#فاقصص_القصص | قصة أصحاب الجنة (١) هكذا .. نام الرجلُ الكبير الصالح وأصبح يعانى سكرات الموت ، ...

#فاقصص_القصص | قصة أصحاب الجنة
(١)
هكذا ..
نام الرجلُ الكبير الصالح
وأصبح يعانى سكرات الموت ،
ذلك الرجل الطيب ...
الذى لطالما كان يفتح بيوتا كثيرة ..
ولا يدرى به أحد من الناس غيرُ الله سبحانه .
فقد كان رجلا ثريا ،
أنعم الله عليه
ببستان كبير ،
حديقة مثمرة ،
وجنة تتدلى من أشجارها أفضلُ أنواعِ الثمار ..
من أعنابٍ ونخيلٍ وزروعٍ كثيرة .
لا .. إنها ليست حديقة فقط
ولا بستانا فحسب !
إنها ....
جنة .
بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ وخيرات .
وقابل الرجلُ الصالحُ هذا الخير العميم والنعم الكثيرة ،
بنفس مؤمنة ..
وبفيضٍ من الشكرِ والثناءِ على الله
فكان نعمَ المال الصالح للرجل الصالح .
وكان إذا حان وقتُ حصاد الزروع ، يرسل إلى الفقراء والمساكين ليشاركوه فى حصاده .
بل إن الفقراء والمساكين عرفوا طريق هذا الرجل الصالح ..
فكانوا يذهبون إليه فى أوقات جمع الثمار لِيُعْطِيَهُمْ من رزقِ الله.
فيأخذون ما يأخذون ، ثم ينصرفون وألسنتُهم تلهثُ بدعواتٍ كثيرةٍ نابعة من داخل قلوبهم ونفوسهم .
ولم يكن الرجل الصالح يرجعُ إلى بيته بشئ من الثمار حتى يعطى الفقراء والمساكين حقوقهم .
وجمع الله تعالى لهذا الرجل بجوار نعمة المال نعمة الأولاد ، فكان له مجموعةٌ من البنين ..
وكانوا يرون أباهم يفعل ما يفعل ..
وبينما كان الأبُ يعانى سكراتِ الموت خاف على أبنائه أن يغيروا ،
ويمنعوا حقوق الفقراء
فيبدل الله حالهم ..
خاصة أن بعض أبنائه قد طلبوا منه - قبل ذلك - أن يمتنع عن إعطاء الفقراء والمساكين.
فأوصاهم – وهو فى سكرات الموت - أن يحافظوا على طاعة الله ،
وأوصاهم ألا يمنعوا المساكين حقوقَهم ، بل أوصاهم بالمحافظة عليها ..
فأجابه جميعُ الأولاد بالسمع والطاعة .
فهل يَصْدُقُونَ فى وعدهم لأبيهم الصالح !!
هذا ما ستسفر عنه الأيام والفعال .
(٢)
مات الرجل الصالح
وأقبل على ربٍ كريمٍ ،
بعد هذه الرحلة الطيبة .
تَزُفُهُ دعوات صالحة من أهل الأرض ..
وتستقبله الملائكةُ الكرامُ الطيبون .
وبقى الأبناءُ
ورثوا ثروةَ أبيهم ..
وورثوا الجنةَ العظيمة .
ورثوها مليئةً بالفاكهةِ والثمار ،
فالأعنابُ قد تدلت ،
والنخلُ يريد أن يبكى من كثرةِ ما يحمله من الثمار.
وقالوا فيما بينهم : هذه هى المرة الأولى التى نجنى فيها ثمار هذه الجنة ..
قال أحدهم : إن أبانا كان يعطى أموالنا وثمرة تعبنا لهؤلاء العالة ،
إلى الفقراء والمساكين !
قال الثانى : لَكَمْ كلمتُ أبى فى ذلك ، ولا فائدة !
قال الثالث : وأنا أيضا كلمتُه ، ولم يستجب لى .
قال الرابع : لا بأس . فقد صارت الثمار ثمارنا ، ولسوف نجنى هذه الثمار بدون أن يشعر بنا أحد .
ضحك الجميع بضحكاتٍ ساخرة .
قال أصغرهم وكان أعدلهم وأفضله : أتقصدون أننا لن نعطى حق الفقراء والمساكين ،
كما كان يفعل أبونا رحمه الله !!
قالوا : سوف نمنعهم تماما من المجئ إلى حديقتنا .
قال لهم : لقد أوصانا أبونا أن نعطيهم .
قالوا : إن هؤلاء المساكين يأخذون أموالنا بدون وجه حق .
قال : إن المال نعمة من الله ، وهذه الثمار أخرجها الله لنا ،فينبغى أن نقابل هذه النعمة بالشكر والثناء على الله ،
بإعطاء الفقراء نصيبهم .
قالوا : لن نخرج لهم أى شئ ..
