الدولة الإسلامية - مقال: الصولة العسكرية شروطها ومدى تأثيرها على العدو تُعَد الصولات ...

الدولة الإسلامية - مقال:

الصولة العسكرية
شروطها ومدى تأثيرها على العدو

تُعَد الصولات الهجومية من أهم وأقدم الطرق القتالية في العالم، وهي طريقة استنزافية للعدو، لا تُستَخدم لكسب حرب أو لمَسك أرض، بل لإيقاع الخسائر البسيطة والموجعة والمستمرة بالعدو، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (أحب الأعمال إلى الله أدومها، وإن قلَّ) [صحيح البخاري].

وتشُنُّ الصولاتَ أعدادٌ صغيرة من المهاجمين، من خمسة إلى خمسة عشر رجلا يزيدون أو ينقصون قليلا، ويتميز القائمون بهذا النوع من الهجمات بالشجاعة واللياقة البدنية العالية، ولا تستهدف الصولات المحاورَ القتالية أو الجبهات الدفاعيةَ القوية فحسب، بل تختار الأطراف الضعيفة المرتخية كأهداف سهلة.


• أركان الصولة:

يعتمد نجاح الصولات على أمرين: أولاً مباغتة العدو، وثانياً السرعة في ضرب الهدف والانسحاب، وتتميز الصولات عن الغزوات العادية بأنها لا تحتاج إلى إعداد طويل أو مُكلف، وبهذا يمكن للمجموعات الصغيرة من المجاهدين القيام بعدد كبير من الصولات في زمن قصير نسبياً.


• أنواع الصولات:

ثمة نوعان من الصولات يقوم بهما جنود الخلافة:

الأول هو صولات المشاة: وفيها يتسلل عدد صغير من المجاهدين إلى مكان قرب العدو ويقومون بضربه ثم الانسحاب بسرعة، وأحياناً يكون الضرب بالاشتباك المباشر المباغت، وأحياناً يكون بزرع عبوات مموهة بشكل جيد على طرق إمداد العدو البرية.

والشكل الثاني للصولات هو استخدام سيارات مصفحة تباغت العدو بالاشتباك بالرشاشات الثقيلة، ثم الانسحاب بسرعة، وفي كلا النوعين لا يكون الاشتباك طويلا، بل يتم الانسحاب قبل تدخل الطيران.


• أين تنجح الصولات؟

من عوامل نجاح الصولات، طول خط التماس مع العدو، فيحتاج العدو إلى عدد كبير من نقاط الرباط مقابل أرض الإسلام، فيعمل الاستطلاع على إيجاد النقاط الأضعف استعداداً، سواءً ضعُفت بسبب عدد الجنود أو تسليحهم أو بسبب طبيعة الأرض، أو حتى بسبب سهولة الانسحاب أو غير ذلك. وفي الصولات يقوم أفراد الهجوم أنفسهم باستطلاع الهدف قبيل القيام بالصولة، أي أن كثرة نقاط رباط العدو على طول خط التماس توفر كثرة في خيارات المهاجِمين، وهو ما يعطي أيضاً ميزات إضافية للمهاجمين.

وقد يطلب بعض الأمراء العسكريين القيام بأكثر من صولة في نفس الوقت بهدف تشتيت الطيران، ولكن التنسيق بين أكثر من مجموعة مهاجِمة يتعارض مع مبدأ الصولات، فإن كثرة الصولات أهم من التنسيق بينها، ويجب الوصول إلى هدف تحييد الطيران عن طريق سرعة الانسحاب بالدرجة الأولى، أو في أسوأ الحالات عن طريق القيام بهجمة وهمية متزامنة في مكان آخر، فهذه يمكن التحضير لها والقيام بها في الوقت المطلوب بلا جهد كبير، وبلا تأثير على الوقت الذي اختاره المهاجمون لصولتهم.

ومن الهام أن يعرف المهاجمون كم من الزمن يحتاج الطيران لكي يتدخل في النقطة التي ينوون مهاجمتها، وأن لا يتأخروا أكثر مما ينبغي في صولتهم.
• ردة فعل العدو:

ليس لدى العدو سوى خيارات محدودة أمام كثرة الصولات، فتجب عليه زيادة قوة نقاط الرباط بزيادة عدد الجنود في كل نقطة، وكذلك زيادة عدد نقاط الرباط وتقليل المسافة بينها لتتمكن من مساعدة بعضها عند الهجوم على إحداها، وأخيراً فإن على العدو زيادة قدرات الجنود على التواصل مع الطيران لكي يتمكن من نجدتهم عند حصول هجوم المجاهدين، وهذا ليس سهلاً أبداً بسبب طبيعة جنود العدو الذين يتصرفون دائماً بارتباك عند تعرضهم للهجوم، وأما الجنود المدربون على استدعاء الطيران وتوجيهه، فليسوا هم الذين يرابطون على طول خط التماس مع العدو، بل هم نسبة صغيرة فقط.

