إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا 2/3 الجهاد في سبيل الله، هو ذُروة سنام ...

إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا

2/3
الجهاد في سبيل الله، هو ذُروة سنام الإسلام، وأفضل الأعمال الصالحات، وهو ممَّا يغفر الله به الذنوب، ويكفّر به الخطايا، ويرفع به الدرجات، ويُذهِب به الهم والغم، وينصر بسببه المؤمنين، ويعذب به المشركين، ويرد به عادية البُغاة المعتدين، والجُناة المفسدين، ويقيم به الدين، ويحمي به بيضة المسلمين.

ورغم كل هذه الفضائل التي تدفع المؤمن دفعا إلى تحصيلها والسعي لبلوغها ولو حبواً على الركب، فإن الله -سبحانه- لم يجعل هذه العبادة العظيمة من النوافل التي يُثاب فاعلها دون أن يُحاسب تاركها، بل كتبها -سبحانه- على المؤمنين فريضةً من الفرائض التي يجب على كل مستطيع القيام بها، ما وجبت عليه، ما لم يعذره الله. قال جل جلاله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].


• وإذا استُنفِرتم فانفِروا

واتفق أهل السنة على أن الجهاد يتعيَّن على كلِّ مسلم يستنفره الإمام للقتال في سبيل الله، حتى وإن كان هذا غير متعيِّنٍ عليه في الأصل لكفاية المسلمين المجاهدين في سبيل الله لسد الثغور، وحِفظ البيضة، والخروج لقتال المشركين.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في الشرح الكبير: "ويتعيَّن الجهاد في ثلاثة مواضع:
أحدها: إذا التقى الزحفان وتقابل الصفَّان حَرم على من حضر الانصراف وتعيَّن عليه المقام لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا} [الأنفال: 45]، وقوله: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 46]، وقوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير} [الأنفال: 15 - 16].
الثاني: إذا نزل الكفار ببلد تعيَّن على أهله قتالُهم ودفعهم.
الثالث: إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير معه، لقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيل * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: 38 - 39]، وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (إذا استُنفرتم فانفروا) [رواه البخاري]".

ولو نظرنا إلى حال المسلمين اليوم، نجد أن غالبهم يرى الجهاد من نوافل الأعمال لا من الواجبات المتحتِّمات التي لا يكمُل إيمانه إلا بأدائها، ومنهم من يظن أن التكليف بأداء هذه الفريضة لا يشمل غير جنود الدولة الإسلامية، وأنه ليس عليه من الواجب إلا مناصرتهم بالكلام والدعاء أو حتى بالمال، وهو يتناسى أن الفريضة إذا تعيَّنت على المسلم، فلا يَرفع الإثم عنه قيامُ غيره من المسلمين بها مع قعوده عنها، بخلاف فروض الكفايات التي يكفي لرفع الإثم عن المسلمين قيامُ من يكفي من المسلمين بها، كما لو خرج المسلمون لفتح بلاد المشركين، وهم في كثرة وكفاية في العدد والقوة، فيحصل المجاهدون على الأجر والثواب، بخلاف القاعدين الذين وإن سلموا من الإثم، فقد خسروا الثواب الجزيل، اللهم إلا أن يَخلُفوا المجاهدين في أهاليهم وشؤونهم بخير.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 79
الخميس 8 شعبان 1438 ه‍ـ
لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR