فرار المنتكسين نَفْيٌ لِلْخَبَث وَتَطْهِيرٌ لِلصَّف الحمد لله رب العالمين، من خلق الإنسان وهداه ...
فرار المنتكسين نَفْيٌ لِلْخَبَث وَتَطْهِيرٌ لِلصَّف
الحمد لله رب العالمين، من خلق الإنسان وهداه النجدين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على دربهم بثبات ويقين، أما بعد:
فإن الزيغ من بعد الرشاد، والضلال من بعد الهدى، والكفر من بعد الإيمان، والشرك من بعد التوحيد، والبدعة من بعد السنة، لهو من أكبر الخذلان والخسران، وإن الله -تعالى- لا يهدي إلى الحق إلا طيبا، ولا يلقي في ردغة الباطل إلا خبيثا.
وإن من تلوث بضلال، أو شاب عقيدته دخن، كثيرا ما ينتكس ويرتكس -إلا من يعصم اللهُ- وإن بدا منه صلاح أو فلاح، قد يخدع الناظرين إلى حاله حينا من الزمن، ثم سرعان ما تَجْفِئُ نفسُه زبدَها، فتنجلي عن عصارة من خبث ونفاق.
• البدع أصل الفساد
وتأمل -أرشدك الله- في هذه القصة لتستبين حقيقة المنتكسين، وأنهم عادة ما تكون لهم جذور في البدع والضلال حتى وإن ربا زرعهم وأينع بين أهل الفضل والمكرمات: "عن عبد الواحد بن صبرة قال: بلغ ابن مسعود أن عمرو بن عتبة في أصحاب له بنوا مسجدا بظهر الكوفة، فأمر عبد الله بذلك المسجد فهدم. ثم بلغه أنهم يجتمعون في ناحية من مسجد الكوفة يسبحون تسبيحا معلوما ويهللون ويكبرون، قال: فلبس برنسا، ثم انطلق فجلس إليهم، فلما عرف ما يقولون رفع البرنس عن رأسه ثم قال: أنا أبو عبد الرحمن، ثم قال: لقد فَضَلْتم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- علما، أو لقد جئتم ببدعة ظلما. قال: فقال عمرو بن عتبة: نستغفر الله، ثلاث مرات، ثم قال رجل من بني تميم: والله ما فَضَلْنا أصحاب محمد علما، ولا جئنا ببدعة ظلما، ولكنا قوم نذكر ربنا، فقال: بلى، والذي نفس ابن مسعود بيده، لقد فَضَلْتم أصحاب محمد علما، أو جئتم ببدعة ظلما، والذي نفس ابن مسعود بيده لئن أخذتم آثار القوم ليسبقنكم سبقا بعيدا، ولئن حرتم يمينا وشمالا لتضلن ضلالا بعيدا" [رواه ابن وضاح في البدع]، ورُوي أن بعض هؤلاء الذين طردهم ابن مسعود -رضي الله عنه- قد قالوا بعد ذلك بقول الخوارج، وناجزوا المسلمين في النهروان، فتأمل كيف كانت بدعهم في العبادات سبيلا إلى انتكاستهم عند النهايات، ولطالما كانت البدعة بريدا للضلال، فكيف بمن أخفى ما أشدّها من الضلالات!
ثم انظر إلى واصل بن عطاء، فقد كان من كبار الفصحاء والبلغاء، وكان يحضر دروس الحسن البصري رحمه الله، وسمّي بالغَزَّال لتردده على سوق الغزل ليتصدق على الفقيرات من النساء، فلما قال بأن الفاسق لا مؤمن ولا كافر، طرده الحسن عن مجلسه، فضلَّ وزاغ وكان أول من حمل لواء المعتزلة.
وكذلك تأمل -يرحمك الله- في حال رَجَّال بن عُنْفُوَة، وقد كان في وفد بني حنيفة الذين قدموا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأسلموا، ولكنه افتتن بعد ذلك بمسيلمة الكذاب وارتد وقُتل على ذلك.