• كيف تعيد الصولات تشكيل أرض المعركة:

تُحدث الصولات تأثيراً كبيراً على البُنية الداخلية لجيش العدو، لأن انتشار جيش العدو مع الزمن يتحول إلى قشرة جوفاء على خطوط التماس الأمامية فقط، ولا عمق خلف هذه القشرة يدفع عنها عندما تُكسر، وهذا هو حال ميليشيات الأكراد اليوم، فمن المعلوم أن الأرض التي خلفهم فارغة من كل وجود عسكري، ولكن الحقيقة غير المتوقعة هي أنه لا يوجد عندهم حل لهذه المشكلة.

وإذا فرضنا أن قدرة العدو على التجنيد سترتفع بسبب التجنيد الإجباري، فإن هذا سيكون أيضاً لصالح المجاهدين، فالمجندون إجبارياً ليسوا مقاتلين حقيقيين، بل جبناء لا يعرفون القتال، ولا قضية عندهم ليقاتلوا من أجلها، خصوصاً أنهم يقاتلون تحت راية الأكراد الذين يكرهونهم أصلاً.


• الفعل ورد الفعل:

للعدو طريقة واحدة للتعامل مع جنود الخلافة، وهي الهرب واستدعاء الطيران، إلههِم الذي يلجؤون إليه، فإذا أحسوا باقتراب المجاهدين، أو بدأت عليهم الرماية، فإن ردة الفعل التي تدربوا عليها هي الهرب للخطوط الخلفية مع استدعاء الطيران، وهنا يجب على المجاهدين أن يكتفوا بما أحدثوا من خسائر، وألا يحاولوا أبداً الاستقرار في المنطقة، وخصوصاً أن لا يبقوا في النقطة التي انسحب منها العدو، بل أن يأخذوا غنائمهم ويبتعدوا عن هذه النقطة بسرعة، فهذه النقاط محددة مسبقاً بدقة لطيران العدو، وحالما ينسحب جنود العدو من نقطتهم يأتي الطيران لضرب هذه النقطة، وهذا هو أهم تكتيكات قتال الأكراد التي دربهم عليها الأمريكان.

ومؤخراً فقد بدأ جيش النصيرية أيضاً باستخدام خطط مماثلة، فإن النقطة المحصنة التي تؤخذ منه تكون محددة كهدف للمدفعية مسبقاً، فإذا استولى المجاهدون على أي نقطة للنصيرية فيجب أن يرابط الإخوة بعيداً عنها ﻷن العدو قد رصد نقاطه مسبقاً كي لا يتمكن الإخوة من الصمود فيها تحت الكثافة النارية العالية.

ومن المهم أن يعرف المجاهد طبيعة العدو الذي يقاتله، فإن نقاط الحراسة التي يتواجد فيها العدو هي نقاط واهنة على العموم، ﻷن نخبة جنود العدو هم الذين يجمعهم في وحدات خاصة، وأما الرباط الثابت على طول خط المواجهة مع الأكراد فهو للمجندين إجبارياً من أهل القرى، وهؤلاء لا قضية لهم يقاتلون عليها.


• تأثير الصولات على عمق العدو:

يحتاج العدو أن يعوض خسائره بشكل مستمر، ولذلك فإن الصولات على خطوط التماس مع العدو هي التي تحدد أين سيضخ العدو جنوده، وأين سيترك خطوطه تضعف، أي أن المهاجم النشيط هو الذي يقرر كيف سيتوزع جيش العدو، وهذه الحيلة، تعمل دائماً بعون الله، ولا يوجد حل لدى العدو حتى عندما يعرف المقصود من الصولات الهجومية، فإما أن يترك خطوط رباطه النائية تضعف نتيجة خسائرها المستمرة، وهو ما يعرضه لخطر الاجتياح من تلك المناطق، وإما أن يستمر بالتعويض عن الخسائر ويُضعف المناطق التي لا تتعرض للهجمات.

وأما أن يكون لدى العدو القدرة على التجنيد لتغطية الجميع، فقد مضى هذا الزمن بالنسبة للأكراد خصوصاً وبالنسبة لجميع أعداء الخلافة عموماً، فقد أرهقت هذه الحرب الجميع.

وبهذا فإن الصولات المستمرة ستعرِّض أي جيش للانهيار مع الزمن، ولم يشهد التاريخ أي حالة صمد فيها جيشٌ أمام الصولات المستمرة، ورغم أن انهيار العدو النهائي يتطلب غزوة معدةً بشكل جيد، إلا أن الصولات هي التي تمهد الطريق لنجاح أي غزوة من هذا النوع بإذن الله.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 100
الخميس 15 محرم 1439 ه‍ـ