر أعين العكليين لمّا سمر بعضهم أعين رعاته، وهذه الأدلة شاهدة على عدالة النيران التي أشعلها الموحدون المجاهدون في أسرى الطاغوتين الأردني والتركي، كما يشهد لعدالتها مذهب جمهور الفقهاء.
قال أبو العباس القرطبي في شرحه للحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أنس -رضي الله عنه- أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها [أي: لأجل حُلي لها من الفضة]، فقتلها بحجر، فجيء بها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وبها رمق [أي: بقية الحياة والروح]، فقال لها: (أقتلك فلان؟) فأشارت برأسها أن لا، ثم قال لها الثانية، فأشارت برأسها أن لا، ثم سألها الثالثة، فقالت: «نعم»، وأشارت برأسها، فقتله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين حجرين.
قال القرطبي: «فيه أن من قَتَل بشيء قُتل به، وقد اختُلف فيه، فذهب الجمهور إلى أنه يُقتل بمثل ما قَتل من حجر، أو عصا، أو تغريق، أو خنق، أو غير ذلك ما لم يَقتله بفسق كاللوطية وإسقاء الخمر، فيُقتل بالسيف، وحجّتهم هذا الحديث، وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، وقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}، والقصاص أصله المساواة في الفعل، ومن هؤلاء من خالف في التحريق بالنار، وفي قتله بالعصا، فجمهورهم: على أنه يُقتل بذلك»، ثم قال: «والصحيح مذهب الجمهور لما تقدّم... لقوله تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، ولحديث العرنيين [أي: حديث العكليين] على ما تقدّم» [المفهم].
وقال ابن القيم: «قد ثبت عن النبي أنه رضخ رأس اليهودي كما رضخ رأس الجارية [الرضخ: كسر الشيء ودقُّه]... ولهذا كان أصح الأقوال أنه يُفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه ما لم يكن محرَّما لحق الله كالقتل باللواطة وتجريع الخمر ونحوه، فيُحرق كما حرق، ويُلقى من شاهق كما فعل، ويُخنق كما خنق، لأن هذا أقرب إلى العدل، وحصول مسمى القصاص، وإدراك الثأر والتشفي، والزجر المطلوب من القصاص» [تهذيب السنن].
فإن تباكى دجّالو العلم والتنظير على أسرى الطواغيت، وقالوا: «لم يباشر جميع عساكر الطواغيت وطيّاروهم تحريق المسلمين!» فالجواب في حديث العُكليين نفسِه، قال ابن القيم في شرحه: «في القصة دليل على قتل الجماعة وأخذ أطرافهم بالواحد، وعلى أن حكم ردء المحاربين حكم مباشِرهم، فإنه من المعلوم أن كل واحد منهم لم يباشر القتل بنفسه، ولا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك» [زاد المعاد].
فهؤلاء العساكر والطيّارون جزء لا ينفصم من الطائفة الممتنعة المرتدة المحاربة للإسلام، بمجموعهم تتحقق الشوكة والمنعة للطواغيت، واللتان بهما تقع النيران الغاشمة على رؤوس المسلمين، فإن أراد دجّالو العلم والتنظير أن يُذبح أسرى الطواغيت بسكاكين الإرهاب -لا بنيران العدل- فليمنعوا أولياءهم من المضي في قصف دار الإسلام بالحارقات العاتيات.
وفي الختام: قال أبو العباس بن قدامة: «ينبغي للداخل إلى الحمّام أن يتذكر بحرارته حر النار، فإن فكرة المؤمن لا تزال تجول في كل شيء من أمور الدنيا فيذكر به أمور الآخرة، لأن الغالب على المؤمن أمر الآخرة، وكل إناء ينضح بما فيه، ألا ترى أنه لو دخل إلى دار معمورة بزّاز، ونجّار، وبنّاء، وحائك، رأيت البزّاز ينظر إلى الفرش يتأمل قيمتها، والحائك ينظر إلى نسج الثياب، والنجّار ينظر إلى سقف الدار، والبنّاء ينظر إلى الحائط، فكذلك المؤمن إذا رأى ظلمة ذكر ظلمة القبر، وإن سمع صوتا هائلا تذكر نفخة الصور، وإن رأى نعيما تذكر نعيم الجنة، وإن رأى عذابا ذكر النار» [مختصر منهاج القاصدين].
