الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 73 الافتتاحية: ربيع الخلافة.. وخريف الثورات الجاهلية ...
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 73
الافتتاحية:
ربيع الخلافة.. وخريف الثورات الجاهلية
لا يكتفي أهل الباطل بالاقتصار على ما يقترفون، وإنما يسعون -غالبا- إلى تصوير باطلهم حقا، لينجوا من العقوبة والملامة، بل إنهم في كثير من الأحيان يُجهدون أنفسهم ليُسبغوا على هذا الباطل من الأوصاف الشرعية ما يجعله في أذهانهم من فضائل الأعمال.
ولما كان الجهاد ذروة سنام الإسلام، ومبعث فخر للمسلمين، فإنه قد انتسب إليه كثير من الأدعياء، وجرَّأهم على ذلك علماء السوء الأشقياء، مستندين في ذلك على المتشابهات، نابذين وراء ظهورهم القاطعات المحكمات، وخاصة في السنوات الأخيرة التي هاجت فيها الدنيا وماجت، في ظِل ما يحلو للبعض تسميته بـ "ثورات الربيع العربي".
فلا خلاف في أن الخروج على الحاكم الكافر وقتالَه بالسيف من أعظم القربات، وأفضل الأعمال، وأبرك الجهاد، بل ولا شك في أن أمرَ الحاكم المسلم بالمعروف إن تركه، ونهيَه باللسان عن المنكر إن ركبه، هو من الأعمال الصالحات، ولكن أن يَنسب كلُّ خارجٍ على حاكمٍ فِعْلَه للجهاد في سبيل الله، مهما كانت صفة هذا الحاكم، ومهما كانت غاية الخروج وصفته، فإن هذا من أعظم الكذب على الله سبحانه.
فالخروج على الحاكم الكافر يكون جهادا في سبيل الله إذا كانت الغاية من قتاله أن تكون كلمة الله هي العليا، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) [متفق عليه]، أما إن كان الخروج لاستبدال كفر بكفر، فهو كفر، ولا يختلف حكم فاعله عن حكم الطاغوت الذي خرج عليه وقاتَلَه، إذ كلاهما يرفع راية كفرية، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].
وهكذا كان حال الكثيرين ممَّن خرجوا على الطواغيت الحاكمين لبلاد المسلمين، إذ لم يلبثوا أن أظهروا الموافقة على الكفر، بل ومطالبتهم به، من خلال رفعهم شعارات الديموقراطية التي لا تعني إلا منازعة الله في حكمه، ومطالبتهم بالدولة المدنية التي تُنحى فيها الشريعة، وتعلوها القوانين الوضعية الطاغوتية، ويستوي فيها المؤمنون والكافرون، والموحدون والمشركون، وذلك استرضاء للمشركين في الدول الصليبية، ومداهنة لهم، وخوفا من إغضابهم.
وبالتالي فإن الغايات الظاهرة المعلنة لكثير ممن خرج على الطواغيت كانت استبدال حكمهم الاستبدادي العسكري، بحكم لا يقل عنه كفرا، بل يزيد عليه ضررا بالتباس أمره على الناس، وعِظم فتنتِه عليهم، وهو الحكم الديموقراطي المدني، فوقع هؤلاء "الثوار" المطالبون بالديموقراطية في الكفر والشرك، رغم زعمهم في بداية الأمر أنهم ما خرجوا في المظاهرات، وعرَّضوا أنفسهم للقتل والأسر والتعذيب، ولا حملوا السلاح وقاتلوا جنود الطواغيت إلا ليقيموا بعد إسقاط الحكام الكافرين حكما إسلاميا على منهاج النبوة.
ولم تدَّخر الدولة الإسلامية جهدا منذ الأيام الأولى للمظاهرات التي خرجت ضد الطواغيت في دعوة الناس إلى أن يكون خروجهم في سبيل الله، صافي الراية، واضح الغاية، لإقامة دين الله في الأرض، لا منافسةً على ملك، أو نصرةً لعصبية، فضلا عن أن يكون لإقامة طاغوت مكان طاغوت، وإحلال شرك مكان شرك، وحذَّرتهم من أن يضيعوا جهودهم ويستنزفوا طاقاتهم في سلوك مناهج بدعية ضالة، أو ركوب مشاريع حمقاء مهلكة، كالسلميّة، واستجداء العون من المشركين.
وأتبعت القول بالعمل، فأظهرت للعالم كله -بفضل الله- كيف تُنكَّس راية الكفار، وتُسحق جيوش الطواغيت، ويقام دين رب العالمين، دون مداهنة للمشركين، أو استجداء للصليبيين، بل بتجريد التوحيد، وإبطال الشرك والتنديد، وموالاة المؤمنين، وفلق رؤوس الظالمين، فرزقها الله من بعد الوابل الصيّب ربيعا أزهر بإعادة الخلافة، وتحكيم الشريعة، وتوحيد الجماعة.
وعلى منهاجها فليسر كل باغ للوصول، وبجماعتها فليعتصم كلُّ حريص على السلامة، وبهدي النبوة الذي عملت به فليعمل كل من يروم ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.
وأما من خالف الحق الذي سارت عليه واتبع سبيل الضالين المضلين، فلم يجن من ثوراته الجاهلية إلا غضب الرحمن، وتسلط أهل الأوثان، فلا هو نال دنيا يرومها، ولا هو أبقى دينا ينجو به في آخرته، ثم لن تكون عاقبتهم إلا أن يلعنوا ثوراتهم التي قدَّسوها، ويعودوا ليركنوا من جديد إلى الطواغيت، والله لا يهدي القوم الظالمين.