وإذا كنت تريد أن تجبرنا على ذلك ،
فأنت أصغرُنا ونستطيعُ أن نحرمَك منها مثلهم .
وتجاهلوا صوته تماما ،
كأنه غير موجود .
وأخذوا يخططون ..
(٣)
ذهب أصحاب الجنة إلى جنتهم بعد العصر ،
فوجدوا الثمار على أحسن حال وأطيب ثمر .
ولم يعد هناك إلا جمع الثمار وقطعها .
وأخذوا يدبرون كيف يجمعون هذه الثمار دون أن يشعر بهم المساكين والعالة .
وأقسموا أن يجنوا ثمار الجنة بدون أن يشعر بهم أحد .
ولم يضعوا فى أذهانهم أى بدائل ولا أى احتمالات أخرى لأن يحدث أدنى خطإ .
حتى إنهم لم يقولوا إن شاء الله .
وإذا كان من عادة الفلاحين أن يجمعوا الثمار بعد طلوع الشمس
لكن أصحاب الجنة ،
وخلافا لعادة الفلاحين ،
وضعوا خطتهم بإحكام ،
حيث اتفقوا على جنى الثمار قبيل الصباح
فإذا ما استيقظ الناس فى الصباح ،
وطلعت الشمس وانتشر الناس ..
وجدوا الجنة قد تم جمعها ،
و ذلك لكي لا يعلم المساكين بالأمر فيحضرون طلبا للمعونة ،
وأخذوا يُقْسِمُونَ جميعا على ذلك ،
بل أخذوا الأيمان والمواثيق بصفة خاصة على أخيهم الذى كان مخالفا لمثل هذه العملية .
وتعاهدوا على ذلك حتى لا يفشى أحدٌ منهم سرهم .
وأرادوا أمرا ..
وأراد ربك أمرًا آخر ..
حيث حدث ما لم يكن فى الحسبان !
(٤)
كان الجزاء من جنس العمل ،
فكما مكروا وخططوا فى منع المساكين من الثمار ،
وبينما كانوا نائمين لا يشعرون بشئ ،
حيث ناموا أول الليل طمعا في القيام مبكرين .
وخلافا لظنهم
فإن الله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ،
ما كان ليغفل عن تدبير خلقه و إجراء سننه في الحياة ،
فقد أرسل الله على جنتهم طائفًا من عنده جعلها ،
تبدو وكأنها قد تم جَنْىُ ثمارِها قبل ذلك ،
وليعيدوها الى حالها لو كانوا يستطيعون !
وهل يقف مكر الإنسان الضعيف أمام تدبير الله وقدرته ؟!!
كلا .. كلا
فقد حُسمت القضية وانتهى الأمر .
وقد أرادوا خداع المساكين وتضليلهم ،
فما خدعوا إلا أنفسهم
وهم فى غفلتهم نائمون لا يدرون ما حدث .
و إذا استطاعوا أن يخفوا مكرهم عن المساكين ،
فهل استطاعوا أن يخفوه عن عالم الغيب و الشهادة ؟
كلا .. كلا
لقد أرادوا أن يَمْنَعُوا فمُنعُوا ، وأرادوا أن يَخْدَعُوا فخُدِعُوا .
فهذه من تلك .
(٥)
و لأن من طبيعة الإنسان انه يكون سريع الانتباه من الرقاد عند انتظار أمر هام ، فإنهم كانوا أيقاظا قبيل الصبح .
[ فتنادوا مصبحين ]
نادى بعضهم بعضا ، و أجمعوا بالفعل على ضرورة التبكير في الذهاب إلى الجنة و جمعها ،
و استحث بعضهم بعضا لجنى الثمار ،
وكانوا ينادون على بعضهم البعض بأصوات متخافتة ، حتى لا يسمع بهم أحد .
حتى فى طريقهم إلى الجنة كانوا يتكلمون بصوت خفيض خافت ،
حتى لا يشعر بهم أحد من الناس فيفتضحوا .
وانطلقوا وهم فى حذر بالغ ،
و كانوا في أثناء انطلاقهم يسرون الحديث و التآمر .
و عملوا المستحيل من أجل ذلك
بل كان همُهم الشاغل الذي تخافتوا به طيلة الطريق إلى جنتهم ،
و هو إخفاء الأمر على المحتاجين حتى لا يسألوهم شيئا مما يجمعون .
وحتى لا يدخل عليهم مسكين فى هذا اليوم ،
وفى هذا اليوم بالذات .
(٦)
وصل أصحاب الجنة إلى جنتهم ..
فما عرفوها ،
و أنكروها ..
وفركوا أعينهم جيدًا ليتأكدوا
فوجدوا الجنة غير الجنة التى رأوها قبل ذلك ..