فعلى المؤمن أن يتفكَّر إذا ما رأى حرق عساكر الطواغيت وجنود الصلبان، ويتذكّر أن نار جهنّم أشد حرّا، وأن يوم القيامة يغضب الجبّار -عز وجل- غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، فيحرق عصاة الموحدين بها، وتأكل من نفوسهم إلا أثر السجود، فيتعذبون ويسودُّون ويصيرون فحما، ثم يُرحمون بنهر الحياة والجنة -كما جاء في الصحيحين- أما الكفرة والمرتدون، فيُحرقون فيها خالدين فيها أبدا، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 56].
فمن كان مُصرّا على كبائر الذنوب، فليتب قبل أن تسوقَه ذنوبه إلى ما لا يغفره الجبّار يوم القيامة، «قال بعض السلف: المعاصي بريد الكفر، كما أن القُبلة بريد الجماع، والغناء بريد الزنا، والنظر بريد العشق، والمرض بريد الموت» [ابن القيم: الجواب الكافي].
اللهم، يا مقلّب القلب، ثبّت قلوبنا على دينك، آمين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 61
الخميس 29 ربيع الأول 1438 هـ
بعد أن أكلت جلودَ المسلمين ولحومَهم ونفوسَهم -رجالا ونساء وولدانا- نيرانُ المرتدين الغاشمة المقذوفة من الطائرات والراجمات والدبابات، شفى الله صدور أهل الولاء والبراء بما كتبه على أيديهم من حرق أسرى الطواغيت، بينما استنكر «علماء» الطواغيت و«منظّرو» الصحوات نيران العدل تقرّبا لعروش الكفرة الطغاة وفي سبيل العصبيات الجاهلية، فتجاهلوا الخلاف، وتناسوا الأدلة، وتباكوا على إخوانهم المرتدين، حشرهم الله مع حرقى الطواغيت وهلكى الصحوات في نار جهنّم خالدين فيها أبدا، آمين.
ولقد اتّبع هؤلاء «العلماء» و«المنظرون» كفرة أهل الكتاب {الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا} [البقرة: 174]، وضُلّال أهل البدعة الذين «لا يَروُون إلا ما لهم»، كما نعتهم وكيع بن الجراح، رحمه الله [أبو نعيم: تاريخ أصبهان]، وسلكوا هذا النهج في مسائل يَسع الخلاف فيها ليُفضّلوا المرتدين من الطواغيت والصحوات على الموحّدين المجاهدين من المهاجرين والأنصار، ألا ساء ما يحكمون.
فأما تجاهلهم الخلاف، فهو إخفاؤهم ما ذكره غير واحد من شرّاح الحديث بقولهم: «اختلف السلف في التحريق، فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما... وأجازه عليّ وخالد بن الوليد وغيرهما» [ابن حجر: فتح الباري].
وقد حرق أبو بكر الصدّيق وخالد بن الوليد -رضي الله عنهما- بعض مانعي الزكاة وأتباع المتنبئين بالنار، وحرق علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بعض الروافض بالنار، فقتلوا المرتدين -ردّة مغلّظة- شرّ قتلة إرهابا لمن دونهم وتشريدا لمن خلفهم، وحرق أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب وخالد بن الوليد وعبد الله بن الزبير -رضي الله عنهم- بعض اللوطية بالنار غضبا لله وتعزيرا لهم.
والواجب على المرء فيما اختلف فيه الناس ردُّه إلى الكتاب والسنة، كما قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى: 10]، وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59].