* المصدر:
صحيفة النبأ العدد 73
للمزيد من المقالات النافعة.. تواصل معنا تيليجرام:
@wmc11ar
الافتتاحية:
ربيع الخلافة.. وخريف الثورات الجاهلية
لا يكتفي أهل الباطل بالاقتصار على ما يقترفون، وإنما يسعون -غالبا- إلى تصوير باطلهم حقا، لينجوا من العقوبة والملامة، بل إنهم في كثير من الأحيان يُجهدون أنفسهم ليُسبغوا على هذا الباطل من الأوصاف الشرعية ما يجعله في أذهانهم من فضائل الأعمال.
ولما كان الجهاد ذروة سنام الإسلام، ومبعث فخر للمسلمين، فإنه قد انتسب إليه كثير من الأدعياء، وجرَّأهم على ذلك علماء السوء الأشقياء، مستندين في ذلك على المتشابهات، نابذين وراء ظهورهم القاطعات المحكمات، وخاصة في السنوات الأخيرة التي هاجت فيها الدنيا وماجت، في ظِل ما يحلو للبعض تسميته بـ "ثورات الربيع العربي".
فلا خلاف في أن الخروج على الحاكم الكافر وقتالَه بالسيف من أعظم القربات، وأفضل الأعمال، وأبرك الجهاد، بل ولا شك في أن أمرَ الحاكم المسلم بالمعروف إن تركه، ونهيَه باللسان عن المنكر إن ركبه، هو من الأعمال الصالحات، ولكن أن يَنسب كلُّ خارجٍ على حاكمٍ فِعْلَه للجهاد في سبيل الله، مهما كانت صفة هذا الحاكم، ومهما كانت غاية الخروج وصفته، فإن هذا من أعظم الكذب على الله سبحانه.
فالخروج على الحاكم الكافر يكون جهادا في سبيل الله إذا كانت الغاية من قتاله أن تكون كلمة الله هي العليا، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) [متفق عليه]، أما إن كان الخروج لاستبدال كفر بكفر، فهو كفر، ولا يختلف حكم فاعله عن حكم الطاغوت الذي خرج عليه وقاتَلَه، إذ كلاهما يرفع راية كفرية، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].
وهكذا كان حال الكثيرين ممَّن خرجوا على الطواغيت الحاكمين لبلاد المسلمين، إذ لم يلبثوا أن أظهروا الموافقة على الكفر، بل ومطالبتهم به، من خلال رفعهم شعارات الديموقراطية التي لا تعني إلا منازعة الله في حكمه، ومطالبتهم بالدولة المدنية التي تُنحى فيها الشريعة، وتعلوها القوانين الوضعية الطاغوتية، ويستوي فيها المؤمنون والكافرون، والموحدون والمشركون، وذلك استرضاء للمشركين في الدول الصليبية، ومداهنة لهم، وخوفا من إغضابهم.
وبالتالي فإن الغايات الظاهرة المعلنة لكثير ممن خرج على الطواغيت كانت استبدال حكمهم الاستبدادي العسكري، بحكم لا يقل عنه كفرا، بل يزيد عليه ضررا بالتباس أمره على الناس، وعِظم فتنتِه عليهم، وهو الحكم الديموقراطي المدني، فوقع هؤلاء "الثوار" المطالبون بالديموقراطية في الكفر والشرك، رغم زعمهم في بداية الأمر أنهم ما خرجوا في المظاهرات، وعرَّضوا أنفسهم للقتل والأسر والتعذيب، ولا حملوا السلاح وقاتلوا جنود الطواغيت إلا ليقيموا بعد إسقاط الحكام الكافرين حكما إسلاميا على منهاج النبوة.
ولم تدَّخر الدولة الإسلامية جهدا منذ الأيام الأولى للمظاهرات التي خرجت ضد الطواغيت في دعوة الناس إلى أن يكون خروجهم في سبيل الله، صافي الراية، واضح الغاية، لإقامة دين الله في الأرض، لا منافسةً على ملك، أو نصرةً لعصبية، فضلا عن أن يكون لإقامة طاغوت مكان طاغوت، وإحلال شرك مكان شرك، وحذَّرتهم من أن يضيعوا جهودهم ويستنزفوا طاقاتهم في سلوك مناهج بدعية ضالة، أو ركوب مشاريع حمقاء مهلكة، كالسلميّة، واستجداء العون من المشركين.
وأتبعت القول بالعمل، فأظهرت للعالم كله -بفضل الله- كيف تُنكَّس راية الكفار، وتُسحق جيوش الطواغيت، ويقام دين رب العالمين، دون مداهنة للمشركين، أو استجداء للصليبيين، بل بتجريد التوحيد، وإبطال الشرك والتنديد، وموالاة المؤمنين، وفلق رؤوس الظالمين، فرزقها الله من بعد الوابل الصيّب ربيعا أزهر بإعادة الخلافة، وتحكيم الشريعة، وتوحيد الجماعة.
وعلى منهاجها فليسر كل باغ للوصول، وبجماعتها فليعتصم كلُّ حريص على السلامة، وبهدي النبوة الذي عملت به فليعمل كل من يروم ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة.
وأما من خالف الحق الذي سارت عليه واتبع سبيل الضالين المضلين، فلم يجن من ثوراته الجاهلية إلا غضب الرحمن، وتسلط أهل الأوثان، فلا هو نال دنيا يرومها، ولا هو أبقى دينا ينجو به في آخرته، ثم لن تكون عاقبتهم إلا أن يلعنوا ثوراتهم التي قدَّسوها، ويعودوا ليركنوا من جديد إلى الطواغيت، والله لا يهدي القوم الظالمين.
* المصدر:
صحيفة النبأ العدد 73
للمزيد من المقالات النافعة.. تواصل معنا تيليجرام:
@wmc11ar