يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم • الحمد لله الذي أمر عباده ...

يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول
وأولي الأمر منكم


• الحمد لله الذي أمر عباده بما يزكيهم، ونهاهم عما يفسدهم ويشقيهم، والصلاة والسلام على رسوله الحريص على أمته، الذي ما ترك أمراً يقربها إلى الله إلا ودلَّها عليه، ولا أمراً يقربها من النار إلا وحذرها منه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فقد أمر الله -عز وجل- عباده الذين استجابوا له فآمنوا وصدقوا إيمانهم بالعمل الصالح بأن يطيعوه ويطيعوا رسوله صلى الله عليه وسلم، ويطيعوا من تولى أمرهم فحكمهم بالإسلام، وجعل الإسلام حاكماً بينه وبينهم، وبهذا يصلح لهم دينهم ودنياهم.

طاعة ولاة الأمر من طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتابعة لها
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]، فقد جعل الله -تعالى- طاعة ولاة الأمر تابعة لطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد أكد على هذا المعنى حديث علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- الذي في الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف)، وفي الآية من الفوائد أن ذكر طاعة ولاة الأمور بعد طاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- هو من عطف الخاص على العام، فطاعة الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- هي الأمر العام، وطاعة ولاة الأمر من أفراد هذا العام، فأفردت بالذكر لأهميتها في صلاح الفرد والجماعة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني) [متفق عليه]، وأما ولاة الأمر، فهم الأمراء، وقيل العلماء، وقيل العلماء والأمراء، والمتقرر شرعاً أنه يجب على العلماء أن يطيعوا للأمراء، ونحمد الله أن جمع لولاة الأمور في الدولة الإسلامية العلم مع الإمارة.

• التحاكم إلى شريعة الله ضمان تماسك المجتمع وصلاحه

لما كان التفاف الرعية حول ولي أمرها وطاعتها له أمراً يحبه الله تعالى، فقد جعل الله ضمانات لهذا البنيان المرصوص من التصدع، ومن أهمها أنه إذا حصل تنازع بين الرعية أو بين الراعي والرعية أن يردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ففيهما حل لكل إشكال أو اختلاف مهما كبر أو صغر، لأن الله -تعالى- قال: { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} وكلمة {شَيْءٍ} نكرة في سياق الشرط فتعم كل تنازع، وبيَّن -تعالى- أن الرد والتحاكم إلى الكتاب والسنة في مسائل النزاع شرط لصحة الإيمان، فقال سبحانه: {فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}، ومن لا يرد مسائل النزاع والخلاف إلى الله ورسوله فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر، ثم بيَّن -تعالى- أن التحاكم إليه وإلى رسوله خير للمتحاكمين في الحال، وأحسن في العاقبة والمآل، {ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}.

• أحاديث نبوية في طاعة ولاة الأمور

عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يُؤمر بمعصية، فإذا أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) [متفق عليه].

وعن عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- أنه قال: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله. قال: (إلا أن تروا كفرا بواحا، عندكم فيه من الله برهان) [متفق عليه].

عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: "إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدا مجدَّع الأطراف" [رواه مسلم].

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء فيكثرون). قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: (أوفوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم) [متفق عليه].
• النصيحة خير رابط بين أئمة المسلمين وعامتهم

في صحيح مسلم عن تميم بن أوس الداري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الدين النصيحة). قالوا: لمن يا رسول اللّه؟ قال: (للّه وكتابه ورسوله وأئمة المسلمين وعامتهم).

قال أهل العلم عن هذا الحديث: إنه أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، وفيه أن النصيحة لها معانٍ كثيرة تجمع الدين كله، وأما النصيحة لأئمة المسلمين فهي تشمل توقيرهم والدعاء لهم وصفاء القلب تجاههم وعدم غشهم بأن يكون ظاهره وباطنه لهم سواء، وطاعتهم في المعروف في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة عليه، وأن يلزم جماعتهم ويصبر عليهم، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر؛ فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية) [رواه البخاري]، ورواه مسلم بلفظ: (من كره من أميره شيئا، فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرا، فمات عليه، إلا مات ميتة جاهلية).

ومن النصح لولاة الأمور الجهاد تحت رايتهم، ودفع الصدقات لعمالهم الذين يقبضونها، وإذا رأى خللاً سده ونصح لهم برفق، وأن يدعو الناس إلى طاعتهم، وعدم الخروج عليهم إذا رأى أثرة عليه أو رأى منكراً، وإنما يجتنب المنكر وينهى عنه، ولا يجوز له الخروج عليهم، إلا إذا رأى منهم كفراً بواحاً، عنده فيه من الله برهان.

ومن أئمة المسلمين أهل العلم، فينصح لهم بقبول توجيههم وإرشادهم المؤيد بالدليل الشرعي، وأن ينصحهم إن وجد منهم خللاً، وأن يضعهم في مكانهم اللائق بهم دون إفراط فيقبل كلامهم دون دليل، ولا تفريط بترك احترامهم أو ترك طاعتهم في ما يدلونه عليه من الحق.

وأما النصيحة لعامة المسلمين فتشمل ناحيتين: النصيحة بين عامة المسلمين بعضهم لبعض، والثانية: النصيحة مِن ولاة الأمر لعامة المسلمين، بأن يسعوا في صلاح دينهم ودنياهم، بتصحيح عقائدهم وعباداتهم وأخلاقهم، وأن يقيموا لهم المحاكم الشرعية ويجتهدوا في إصلاح ذات بينهم، وأن يرفقوا بهم ويأخذوا الزكاة من أغنيائهم فيضعوها في مصارفها الشرعية، وأن يُعِدّوا الرعية ويقودوهم للجهاد في سبيل الله؛ جهادِ الدفع وجهاد الطلب، لحماية المسلمين وديارهم وأعراضهم وأموالهم، ولفتح بلاد الكفار لإخضاعها لشريعة الله، وكف شرهم عن الإسلام والمسلمين.
اللهم وفق ولاة أمرنا لما تحبه وترضاه، وأعزهم بالإسلام وأعز الإسلام بهم، وثبتنا وإياهم على دينك وانصرنا على القوم الكافرين، وصلى الله وسلم على نبيه محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسان.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 87
الخميس 5 شوال 1438 ه‍ـ

للمزيد من المواد.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR