• المنتكسون آفة كل عصر وأما من يرى في هروب الخبثاء حجة على جماعة المسلمين، وطعنا في منهجها، ...
• المنتكسون آفة كل عصر
وأما من يرى في هروب الخبثاء حجة على جماعة المسلمين، وطعنا في منهجها، فليعد إلى كتب التفاسير ولينظر فيمن نزلت هذه الآية: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 86 - 89].
روى الإمام الطبري بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: "كان رجل من الأنصار أسلم، ثم ارتد ولحق بالشرك، ثم ندم فأرسل إلى قومه: أرسلوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل لي من توبة؟ قال: فنزلت هذه الآيات، فأرسل إليه قومه فأسلم" [جامع البيان في تأويل القرآن].
ولقد هاجر عبيد الله بن جحش إلى الحبشة مع زوجه أم المؤمنين حبيبة -رضي الله عنها- غير أنه انتكس على أم الرأس، فارتد على عقبيه وتنصر هناك ومات على ردته، وهو الذي كان يعد في جملة المنتسبين للأصحاب، فهل في هذا مأخذ على دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- ورسالته؟ معاذ الله، ولكن عيون الشانئين بها رمد وقد عز المنصفون.
وما على دولة الإسلام ولا على أمرائها وجنودها من حرج ولا خوف، إن تولى عنها وعنهم كل البشر ما دام رب البشر يقول لخير البشر: {فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ} [التوبة: 129].
ولله در عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- حين قال: "والله إنْ أبالي إذا وجدتُ ثلاث مائة يصبرون صبري لو أَجْلَبَ عليَّ أهل الأرضِ" [سير أعلام النبلاء].
• ربنا لا تزغ قلوبنا..
ومع هذا النفي للخبث والتطهير للصف، لا يسعنا إلا أن نسأل الله أن يثبتنا وأن لا يجعلنا ممن تزل بهم الأقدام، ونذكر أهل التوحيد، من رعية وجنود، بأن لا يغتروا بما هم عليه اليوم من صلاح وثبات، فإن العبرة بالنهايات لا بالبدايات، ومع كل منتكس يهوي في دركات الباطل، حري بالمؤمن الفطن أن لا يستعظم ذلك، وأن يخشى على نفسه هذه الفتن التي باتت تغشانا، فما أمِنها على نفسه صاحب المقام المحمود، فكان أكثر حلفه -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري عن ابن عمر، قال: "كانت يمين النبي، صلى الله عليه وسلم: (لا ومقلب القلوب)".
وروى الإمام أحمد عن شهر بن حوشب، قال: "قلت لأم سلمة: يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: (يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك). قالت: فقلت له: يا رسول الله، ما أكثر دعاءك: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك؟ قال: (يا أم سلمة، إنه ليس من آدمي، إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله -عز وجل- ما شاء أقام، وما شاء أزاغ).
قال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهما الله: "وليعلم من أنعم الله عليه بمعرفة الشرك، الذي يخفى على أكثر الناس اليوم، أنه قد منح أعظم النعم، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}، {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ}، إلى قوله: {فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً}، ثم لا يأمن مَن مَنّ الله عليه بذلك من الافتتان" [الدرر السنية].
فليحذر الموحد كل الحذر من أن يزيغ قلبه أو يضل فؤاده، أو أن يأخذه العجب بنفسه، والله -تعالى- يقول: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ} [الأنعام: 110]، نعوذ بالله من الحور بعد الكور.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على خاتِم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 94
الخميس 24 ذو القعدة 1438 هـ
وأما من يرى في هروب الخبثاء حجة على جماعة المسلمين، وطعنا في منهجها، فليعد إلى كتب التفاسير ولينظر فيمن نزلت هذه الآية: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 86 - 89].
روى الإمام الطبري بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: "كان رجل من الأنصار أسلم، ثم ارتد ولحق بالشرك، ثم ندم فأرسل إلى قومه: أرسلوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هل لي من توبة؟ قال: فنزلت هذه الآيات، فأرسل إليه قومه فأسلم" [جامع البيان في تأويل القرآن].
ولقد هاجر عبيد الله بن جحش إلى الحبشة مع زوجه أم المؤمنين حبيبة -رضي الله عنها- غير أنه انتكس على أم الرأس، فارتد على عقبيه وتنصر هناك ومات على ردته، وهو الذي كان يعد في جملة المنتسبين للأصحاب، فهل في هذا مأخذ على دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- ورسالته؟ معاذ الله، ولكن عيون الشانئين بها رمد وقد عز المنصفون.
وما على دولة الإسلام ولا على أمرائها وجنودها من حرج ولا خوف، إن تولى عنها وعنهم كل البشر ما دام رب البشر يقول لخير البشر: {فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ} [التوبة: 129].
ولله در عبد الله بن الزبير -رضي الله عنهما- حين قال: "والله إنْ أبالي إذا وجدتُ ثلاث مائة يصبرون صبري لو أَجْلَبَ عليَّ أهل الأرضِ" [سير أعلام النبلاء].
• ربنا لا تزغ قلوبنا..
ومع هذا النفي للخبث والتطهير للصف، لا يسعنا إلا أن نسأل الله أن يثبتنا وأن لا يجعلنا ممن تزل بهم الأقدام، ونذكر أهل التوحيد، من رعية وجنود، بأن لا يغتروا بما هم عليه اليوم من صلاح وثبات، فإن العبرة بالنهايات لا بالبدايات، ومع كل منتكس يهوي في دركات الباطل، حري بالمؤمن الفطن أن لا يستعظم ذلك، وأن يخشى على نفسه هذه الفتن التي باتت تغشانا، فما أمِنها على نفسه صاحب المقام المحمود، فكان أكثر حلفه -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح البخاري عن ابن عمر، قال: "كانت يمين النبي، صلى الله عليه وسلم: (لا ومقلب القلوب)".
وروى الإمام أحمد عن شهر بن حوشب، قال: "قلت لأم سلمة: يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: (يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك). قالت: فقلت له: يا رسول الله، ما أكثر دعاءك: يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك؟ قال: (يا أم سلمة، إنه ليس من آدمي، إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله -عز وجل- ما شاء أقام، وما شاء أزاغ).
قال الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهما الله: "وليعلم من أنعم الله عليه بمعرفة الشرك، الذي يخفى على أكثر الناس اليوم، أنه قد منح أعظم النعم، {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا}، {وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ}، إلى قوله: {فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً}، ثم لا يأمن مَن مَنّ الله عليه بذلك من الافتتان" [الدرر السنية].
فليحذر الموحد كل الحذر من أن يزيغ قلبه أو يضل فؤاده، أو أن يأخذه العجب بنفسه، والله -تعالى- يقول: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ} [الأنعام: 110]، نعوذ بالله من الحور بعد الكور.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على خاتِم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 94
الخميس 24 ذو القعدة 1438 هـ