فبيّنت السنّة أن الأصل في حرق ذوات الأرواح الحُرمة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: «بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعث فقال: (إن وجدتم فلانا وفلانا، فأحرقوهما بالنار)؛ ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين أردنا الخروج: (إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا، وإن النار لا يُعذِّب بها إلا الله، فإن وجدتموهما، فاقتلوهما)» [رواه البخاري].
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تعذّبوا بعذاب الله) [رواه البخاري].
وأما تناسي «علماء» الطواغيت و«منظّري» الصحوات للأدلة، فهو كتمانهم بعض ما أنزله أحكم الحاكمين ليقوم الناس بالقسط، قال سبحانه: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]، وقال: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194]، وقال: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40]، وقال: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45].
وجاء في التعذيب بالنار قصاصا حديثُ العُكليين الذي رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه «أن نفرا من عُكْل ثمانية قدموا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعوه على الإسلام، فاستوخموا الأرض [أي: لم توافقهم وكرهوها]، وسقمت أجسامهم، فشكوا ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (ألا تخرجون مع راعينا في إبله، فتصيبون من أبوالها وألبانها؟) فقالوا: بلى؛ فخرجوا، فشربوا من أبوالها وألبانها، فصحوا، فقتلوا الراعي وطردوا الإبل [أي: أخرجوها عن مستقرها]، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبعث في آثارهم، فأُدركوا، فجيء بهم، فأمر بهم، فقُطّعت أيديهم وأرجلهم، وسَمَرَ أعينهم [أي: كحلها بمسامير محمية بالنار، وفي رواية: ثم أمر بمسامير فأُحميت فكحلهم بها]، ثم نُبذوا في الشمس حتى ماتوا».
وقال أنس، رضي الله عنه: «إنما سمل [أي: بمعنى سَمَرَ] النبي -صلى الله عليه وسلم- أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاء» [رواه مسلم].
وبوّب البخاري على حديث العُكليين في صحيحه «باب: إذا حرق المشرك المسلم هل يُحرق؟» قال ابن حجر: «أشار بذلك إلى تخصيص النهي في قوله (باب: لا يُعذّب بعذاب الله) بما إذا لم يكن ذلك على سبيل القصاص» [فتح الباري]، لأن حقيقة السمر تحريق الأعين بالنار بواسطة المسامير المحماة، كما أشار إلى ذلك ابن المهلّب وابن بطّال وابن الملقّن وغيرهم من شرّاح الحديث.
ففي هذه الآيات شرع أحكم الحاكمين القصاص، وفي هذا الحديث حكم الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- بسمر أعين العكليين لمّا سمر بعضهم أعين رعاته، وهذه الأدلة شاهدة على عدالة النيران التي أشعلها الموحدون المجاهدون في أسرى الطاغوتين الأردني والتركي، كما يشهد لعدالتها مذهب جمهور الفقهاء.
قال أبو العباس القرطبي في شرحه للحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أنس -رضي الله عنه- أن يهوديا قتل جارية على أوضاح لها [أي: لأجل حُلي لها من الفضة]، فقتلها بحجر، فجيء بها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وبها رمق [أي: بقية الحياة والروح]، فقال لها: (أقتلك فلان؟) فأشارت برأسها أن لا، ثم قال لها الثانية، فأشارت برأسها أن لا، ثم سألها الثالثة، فقالت: «نعم»، وأشارت برأسها، فقتله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين حجرين.
قال القرطبي: «فيه أن من قَتَل بشيء قُتل به، وقد اختُلف فيه، فذهب الجمهور إلى أنه يُقتل بمثل ما قَتل من حجر، أو عصا، أو تغريق، أو خنق، أو غير ذلك ما لم يَقتله بفسق كاللوطية وإسقاء الخمر، فيُقتل بالسيف، وحجّتهم هذا الحديث، وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، وقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ}، والقصاص أصله المساواة في الفعل، ومن هؤلاء من خالف في التحريق بالنار، وفي قتله بالعصا، فجمهورهم: على أنه يُقتل بذلك»، ثم قال: «والصحيح مذهب الجمهور لما تقدّم... لقوله تعالى: {فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}، ولحديث العرنيين [أي: حديث العكليين] على ما تقدّم» [المفهم].
