خواطر مجاهد من ملحمة الموصل 5/5 • ما أخطأك لم يكن ليصيبك: انتهت نوبتي في الرباط، وجاء الأخ ...
خواطر مجاهد من ملحمة الموصل
5/5
• ما أخطأك لم يكن ليصيبك:
انتهت نوبتي في الرباط، وجاء الأخ البديل ليحل محلي، حملت أغراضي، وهممت بالخروج فتذكرت أن حي الشفاء والمجمع الطبي قد تغيرت معالمهما بسبب القصف اليومي العنيف من الطيران والمدفعية والهاون، فلا تكاد تجد بناية سالمة من القصف، فخشيت أن أتيه وأضيع الطريق، فترصدني طائرات الدرونز التي لا تفارق الأجواء دقيقة.
استفسرت من الإخوة القادمين حديثاً لثغرنا فأرشدوني إلى طريق سلكته، كان الجزء الأكبر منه يلزمك أن تسير بفضاء مفتوح، لا سقف يظلك، ولا جدار يحميك، فالمكان مدمر، غير أن عناية الله تكلأ المجاهدين وعينه تحرسهم، فيعمي أبصار الصليبيين وكلابهم عنهم.
مررت بأطلال صالة الطوارئ في المستشفى، حيث كانت هناك جثث متفسخة لمصابين وصل المسعفون إليهم بعد أن فارقوا الحياة... دماء قاتمة عند حمالة عليها جثمان لا يُعرف كنهه، ترسم بوضوح إجرام وصلف الصليبيين والمرتدين المحاربين لديار المسلمين... بدلة طبيب ملقاة عند باب الخروج كانت قد تلبدت بدماء جرحاه ثم بدمائه...
اندفعت خارجاً بسرعة، داعيا الله أن يتقبل الشهداء، وصلت مكانا بمثابة محطة أولى للانتقال إلى نقطتي القادمة، وجدت بقايا ماء، اغتسلت به وأبدلت ملابسي التي تغير لونها ولوني، فكان أدق وصف لها، هو وصف الشيخ الطبيب عبد الله لمنظري حينما قال لمرافقه يحيى، تقبله الله: "أبو فلان، من التراب بدا للناظر كأنه كتلة كونكريت"، قررت النوم ليرتاح جسدي المنهك قبل أن أكمل المسير إلى محطتي القادمة.
كان المكان يعتبر خطرا بعض الشيء، لقربه من مواقع العدو وخطوط الاشتباك، فتوكلت على الله، والتحفت حزامي وسلاحي، ونمت سويعات قطعها صوت الاشتباكات والانفجارات، خشيت أن أكون قد حوصرت، فخرجت مسرعا إلى مكان ثانٍ بغية الاستراحة قليلاً، ونمت من جديد، وما هي إلا هنيهة حتى دوَّى انفجار خمسة صواريخ متعاقبة على المكان، هدت أركانه وما حوله، ونجوت ومعي بعض الإخوة، فالحمد لله على حفظه، فقد رسّخ هذا الدرس في نفسي حقيقة أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك.
جلست أنتظر قدوم دليل الطريق نحو المحطة القادمة، وفجأة دخل أخ قائلاً: الأخ الدليل أوصل قبلك عدة إخوة، ولما عاد للمجموعة الثانية قُصف، تقبله الله، سألته عن التفاصيل، قال: في طريق الرجوع قصفته طائرة مسيرة فنزف نزفاً شديداً ولم نتمكن من إسعافه وكان آخر ما يلهج به "اللهم الجنة... اللهم تقبلني في الشهداء"، فما أصابك لم يكن ليخطأك، نِعمَ المصاب في سبيل الله والفوز برضوانه وجنته.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 88
الخميس 12 شوال 1438 هـ
لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR
5/5
• ما أخطأك لم يكن ليصيبك:
انتهت نوبتي في الرباط، وجاء الأخ البديل ليحل محلي، حملت أغراضي، وهممت بالخروج فتذكرت أن حي الشفاء والمجمع الطبي قد تغيرت معالمهما بسبب القصف اليومي العنيف من الطيران والمدفعية والهاون، فلا تكاد تجد بناية سالمة من القصف، فخشيت أن أتيه وأضيع الطريق، فترصدني طائرات الدرونز التي لا تفارق الأجواء دقيقة.
استفسرت من الإخوة القادمين حديثاً لثغرنا فأرشدوني إلى طريق سلكته، كان الجزء الأكبر منه يلزمك أن تسير بفضاء مفتوح، لا سقف يظلك، ولا جدار يحميك، فالمكان مدمر، غير أن عناية الله تكلأ المجاهدين وعينه تحرسهم، فيعمي أبصار الصليبيين وكلابهم عنهم.
مررت بأطلال صالة الطوارئ في المستشفى، حيث كانت هناك جثث متفسخة لمصابين وصل المسعفون إليهم بعد أن فارقوا الحياة... دماء قاتمة عند حمالة عليها جثمان لا يُعرف كنهه، ترسم بوضوح إجرام وصلف الصليبيين والمرتدين المحاربين لديار المسلمين... بدلة طبيب ملقاة عند باب الخروج كانت قد تلبدت بدماء جرحاه ثم بدمائه...
اندفعت خارجاً بسرعة، داعيا الله أن يتقبل الشهداء، وصلت مكانا بمثابة محطة أولى للانتقال إلى نقطتي القادمة، وجدت بقايا ماء، اغتسلت به وأبدلت ملابسي التي تغير لونها ولوني، فكان أدق وصف لها، هو وصف الشيخ الطبيب عبد الله لمنظري حينما قال لمرافقه يحيى، تقبله الله: "أبو فلان، من التراب بدا للناظر كأنه كتلة كونكريت"، قررت النوم ليرتاح جسدي المنهك قبل أن أكمل المسير إلى محطتي القادمة.
كان المكان يعتبر خطرا بعض الشيء، لقربه من مواقع العدو وخطوط الاشتباك، فتوكلت على الله، والتحفت حزامي وسلاحي، ونمت سويعات قطعها صوت الاشتباكات والانفجارات، خشيت أن أكون قد حوصرت، فخرجت مسرعا إلى مكان ثانٍ بغية الاستراحة قليلاً، ونمت من جديد، وما هي إلا هنيهة حتى دوَّى انفجار خمسة صواريخ متعاقبة على المكان، هدت أركانه وما حوله، ونجوت ومعي بعض الإخوة، فالحمد لله على حفظه، فقد رسّخ هذا الدرس في نفسي حقيقة أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك.
جلست أنتظر قدوم دليل الطريق نحو المحطة القادمة، وفجأة دخل أخ قائلاً: الأخ الدليل أوصل قبلك عدة إخوة، ولما عاد للمجموعة الثانية قُصف، تقبله الله، سألته عن التفاصيل، قال: في طريق الرجوع قصفته طائرة مسيرة فنزف نزفاً شديداً ولم نتمكن من إسعافه وكان آخر ما يلهج به "اللهم الجنة... اللهم تقبلني في الشهداء"، فما أصابك لم يكن ليخطأك، نِعمَ المصاب في سبيل الله والفوز برضوانه وجنته.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 88
الخميس 12 شوال 1438 هـ
لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليجرام:
@WMC11AR