تنبيه الأبرار لخطورة الاستئسار (2) الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما ...
تنبيه الأبرار لخطورة الاستئسار (2)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فالخلاص من الكفار سبيل الموحدين الأحرار، هذا لأن المجاهد عزيز بدينه، ولا ينبغي له أن يكون في أغلال الكفار يفتنونه ليرُدُّوهُ ويصُدُّوهُ عن دينه، فإن الموحد إذا قدَّر الله عليه الأسر والاعتقال لحِكمة قضاها سبحانه، فلا بد له من السعي للخلاص من الأسر بأي طريقة مشروعة، والخوف كل الخوف هو من الفتنة في الدين.
• اصبر أبا جندل
فإن الصحابي الجليل أبا جندل -رضي الله عنه- عندما جاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- مسلما، وجاء أبوه سهيل بن عمرو ليأخذه، وكان حينئذ على الشرك، لم يكن خوفه سوى من الفتنة في الدين، فقال كما في رواية الإمام أحمد: "...صرخ أبو جندل بأعلى صوته: يا معاشر المسلمين، أتردونني إلى أهل الشرك، فيفتنوني في ديني؟... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله -عز وجل- جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، فأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عليه عهدا، وإنا لن نغدر بهم) قال: فوثب إليه عمر بن الخطاب مع أبي جندل، فجعل يمشي إلى جنبه وهو يقول: اصبر أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب. قال [راوي الحديث]: ويدني قائم السيف منه [أي أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أدنى السيف لأبي جندل، رضي الله عنه]. قال: يقول: رجوت أن يأخذ السيف، فيضرب به أباه).
ففي قصة أبي جندل -رضي الله عنه- ما يسلي كل أسير ابتلي على أمر الله تعالى، وهي وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- للمأسورين بالصبر والاحتساب، فإن الموحد له ربٌّ ينجيه من هذا الكرب مع صبره على أمر الدين واحتساب الأجر عند الله سبحانه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله -عز وجل- جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا)، فلم يلبث حتى فرَّج الله كرب أبي جندل وكل مستضعف مأسور، فلحقوا بمِسْعَر الحرب أبي بصير رضي الله عنه.
قال الإمام الطبري: "وينفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو، فلحق بأبي بصير، فاجتمع إليه قريب من سبعين رجلا منهم، فكانوا قد ضيقوا على قريش، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لهم فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يناشدونه بالله وبالرحم لمَّا أَرْسَل إليهم! فمن أتاه فهو آمن، فآواهم رسول الله فقدموا عليه المدينة" [تاريخ الطبري].
وفي قصة أبي جندل أيضا أن الفاروق عمر -رضي الله عنه- كان يحث أبا جندل على قتل أبيه الذي جاء ليأخذه أمام النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم ينكر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك الفعل، حيث كان يدني قائم السيف من أبي جندل ليأخذه ويضرب به أباه المشرك لينجو من أسره، لكنه لم يفعل رجاء إسلام أبيه، الذي أسلم فيما بعد وكانت له مواقف في نصرة الدين حين ارتدت العرب.
• الهرب من الأسر واجب على القادر عليه
فالموحدون هم الأعلون بدينهم، والأسر فيه فتنة في الدين وهذا هو هدف الكفار، فالسجن هو أحد أساليب الكفار والمرتدين للنيل من دين المسلم، وإيراده الكفر طوعا أو كرها، قال الله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]، فدين الموحد هو ما يغيظ الكافر وهو سبب اجتماع أمم الكفر عليه، ولذلك لا ينبغي للموحد البقاء تحت قهر السجان والاستسلام للأسر، بل الهرب حين تتوفر الفرصة متوجِّبٌ إجماعا، ونقل الإجماع على ذلك الإمام ابن النحاس -رحمه الله- قائلا: "الأسير المقهور متى قدر على الهرب من الكفار لزمه ذلك بلا خلاف" [مشارع الأشواق].
ويجب على المأسور أن لا ينتظر، بل يجب عليه المبادرة وأن يتخذ الأسباب الممكنة لذلك ويسعى بكل طريقة ووسيلة للخلاص، سواء بقتل السجانين أو الهروب من دون قتلهم حسب الحال، واستخدام الحيلة وخداع الكفار مشروع في ذلك، ومن فعله فَلَهُ سلف من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمثلة واقعية من فعل إخوانه من جنود دولة الإسلام المقتدين بالسلف، ولقد بوَّب الإمام البخاري (باب: هل للأسير أن يقتل ويخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة؟)، وأشار إلى قصة الصحابي الجليل مسعر الحرب أبي بصير، رضي الله عنه.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فالخلاص من الكفار سبيل الموحدين الأحرار، هذا لأن المجاهد عزيز بدينه، ولا ينبغي له أن يكون في أغلال الكفار يفتنونه ليرُدُّوهُ ويصُدُّوهُ عن دينه، فإن الموحد إذا قدَّر الله عليه الأسر والاعتقال لحِكمة قضاها سبحانه، فلا بد له من السعي للخلاص من الأسر بأي طريقة مشروعة، والخوف كل الخوف هو من الفتنة في الدين.