وقال ابن القيم: «قد ثبت عن النبي أنه رضخ رأس اليهودي كما رضخ رأس الجارية [الرضخ: كسر الشيء ودقُّه]... ولهذا كان أصح الأقوال أنه يُفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجني عليه ما لم يكن محرَّما لحق الله كالقتل باللواطة وتجريع الخمر ونحوه، فيُحرق كما حرق، ويُلقى من شاهق كما فعل، ويُخنق كما خنق، لأن هذا أقرب إلى العدل، وحصول مسمى القصاص، وإدراك الثأر والتشفي، والزجر المطلوب من القصاص» [تهذيب السنن].
فإن تباكى دجّالو العلم والتنظير على أسرى الطواغيت، وقالوا: «لم يباشر جميع عساكر الطواغيت وطيّاروهم تحريق المسلمين!» فالجواب في حديث العُكليين نفسِه، قال ابن القيم في شرحه: «في القصة دليل على قتل الجماعة وأخذ أطرافهم بالواحد، وعلى أن حكم ردء المحاربين حكم مباشِرهم، فإنه من المعلوم أن كل واحد منهم لم يباشر القتل بنفسه، ولا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك» [زاد المعاد].
فهؤلاء العساكر والطيّارون جزء لا ينفصم من الطائفة الممتنعة المرتدة المحاربة للإسلام، بمجموعهم تتحقق الشوكة والمنعة للطواغيت، واللتان بهما تقع النيران الغاشمة على رؤوس المسلمين، فإن أراد دجّالو العلم والتنظير أن يُذبح أسرى الطواغيت بسكاكين الإرهاب -لا بنيران العدل- فليمنعوا أولياءهم من المضي في قصف دار الإسلام بالحارقات العاتيات.
وفي الختام: قال أبو العباس بن قدامة: «ينبغي للداخل إلى الحمّام أن يتذكر بحرارته حر النار، فإن فكرة المؤمن لا تزال تجول في كل شيء من أمور الدنيا فيذكر به أمور الآخرة، لأن الغالب على المؤمن أمر الآخرة، وكل إناء ينضح بما فيه، ألا ترى أنه لو دخل إلى دار معمورة بزّاز، ونجّار، وبنّاء، وحائك، رأيت البزّاز ينظر إلى الفرش يتأمل قيمتها، والحائك ينظر إلى نسج الثياب، والنجّار ينظر إلى سقف الدار، والبنّاء ينظر إلى الحائط، فكذلك المؤمن إذا رأى ظلمة ذكر ظلمة القبر، وإن سمع صوتا هائلا تذكر نفخة الصور، وإن رأى نعيما تذكر نعيم الجنة، وإن رأى عذابا ذكر النار» [مختصر منهاج القاصدين].
فعلى المؤمن أن يتفكَّر إذا ما رأى حرق عساكر الطواغيت وجنود الصلبان، ويتذكّر أن نار جهنّم أشد حرّا، وأن يوم القيامة يغضب الجبّار -عز وجل- غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، فيحرق عصاة الموحدين بها، وتأكل من نفوسهم إلا أثر السجود، فيتعذبون ويسودُّون ويصيرون فحما، ثم يُرحمون بنهر الحياة والجنة -كما جاء في الصحيحين- أما الكفرة والمرتدون، فيُحرقون فيها خالدين فيها أبدا، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 56].
فمن كان مُصرّا على كبائر الذنوب، فليتب قبل أن تسوقَه ذنوبه إلى ما لا يغفره الجبّار يوم القيامة، «قال بعض السلف: المعاصي بريد الكفر، كما أن القُبلة بريد الجماع، والغناء بريد الزنا، والنظر بريد العشق، والمرض بريد الموت» [ابن القيم: الجواب الكافي].
اللهم، يا مقلّب القلب، ثبّت قلوبنا على دينك، آمين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 61
الخميس 29 ربيع الأول 1438 هـ