وما هذا إلا غيض من فيض المنتكسين، وقطرات من بحار ظلماتهم، فعلام إذن يحزن المرء إذا غادر الخلافة منتكس، أو يجزع إذا يمم بوجهه نحو ديار الكفر مرتكس؟
• المحن تطرد الخبث
إنها المحن إذ تنفي عن الخلافة الخبث كما ينفي الكير خبث الذهب، وتُطهّر الصف من رجس لوثات المنافقين ودنس شبهاتهم، وإن الموحّدين -والله- ليدعون الله أن يخرج هؤلاء جميعا من بين أظهرهم.
وكما قيل: إن من هاجر من أجل صورة فستعود به صورة، ومن هاجر من أجل قصة فستعود به قصة، ومن هاجر لأجل عقيدة ودين فسترسخ أقدامه في الهجرة، بإذن الله تعالى.
وكذلك اليوم نقول أن من هاجر للدولة بعد النصر والتمكين لأنه يروم الدعة والعيش مع الأقوياء، فسيعود أدراجه حتما عند المحنة والابتلاء، ولن يكون أبدا من أتباع رعيل خير القرون الذين قال الله –تعالى- فيهم: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172]، أولئك الذين مسّتهم القروح وعركتهم الشدائد، فما تراجعوا القهقرى وما انفضوا عن نبيّهم، بل ومنذ أن صاح فيهم مناديهم تلك الصيحة الأولى: إن كان رسول الله قد قُتل فقوموا وموتوا على ما مات عليه، بقيت تلكم الصيحة حاديهم في هذه الدنيا إلى أن قضوا، وما بدلوا تبديلا، فرضي الله عنهم وأرضاهم جميعا.
ومن هاجر ظانا أنه قد يجد لدخن عقيدته أو ضلاله متنفسا في دولة الإسلام، أو أنه قد يجد لبضاعته الفاسدة سوقا يبيع فيها ما اهترأ من عقائده بين أهل التوحيد الصافي، فسيخيب سعيه قطعا وستتقيّؤه أرض الخلافة الطيبة كما تقيأت الذين سبقوه وحاولوا تلويث منهجها ولا كرامة.
الحمد لله رب العالمين، من خلق الإنسان وهداه النجدين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على دربهم بثبات ويقين، أما بعد:
فإن الزيغ من بعد الرشاد، والضلال من بعد الهدى، والكفر من بعد الإيمان، والشرك من بعد التوحيد، والبدعة من بعد السنة، لهو من أكبر الخذلان والخسران، وإن الله -تعالى- لا يهدي إلى الحق إلا طيبا، ولا يلقي في ردغة الباطل إلا خبيثا.
وإن من تلوث بضلال، أو شاب عقيدته دخن، كثيرا ما ينتكس ويرتكس -إلا من يعصم اللهُ- وإن بدا منه صلاح أو فلاح، قد يخدع الناظرين إلى حاله حينا من الزمن، ثم سرعان ما تَجْفِئُ نفسُه زبدَها، فتنجلي عن عصارة من خبث ونفاق.
