*تحكيم العقل وقوة المنطق* "أنا أسرق لكن أن أقتل؟ مستحيل!" "أنا أشاهد الإباحية أفضل من أن أزني" ...

*تحكيم العقل وقوة المنطق*

"أنا أسرق لكن أن أقتل؟ مستحيل!" "أنا أشاهد الإباحية أفضل من أن أزني" "لا لا ليس لي في قصص الحب والغرام لكن لدي مجموعة من الصديقات أكلمهم دون مشاعر"
- العديد من الناس يضعون حدوداً منطقية، وربما البعض للوهلة الأولى يشعر بأن من يتكلم بمثل هذا الكلام هو شخص منطقي عقلاني، يرى ويقرر بحسب ما يقتضيه عقله وهو شيءٌ صائب.
- المشكلة أن المنطق والعقل ليس من الثوابت، صحيح أن المعلومات والذكريات جميعها عبارة عن مشابك عصبية إلا أنها تتكون في بيئات مختلفة ونتيجة لمنبهات ومثيرات مختلفة وتجارب ومواقف مختلفة وهذا يؤدي إلى تحكيم عقلي مختلف! ما المشكلة في هذا؟
- المشكلة تكمن في السير بطريق الخطأ وضر المجتمع والمحيط مع الشعور بالقيام بعملٍ صائب في الوقت نفسه! قال سبحانه وتعالى:"الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا" (الكهف-104)، بشار الأسد طاغي الشام والمتسبب في دمار سوريا والتنكيل والتهجير بأهلها كان يحسب أنه يحسن صنعاً ويحمي الأقليات ويضمن تماسك كافة مكونات النسيج السوري وأنه محور المقاومة والممانعة للقضية الفلسطينية، فالشخص المذنب لا يشعر أنه مخطأ وهنا المشكلة الأكبر، السارق يبرر بضيق الأوضاع المادية والزاني يبرر بصعوبة الزواج وحتى فرعون قال "مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ" (غافر-29).
- مشكلة أخرى ومهمة ألا وهي أنك إنسان! ورد ذكر كلمة "الإنسان" في القرآن الكريم في الكثير من المواضع، والشيء المشترك في كل هذه المواضع أنها تصف الإنسان بصفات سلبية!

"وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا" [النساء:28].
"وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا" [الإسراء:11]
"وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا" [الإسراء:83].
"إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ" [العاديات:6].
"يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ" [الانفطار:6].

فالإنسان بطبعه مجبولٌ على الصفات السيئة والنفس الأمارة بالسوء إن لم يزكيها ويطهرها، لذلك لا يمكن الإعتماد عليه بالحكم منطقياً وعقلياً في جميع الأشياء.
- المشكلة الأخيرة الكبيرة أن معايير المجتمع ستتحول وتنتقل من ما هو محمود إلى ما هو مذموم، فالكذب يصبح ذكاء وحنكة، الصدق يصبح بلاهة... وحتى الحكم على الأشخاص يصبح ممزوج بالمنطق ويختلف من شخص لشخص، وجميعنا يعلم قصة روبن هود، يسرق من الأغنياء ليعطي الفقراء! يا له من شخص نبيل وثوابه كبير فهو يطعم المسكين ويخرج الزكاة من الأغنياء (هذا من وجهة نظر منطقية) إلا أننا نعلم أن روبن هود سارق ويعاقب دينياً وقانونياً! وهذا يذكرني بأحد بيوت الهجاء:

سمعتكُ تبني مسجداً من خيانةٍ ---- وأنت بحمد الله غيرَ موفقِ
كَمُطعمَةِ الايتام من كدِّ فَرجِها ---- لَكِ الويلُ لا تزني ولا تتصدَّقي !

وهو يصف شخصٌ يبني مسجداً من مال حرامٍ وخيانةٍ ويشبهه بامرأة تزني وتخرج من مالها صدقة.
أيضاً شخص سرق فالمنطقٌ يقول لك "عاقبه عقاباً شديداً أجعله يخاف من تكرار فعلته" أما منطقٌ آخر يقول "سامحه وأدخله في دورات إعادة تأهيل لعلّ قلبه يصلح فيعود إلى طريق الصواب"، إذا نظرنا من بعيد، كلتا الطريقتين صحيحات ومنطقيات للحل، فما العمل؟!
- أن يكون هناك مرجعيةٌ إيمانيةٌ قلبيةٌ لدينا، فالإيمان بالله سبحانه وتعالى والتدبّر بقرآنه الكريم والإقتداء برسوله ﷺ وبسنته يقينا من الوقوع في خطأ "المنطق"، الله سبحانه وتعالى هو من خلقنا وهو أعلم بنا فقال في كتابه الكريم:"وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلا" (الكهف-54) لذا منّ الله علينا ببوصلة لحياتنا وهي الإيمان، مع ازدياد إيمان الإنسان يكتسب الحكمة وتوفيق الرأي من الله سبحانه وتعالى فيتبادر له الفعل الصحيح دون وعيٍ حتى، المواقف والأحداث التي ذكرت في القرآن كثيرة وعميقة... فالتدبر فيها يعيننا على فعل عبادةٍ يغفل عنها الكثيرون وهي "الإعتبار" فكما ذكر الله في القرآن الكريم:"فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ" (الحشر-2) لذا الاعتبار والإيمان واتباع السنة وأداء العبادات كلها أمورٌ تساعدنا على اتخاد القرارات الصائبة ووضع الحدود الصحيحة في حياتنا.
قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم:
{إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا . إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [المعارج:20-22].
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} [التين:4-6].
{وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ خَيْرٌ ۖ لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة:103].

- نسأل الله تعالى أن يوفقنا ويلهمنا الصواب في اتخاد القرارات ويبعدنا عن الاغترار بعقلنا وجعله الآمر الناهي في حياتنا، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنباه.

أخوكم محمد براء الطبشي، إن أحسنت فمن الله، وإن أسأت أو أخطأت فمن نفسي والشيطان.