منزلةُ الجهادِ عند الرَّعيلِ الأوَّلِ ينبغي للمجاهد أن يستغل المواسم الإيمانية في تجديد همته ...

منزلةُ الجهادِ عند الرَّعيلِ الأوَّلِ

ينبغي للمجاهد أن يستغل المواسم الإيمانية في تجديد همته وإذكاء جهاده، وقد أظلكم معاشر المجاهدين عشرٌ مباركاتٌ علا قدرهنّ وعظُم أجرهنّ وتسامت أخبارهنّ، وكنّ بحق خير أيام العام، ومع ذلك لم يغب الجهاد عنهنّ وألقى بظلاله عليهنّ كما في الصحيح: (مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامٍ أَفضَلَ مِنْهَا فِي هَذِهِ). قالُوا: وَلا الْجِهَادُ؟ قَالَ: (وَلا الْجِهَادُ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيءٍ) [البخاري]

المتابع للحوار السابق الذي دار بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام في محضر الحديث عن تفضيل العمل في العشر على العمل في سواهن؛ يلحظ كيف أن الصحابة لم يتبادر إلى ذهنهم عمل يزاحم هذه الأفضلية سوى الجهاد في سبيل الله، فسألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- متعجبين مستغربين: "ولا الجهاد في سبيل الله؟" لم يقولوا: ولا الصدقة؟ ولم يقولوا: ولا الصلاة أو الصيام أو القيام..؟ بل خصّوا الجهاد من بين سائر الأعمال لعلوّ قدره ورسوخ مكانته في نفوسهم إلى الحد الذي جعلوه علامة فارقة يقيّمون بها الأعمال، واستغربوا أن يكون هناك عمل صالح يربو فضله على الجهاد، كيف لا وهم تلاميذ النبي المجاهد -صلى الله عليه وسلم- وغرْس يديه الشريفتين ونتاج تربيته الإيمانية الجهادية التي حفرت في قلوبهم وعقولهم أن الجهاد لا يعدله شيء وأنّه عزّ الأولين والآخرين.

جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- استثنى من المفاضلة مجاهدا (خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيءٍ). وعلماء الملة على أن المفاضلة بين أعمال العشر والجهاد إنما هي في الفضائل لا الفرائض، والجهاد اليوم فرض عين لا نافلة، ومع ذلك فإنّ الحالة التي ذكرها النبي -صلى الله عليه وسلم- للمجاهد المخاطر بنفسه هي صورة لا تنفك عن أحوال المجاهدين في زماننا، فهم في كل يوم يخاطرون بأرواحهم ويضحّون بأغلى ما يملكون، وقد هاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم في سائر الأيام والشهور وسائر البقاع والثغور.


مقتطف من افتتاحية صحيفة النبأ
"يا جنود الله هبوا" العدد 497