بل وجدوها قد استحالت على تلك النضارة والزهرة وكثرة الثمار ،
إلى أن صارت سوداء مدلهمة،
لا يُنتفع بشيء منها ،
فاعتقدوا أنهم قد أخطأوا الطريق ..
قالوا إنا لضالون ،
وأخذوا يبحثون عن جنتهم مرة أخرى ،
و لكن كيف يضل الإنسان عن أرضه ؟!
كلا .. إنها أرضهم بعينها ،
فتأكدوا أنها هى جنتهم .
وأخذوا يتعجبون ما الذى حدث ؟
وما الذى فعل ذلك بجنتهم ؟!
إنهم ضالون عن الحقيقة و ليسوا ضالين عن جنتهم ،
وإنما حرمهم الله بمشيئته و حكمته .
فقالوا : بل نحن محرومون ، بسبب ذنوبنا .
و هناك علاقة بين ضلال الإنسان و حرمانه ،
و بلوغ الإنسان إلى تطلعاته و أهدافه ، متصل بالمنهج الذي يتبعه في الحياة ،
فحينما يخطىء اختيار المنهج أو يضل عن المنهج الصحيح ،
فإنه بصورة طبيعية مباشرة ،
سيُحرم ليس من أهدافه المعنوية فقط ،
بل حتى المادية منها ،
فإن العبد يُحرم الرزق بالذنب يصيبه
ودار بينهم حوار طويل ..
قال أخوهم الذى نصحهم قبل ذلك :
ألم أقل لكم لولا تسبحون الله ،
بشكر نعمته وبتأدية الزكاة للفقراء ؟!
فطأطأوا رءوسهم ، ثم نظروا إلى أخيهم الذى كان متحمسًا لعدم أداء حق الفقراء ،
وقالوا له : أنت الذى شجعتنا على ذلك ،
فأشاح لهم بيده : وأنتم أطعتمونى .
قال الأخ الناصح لهم : ليس المهم الآن من بدأ ومن أطاع .
قالوا : ما المهم إذن ؟
قال لهم : المهم أن نتوب إلى الله ونستغفره عن ذنبنا الكبير .
ثم أتبع حديثه ..
لقد كان أبونا رجلا صالحا ، ولذا فقد بارك الله له فى الجنة ،
أما نحن ...
فقد جحدنا نعم الله فأزالها عنا .
فالحمد لله أن الله لم يأخذنا بذنوبنا ، وكان قادرًا على أن يصيبنا بالموت والهلاك مع هذه الأرض .
ولكن ربما أراد الله لنا توبة من عنده ، بسبب أن أبانا كان رجلا صالحًا.
أو أن الله يريد أن نتوب إليه ..
قالوا : صدقت . وإنا تائبون إلى الله .
والحمد لله أننا تبنا إليه قبل الممات .
وتفجرت صورة أبيهم الصالح فى أذهانهم وأخذوا يترحمون عليه ، بعدما كانوا يحاولون نسيانه .
وتذكروا جريمتهم ..
فوجدوها جريمة بشعة .. ما أقبحها وأخسها
قالوا : يا ولينا إنا كنا طاغين
و هكذا أصبح الحادث المريع ،
بمثابة صدمة قوية أيقظتهم من نوبة الضلال و الحرمان ،
و بداية لرحلة فى آفاق التوبة و الإنابة ،
والتي أولها اكتشاف الإنسان لخطئه في الحياة .
ثم طمعوا فى رحمة الله سبحانه فى الدنيا والآخرة
وقالوا : (( عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها ))
واتفقوا فيما بينهم ..
وأقسموا وتعاقدوا على ما يلى ..
قالوا : إنْ أبدلنا الله خيرًا منها ،
لَنَصْنَعَنَّ كما صنع أبونا
فأخذوا يدعون الله .
ويتضرعون ..
فأبدلهم الله ما هو خير من جنتهم .
أبدلهم توبة صادقة .. وعزما أكيدًا .. ونية صالحة .
بل من العلماء من يذكر أن الله أبدلهم بجنة أخرى ، لما رأى حُسنَ توبتهم وعزمهم الطيب ..

وقد سجل الله تعالى هذه القصة التى وقعت وعاشها أصحابها ..
فقال الله تعالى فى سورة القلم:
(( إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرِّمُنها مصبحين ۞ ولا يستثنون ۞ فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون ۞ فأصبحت كالصريم ۞ فتنادوا مصبحين ۞ أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين ۞ فانطلقوا وهم يتخافتون ۞ أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين ۞ وغدوا على حرد قادرين ۞ فلما رأوها قالوا إنا لضالون ۞ بل نحن محرومون ۞ قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون ۞ قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين ۞ فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ۞ قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين ۞ عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها إنا إلى ربنا راغبون ۞ كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون))
[القلم : ١٧-٣٣]
إعداد : منير عرفة | موسوعة القصص القرآني