• البدع أصل الفساد
وتأمل -أرشدك الله- في هذه القصة لتستبين حقيقة المنتكسين، وأنهم عادة ما تكون لهم جذور في البدع والضلال حتى وإن ربا زرعهم وأينع بين أهل الفضل والمكرمات: "عن عبد الواحد بن صبرة قال: بلغ ابن مسعود أن عمرو بن عتبة في أصحاب له بنوا مسجدا بظهر الكوفة، فأمر عبد الله بذلك المسجد فهدم. ثم بلغه أنهم يجتمعون في ناحية من مسجد الكوفة يسبحون تسبيحا معلوما ويهللون ويكبرون، قال: فلبس برنسا، ثم انطلق فجلس إليهم، فلما عرف ما يقولون رفع البرنس عن رأسه ثم قال: أنا أبو عبد الرحمن، ثم قال: لقد فَضَلْتم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- علما، أو لقد جئتم ببدعة ظلما. قال: فقال عمرو بن عتبة: نستغفر الله، ثلاث مرات، ثم قال رجل من بني تميم: والله ما فَضَلْنا أصحاب محمد علما، ولا جئنا ببدعة ظلما، ولكنا قوم نذكر ربنا، فقال: بلى، والذي نفس ابن مسعود بيده، لقد فَضَلْتم أصحاب محمد علما، أو جئتم ببدعة ظلما، والذي نفس ابن مسعود بيده لئن أخذتم آثار القوم ليسبقنكم سبقا بعيدا، ولئن حرتم يمينا وشمالا لتضلن ضلالا بعيدا" [رواه ابن وضاح في البدع]، ورُوي أن بعض هؤلاء الذين طردهم ابن مسعود -رضي الله عنه- قد قالوا بعد ذلك بقول الخوارج، وناجزوا المسلمين في النهروان، فتأمل كيف كانت بدعهم في العبادات سبيلا إلى انتكاستهم عند النهايات، ولطالما كانت البدعة بريدا للضلال، فكيف بمن أخفى ما أشدّها من الضلالات!
ثم انظر إلى واصل بن عطاء، فقد كان من كبار الفصحاء والبلغاء، وكان يحضر دروس الحسن البصري رحمه الله، وسمّي بالغَزَّال لتردده على سوق الغزل ليتصدق على الفقيرات من النساء، فلما قال بأن الفاسق لا مؤمن ولا كافر، طرده الحسن عن مجلسه، فضلَّ وزاغ وكان أول من حمل لواء المعتزلة.
وكذلك تأمل -يرحمك الله- في حال رَجَّال بن عُنْفُوَة، وقد كان في وفد بني حنيفة الذين قدموا على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأسلموا، ولكنه افتتن بعد ذلك بمسيلمة الكذاب وارتد وقُتل على ذلك.
وما هذا إلا غيض من فيض المنتكسين، وقطرات من بحار ظلماتهم، فعلام إذن يحزن المرء إذا غادر الخلافة منتكس، أو يجزع إذا يمم بوجهه نحو ديار الكفر مرتكس؟
• المحن تطرد الخبث
إنها المحن إذ تنفي عن الخلافة الخبث كما ينفي الكير خبث الذهب، وتُطهّر الصف من رجس لوثات المنافقين ودنس شبهاتهم، وإن الموحّدين -والله- ليدعون الله أن يخرج هؤلاء جميعا من بين أظهرهم.
وكما قيل: إن من هاجر من أجل صورة فستعود به صورة، ومن هاجر من أجل قصة فستعود به قصة، ومن هاجر لأجل عقيدة ودين فسترسخ أقدامه في الهجرة، بإذن الله تعالى.
وكذلك اليوم نقول أن من هاجر للدولة بعد النصر والتمكين لأنه يروم الدعة والعيش مع الأقوياء، فسيعود أدراجه حتما عند المحنة والابتلاء، ولن يكون أبدا من أتباع رعيل خير القرون الذين قال الله –تعالى- فيهم: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172]، أولئك الذين مسّتهم القروح وعركتهم الشدائد، فما تراجعوا القهقرى وما انفضوا عن نبيّهم، بل ومنذ أن صاح فيهم مناديهم تلك الصيحة الأولى: إن كان رسول الله قد قُتل فقوموا وموتوا على ما مات عليه، بقيت تلكم الصيحة حاديهم في هذه الدنيا إلى أن قضوا، وما بدلوا تبديلا، فرضي الله عنهم وأرضاهم جميعا.
ومن هاجر ظانا أنه قد يجد لدخن عقيدته أو ضلاله متنفسا في دولة الإسلام، أو أنه قد يجد لبضاعته الفاسدة سوقا يبيع فيها ما اهترأ من عقائده بين أهل التوحيد الصافي، فسيخيب سعيه قطعا وستتقيّؤه أرض الخلافة الطيبة كما تقيأت الذين سبقوه وحاولوا تلويث منهجها ولا كرامة.