اغتنم صحتك قبل سقمك الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله ...
اغتنم صحتك قبل سقمك
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) [رواه البيهقي وهو صحيح على شرط الشيخين].
وقد تكلمنا عن مفردات هذا الحديث، ولم يبق لنا إلا الحديث عن الصحة قبل السقم، وعند معاينة هذا الجزء من الحديث، تجول في النفس كثير من المعاني التي حققها المغتنمون من أهل الصحة فيما يكثرونه من الطاعات، وعلى رأسها الجهاد في سبيل الله، ثم قد يقف الواقف في معنى الاغتنام حيرانا أمام من قُطِّعت بعض أجسادهم، فلم يعجزوا ويقعدوا، بل أكملوا الطريق إلى نهايته، فلله درهم وعلى الله أجرهم.
ثم قد ترى بعض أهل الصحة من ينطبق عليهم وصف العجز بكل معانيه، فإنهم مع تمام صحتهم عجزوا عن تنفيذ مراد الله -تعالى- منهم، فأين عذرهم وقد جاهد أهل البلاء بما تبقى من أجسادهم، حتى عجز القلم أن يكتب عن جميل فعالهم وكريم خصالهم؟ أولئك الذي قُطِّعت أرجلهم فجاهدوا بأيديهم فلم يكن ذلك عائقا أمامهم لإكمال مسيرهم إلى الله -تعالى- بصدق وقوة عزيمة، قد تعالت نفوسهم على حطام الدنيا وبهرجها، فجادوا بما بقي من أجسادهم لله رب العالمين.
• العاجز من أتبع النفس هواها
فالعاجز في هذه الأيام ليس ذلك الذي فقد شيئا من جسده، بل العاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانيّ، وقعد عن نصرة دين الله -تبارك وتعالى- في زمن الجهاد والذود عن الدين والحرمات، في زمان تكالب الأمم على أمة الإسلام في دولة الإسلام، فشمَّر لها أهل العزائم من أولئك الذين أبقى الله في أجسادهم ما يستطيعون به حمل السلاح أو قيادة سيارة مفخخة نحو أهدافهم، إن العاجز ليس ذاك الولي الصادق الذي أكمل طريقه إلى ربه، إنما العاجز هو الذي وهبه الله صحة وجسدا سليما فلم يغتنم هذه النعمة في ما يرضي الله تبارك وتعالى، ولم يستعملها في نصرة دينه وعباده المستضعفين، وهذا هو الذي نعجب منه في هذا الزمن، وكما قال الشاعر:
عجِبتُ لمن له قَدٌّ وحَدٌّ
وينبو نبوة القضم الكهامِ
ومنْ يجد الطريق إلى المعالي
فلا يذرُ المطيَّ بلا سنامِ
ولم أرَ في عيوب الناس شيئاً
كنقص القادرين على التمامِ
فلا عجب أن ترى مواكب المغتنمين ممن ابتلاهم الله بالإصابات والابتلاءات ناصبين صدورهم لعدوهم، تروسا لحماية جناب التوحيد، فلم يجد اليأس إلى قلوبهم طريقا، وهم لا يجدون عن المعالي محيصا، حتى يركبوا إلى المجد مراكبه، للسير إلى سعادتهم وطيب مقامهم، فمن العاجز أيها الصحيح الذي لم تسقم؟ ومن المغتنم أيها السليم المنعّم؟ هل فقهت معنى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حول اغتنامك صحتك قبل سقمك؟
• السقم الحقيقي هو سقم القلب
إن السقم الحقيقي هو سقم القلب وعجزه وضعف إرادته عن نيل المطالب العالية، التي لا تصلها إلا النفوس المرضية عند ربها، التي لا ترضى بعيش الدون، فإما الحكم لله، وإما نار لا تنطفئ أوراها حتى تحرق جموع الكفار والمرتدين، وهنا يسقط القلم فما عاد يجد الكلمات التي يصف بها فعال أولئك الموحدين المبتلين بقطع وبتر، من الذين ركبوا مراكب المنايا، فأحلُّوا بساحة أعدائهم المهالك والرزايا، ولكن لا يزال في الجعبة من كلمات الأسف على أولئك الذين سلموا من كل بلاء، وقد أنعم الله عليهم بنعمة الصحة وسلامة الأعضاء، فوا أسفاه عليهم حين لم يجد إخواننا المبتلون لأنفسهم عذرا فمضوا في طريق الجهاد، وهؤلاء قد وجدوا لأنفسهم أعذارا فنكلوا عن العز والسؤدد، فماذا أعددت لنفسك أيها السليم المسكين بين يدي الجبار؟ وأي غنيمة فاتتك أيها المعافى لتعتق رقبتك من النار؟
نعم، إنها الإرادة التي لا تعرف الانكسار، وتسعى بالصبر والمصابرة لنصرة دين الله تبارك وتعالى، تلك التي خالطت قلوب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يجدوا لمعنى الاغتنام إلا طلب الكفار ومقارعتهم، فهل سمعت بالأعمى الذي خرج ليحمل اللواء فقُتل في سبيل الله تعالى؟ إنه الصحابي الجليل ابن أم مكتوم، لم يتعذر بأنه أعمى بل ساقه قلبه البصير إلى خير كرامة، شهادة في سبيل الخالق جل وعلا، وهل سمعت بالأعرج الذي أراد أن يطأ بعرجته الجنة؟ إنه الصحابي عمرو بن الجموح، الذي كانت أمنيته أن يطأ بعرجته الجنة، فقُتل في سبيل الله -تعالى- ولم يعتذر لنفسه.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) [رواه البيهقي وهو صحيح على شرط الشيخين].