• اصبر أبا جندل
فإن الصحابي الجليل أبا جندل -رضي الله عنه- عندما جاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- مسلما، وجاء أبوه سهيل بن عمرو ليأخذه، وكان حينئذ على الشرك، لم يكن خوفه سوى من الفتنة في الدين، فقال كما في رواية الإمام أحمد: "...صرخ أبو جندل بأعلى صوته: يا معاشر المسلمين، أتردونني إلى أهل الشرك، فيفتنوني في ديني؟... فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله -عز وجل- جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحا، فأعطيناهم على ذلك، وأعطونا عليه عهدا، وإنا لن نغدر بهم) قال: فوثب إليه عمر بن الخطاب مع أبي جندل، فجعل يمشي إلى جنبه وهو يقول: اصبر أبا جندل، فإنما هم المشركون، وإنما دم أحدهم دم كلب. قال [راوي الحديث]: ويدني قائم السيف منه [أي أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أدنى السيف لأبي جندل، رضي الله عنه]. قال: يقول: رجوت أن يأخذ السيف، فيضرب به أباه).
ففي قصة أبي جندل -رضي الله عنه- ما يسلي كل أسير ابتلي على أمر الله تعالى، وهي وصية النبي -صلى الله عليه وسلم- للمأسورين بالصبر والاحتساب، فإن الموحد له ربٌّ ينجيه من هذا الكرب مع صبره على أمر الدين واحتساب الأجر عند الله سبحانه، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا جندل اصبر واحتسب، فإن الله -عز وجل- جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا)، فلم يلبث حتى فرَّج الله كرب أبي جندل وكل مستضعف مأسور، فلحقوا بمِسْعَر الحرب أبي بصير رضي الله عنه.
قال الإمام الطبري: "وينفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو، فلحق بأبي بصير، فاجتمع إليه قريب من سبعين رجلا منهم، فكانوا قد ضيقوا على قريش، فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لهم فقتلوهم، وأخذوا أموالهم، فأرسلت قريش إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يناشدونه بالله وبالرحم لمَّا أَرْسَل إليهم! فمن أتاه فهو آمن، فآواهم رسول الله فقدموا عليه المدينة" [تاريخ الطبري].
وفي قصة أبي جندل أيضا أن الفاروق عمر -رضي الله عنه- كان يحث أبا جندل على قتل أبيه الذي جاء ليأخذه أمام النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم ينكر عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك الفعل، حيث كان يدني قائم السيف من أبي جندل ليأخذه ويضرب به أباه المشرك لينجو من أسره، لكنه لم يفعل رجاء إسلام أبيه، الذي أسلم فيما بعد وكانت له مواقف في نصرة الدين حين ارتدت العرب.
• الهرب من الأسر واجب على القادر عليه
فالموحدون هم الأعلون بدينهم، والأسر فيه فتنة في الدين وهذا هو هدف الكفار، فالسجن هو أحد أساليب الكفار والمرتدين للنيل من دين المسلم، وإيراده الكفر طوعا أو كرها، قال الله تعالى: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً} [النساء: 89]، فدين الموحد هو ما يغيظ الكافر وهو سبب اجتماع أمم الكفر عليه، ولذلك لا ينبغي للموحد البقاء تحت قهر السجان والاستسلام للأسر، بل الهرب حين تتوفر الفرصة متوجِّبٌ إجماعا، ونقل الإجماع على ذلك الإمام ابن النحاس -رحمه الله- قائلا: "الأسير المقهور متى قدر على الهرب من الكفار لزمه ذلك بلا خلاف" [مشارع الأشواق].
ويجب على المأسور أن لا ينتظر، بل يجب عليه المبادرة وأن يتخذ الأسباب الممكنة لذلك ويسعى بكل طريقة ووسيلة للخلاص، سواء بقتل السجانين أو الهروب من دون قتلهم حسب الحال، واستخدام الحيلة وخداع الكفار مشروع في ذلك، ومن فعله فَلَهُ سلف من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأمثلة واقعية من فعل إخوانه من جنود دولة الإسلام المقتدين بالسلف، ولقد بوَّب الإمام البخاري (باب: هل للأسير أن يقتل ويخدع الذين أسروه حتى ينجو من الكفرة؟)، وأشار إلى قصة الصحابي الجليل مسعر الحرب أبي بصير، رضي الله عنه.