إقامة الدولة الإسلامية.. بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة (4) الرافضة الاثنا عشرية من إمامة ...

إقامة الدولة الإسلامية.. بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة (4)
الرافضة الاثنا عشرية
من إمامة المعدوم.. إلى ولاية الطواغيت
[4/4]

- نظرية (نيابة الفقيه):

تمكن طواغيت (الأصوليين) من فتح باب الاجتهاد أمام أنفسهم، بكسرهم قفل (الإمامة الإلهية) الذي أغلق الباب عليهم، وحلِّهم للعقدة التي وضعها طواغيت (الإخباريين)، والمتعلقة بعدِّ كل علم غير علم الأنبياء والأئمة علما ظنِّيا، وعدم إجازتهم العمل به، فأخرجوا نظرية جديدة تقوم على أساس (النيابة العامة للفقهاء) عن المهدي، بناء على تأويل نص منسوب لأحد أئمتهم يجيز طاعة من يعرف أقوال آثارهم، فهم نواب للمهدي في هذا الباب لا أكثر، وهو (أي المهدي) يسددهم ويمنعهم من الخطأ، اعتمادا على نظرية (اللطف) الاعتزالية، بل هو يَظهر عند الضرورة لينقض إجماعهم على الخطأ بقول يلقيه بين أقوالهم من معلوم أو مجهول.

إلا أن الغالب في قضية التأصيل لنظرية (نيابة الفقيه) هو حل إشكالية استلام ضريبة (الخمس) التي فرضوا من خلالها اقتطاع خمس أموالهم وتأديتها لأئمتهم، إذ توقف أداؤها لفترة طويلة لغياب الإمام، فما كان أمام طواغيت الرافضة سوى أن يفتحوا الباب لأنفسهم لأخذ هذه الأموال من الناس، بدعوى الاحتفاظ بها في خزائنهم وتأديتها لمهديِّهم عند خروجه، أو نيابته في التصرِّف فيها وإنفاقها على آل البيت، زعموا، وفي سبيل نشر دينهم، وتقوية أتباعهم، فلما فُتح باب النيابة عن الإمام الغائب في باب واحد هو (الخمس)، أجاز طواغيت الرافضة لأنفسهم النيابة عنه في الأبواب كلها تدريجيا، حتى قال أحد رواد هذا الاتجاه، وهو شيخهم الكركي: "إن الفقيه المأمون، الجامع لشرائط الفتوى، منصوب من قبل الإمام المهدي".

وهكذا بدأ طواغيت الرافضة يحلون محل أئمتهم، ويتشبهون بهم أكثر فأكثر، ويحتكرون لأنفسهم ما حصروه بهم، من تشريع، واجتهاد، وقضاء، ورئاسة، فبدؤوا يستثمرون نظرية (نيابة الفقهاء) في الضغط على الحكام لأخذ الإجازة منهم بالحكم، وإلا كانوا طواغيت مشركين، فشابهوا بذلك ما كان يفعله "باباوات" النصارى في أزمنة ضعفهم من اشتراط إجازتهم لشرعنة حكم ملوك أوروبا، زاعمين النيابة في ذلك عن عيسى المسيح عليه السلام.

- من "نيابة الفقيه" إلى "ولاية الفقيه"..:

ربما تكون الدولة الصفوية أول الدول الرافضية التي مارس فيها طواغيت الرافضة سلطتهم نوابا للمهدي المزعوم، بأن جعل طهماسب بن إسماعيل الصفوي الحكم لأحدهم وهو الكركي، ليحكم بالنيابة عن المهدي، على أن يجيزه بإدارة شؤون بلاد فارس، فيكتسب بذلك شرعيّة في نظر الروافض الذين كان يسعى لاستمالتهم إلى صفِّه ضد أعدائه العثمانيين بشكل خاص، وكذلك في نظر جنوده وأنصاره من القزلباشية الصوفيين الباطنيين.

ولكن اشتراط هذه الإجازة للحكام من "نواب المهدي" لم يرسخ كقانون، نظرا لتهرب الملوك منها أولا، وللتنازع حول أصل نظرية "نيابة الفقهاء" مع (الإخباريين) الذين لم يستسلموا لإخوانهم (الأصوليين)، ولم يسلّموا لهم بتنصيبهم من قبل مهديِّهم، ورغم ذلك فقد استمر نفوذ طواغيت الروافض بازدياد بين أتباعهم، وبالتالي امتلكوا القوى التي يستطيعون من خلالها الضغط على الحكام، كما فعلوا مع سلاطين القاجاريين حتى نهاية حكمهم، ونظرا لاضطراب العلاقة بينهم وبين الحكام، فقد ظهر بين طواغيت الروافض اتجاه قوي يقول بوجوب أن تكون السلطة في أيديهم بشكل مباشر، ثم يفوِّضوا هم جزءا منها لمن يرون من الناس، بدل تقاسمها مع الحكام، فلا ينالوا منها غير الولاية على القضايا الدينية فحسب.

وهكذا وبعد أن ضاق الروافض وطواغيتهم ذرعا بنظرية (الإمامة الإلهية) وشروطها، ونظريات (الغيبة) و(الانتظار)، باتوا يجهرون بصوت خافت بالحاجة إلى إعادة النظر في هذه النظريات الباطلة، أو على الأقل إيجاد منافذ تسمح لهم بإقامة الدول والحكومات، والفصل في القضايا والمنازعات، وحراسة الثغور وإقامة الحدود، وجمع "الخمس"، والزكوات، وغير ذلك مما لا غنى لمجتمعاتهم عنه، فتطور لديهم القول بنظرية جديدة بنوا عليها آخر دولهم الطاغوتية بإذن الله، وهي دولة إيران الشركية التي تقاتلها دولة الإسلام اليوم، وهي نظرية "ولاية الفقيه".

وسنسعى -بإذن الله- في حلقة قادمة من هذه السلسلة إلى الحديث عن هذه النظرية، وواقعها اليوم في ظل تطبيقها من قبل طواغيت إيران، نسأل الله أن يعلِّمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، وأن يهدينا سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين.



المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 72
الخميس 17 جمادى الآخرة 1438 ه‍ـ