وقد تكلمنا عن مفردات هذا الحديث، ولم يبق لنا إلا الحديث عن الصحة قبل السقم، وعند معاينة هذا الجزء من الحديث، تجول في النفس كثير من المعاني التي حققها المغتنمون من أهل الصحة فيما يكثرونه من الطاعات، وعلى رأسها الجهاد في سبيل الله، ثم قد يقف الواقف في معنى الاغتنام حيرانا أمام من قُطِّعت بعض أجسادهم، فلم يعجزوا ويقعدوا، بل أكملوا الطريق إلى نهايته، فلله درهم وعلى الله أجرهم.
ثم قد ترى بعض أهل الصحة من ينطبق عليهم وصف العجز بكل معانيه، فإنهم مع تمام صحتهم عجزوا عن تنفيذ مراد الله -تعالى- منهم، فأين عذرهم وقد جاهد أهل البلاء بما تبقى من أجسادهم، حتى عجز القلم أن يكتب عن جميل فعالهم وكريم خصالهم؟ أولئك الذي قُطِّعت أرجلهم فجاهدوا بأيديهم فلم يكن ذلك عائقا أمامهم لإكمال مسيرهم إلى الله -تعالى- بصدق وقوة عزيمة، قد تعالت نفوسهم على حطام الدنيا وبهرجها، فجادوا بما بقي من أجسادهم لله رب العالمين.
• العاجز من أتبع النفس هواها
فالعاجز في هذه الأيام ليس ذلك الذي فقد شيئا من جسده، بل العاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأمانيّ، وقعد عن نصرة دين الله -تبارك وتعالى- في زمن الجهاد والذود عن الدين والحرمات، في زمان تكالب الأمم على أمة الإسلام في دولة الإسلام، فشمَّر لها أهل العزائم من أولئك الذين أبقى الله في أجسادهم ما يستطيعون به حمل السلاح أو قيادة سيارة مفخخة نحو أهدافهم، إن العاجز ليس ذاك الولي الصادق الذي أكمل طريقه إلى ربه، إنما العاجز هو الذي وهبه الله صحة وجسدا سليما فلم يغتنم هذه النعمة في ما يرضي الله تبارك وتعالى، ولم يستعملها في نصرة دينه وعباده المستضعفين، وهذا هو الذي نعجب منه في هذا الزمن، وكما قال الشاعر:
عجِبتُ لمن له قَدٌّ وحَدٌّ
وينبو نبوة القضم الكهامِ
ومنْ يجد الطريق إلى المعالي
فلا يذرُ المطيَّ بلا سنامِ
ولم أرَ في عيوب الناس شيئاً
كنقص القادرين على التمامِ
فلا عجب أن ترى مواكب المغتنمين ممن ابتلاهم الله بالإصابات والابتلاءات ناصبين صدورهم لعدوهم، تروسا لحماية جناب التوحيد، فلم يجد اليأس إلى قلوبهم طريقا، وهم لا يجدون عن المعالي محيصا، حتى يركبوا إلى المجد مراكبه، للسير إلى سعادتهم وطيب مقامهم، فمن العاجز أيها الصحيح الذي لم تسقم؟ ومن المغتنم أيها السليم المنعّم؟ هل فقهت معنى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حول اغتنامك صحتك قبل سقمك؟
• السقم الحقيقي هو سقم القلب
إن السقم الحقيقي هو سقم القلب وعجزه وضعف إرادته عن نيل المطالب العالية، التي لا تصلها إلا النفوس المرضية عند ربها، التي لا ترضى بعيش الدون، فإما الحكم لله، وإما نار لا تنطفئ أوراها حتى تحرق جموع الكفار والمرتدين، وهنا يسقط القلم فما عاد يجد الكلمات التي يصف بها فعال أولئك الموحدين المبتلين بقطع وبتر، من الذين ركبوا مراكب المنايا، فأحلُّوا بساحة أعدائهم المهالك والرزايا، ولكن لا يزال في الجعبة من كلمات الأسف على أولئك الذين سلموا من كل بلاء، وقد أنعم الله عليهم بنعمة الصحة وسلامة الأعضاء، فوا أسفاه عليهم حين لم يجد إخواننا المبتلون لأنفسهم عذرا فمضوا في طريق الجهاد، وهؤلاء قد وجدوا لأنفسهم أعذارا فنكلوا عن العز والسؤدد، فماذا أعددت لنفسك أيها السليم المسكين بين يدي الجبار؟ وأي غنيمة فاتتك أيها المعافى لتعتق رقبتك من النار؟
نعم، إنها الإرادة التي لا تعرف الانكسار، وتسعى بالصبر والمصابرة لنصرة دين الله تبارك وتعالى، تلك التي خالطت قلوب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يجدوا لمعنى الاغتنام إلا طلب الكفار ومقارعتهم، فهل سمعت بالأعمى الذي خرج ليحمل اللواء فقُتل في سبيل الله تعالى؟ إنه الصحابي الجليل ابن أم مكتوم، لم يتعذر بأنه أعمى بل ساقه قلبه البصير إلى خير كرامة، شهادة في سبيل الخالق جل وعلا، وهل سمعت بالأعرج الذي أراد أن يطأ بعرجته الجنة؟ إنه الصحابي عمرو بن الجموح، الذي كانت أمنيته أن يطأ بعرجته الجنة، فقُتل في سبيل الله -تعالى- ولم يعتذر لنفسه.