الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 508 الافتتاحية: • عراق المراغمة عقدان أو يزيد لم توقف ...

الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 508
الافتتاحية:

• عراق المراغمة

عقدان أو يزيد لم توقف فيهما الحكومات الرافضية المتعاقبة على العراق حملاتها بحثا عن الأمن المفقود، بينما يعيش مبدِّدو أمنها فصولا متتابعة من الجهاد والعطاء، لم يكلّوا ولم يملّوا رغم طول الطريق وشدة الخذلان وكثرة المناوئين وثقل المحنة التي ناءت بحملها الجبال، وحملها أولئك الأبطال الذين هضمت الأمة حقهم وتواصى الجميع بحربهم.

ونحسب أنهم كانوا قطب الرحى في إشعال جذوة الجهاد الأصيل الذي غيّر وجه المنطقة وغزا العالم، ودشّن عصرا جديدا من المراغمة والمفاصلة، بعد أن كاد الجهاد يضيع بين مشاريع الضرار الإخوانية والمتأخونة التي أرادوها بديلا لمشروع الدولة الإسلامية والخلافة على منهاج النبوة.

وخلافا لانتصاراتهم الكثيرة، انتصر أجناد العراق في موقعتين ضمن حروب المراغمة، كان لهما بالغ الأثر في حفظ مسيرة الجهاد من الزيغ والانحراف؛ الأولى كانت على "صحوات باتريوس" في العراق، والثانية على "صحوات توماس" في الشام، وبين هذه وتلك كادت صورة الجهاد النقي أن تختفي وتضمحل بين نموذجي "الضاري" و "الجولاني" لولا أنّ الله هيّأ له من يصونه ويحرسه، وهذا يحسب لأجناد العراق الذين تمالأ المنافقون قديما وحديثا على محاربة مشروعهم، فخيّب الله سعيهم وكشف سوأتهم وصاروا مضرب المثل في الخيانة والانتكاس، وتأمل عندما تذكر الخيانة والانتكاس، من يتبادر إلى ذهنك؟

ومع كل ما يحيط بهم، لم يحد أجناد العراق عن دربهم، صُبُر أباة يكابدون من المحن أشدّها ومن الظروف أمرّها، وثمرات جهادهم ما تزال تتصدر ميدان الصراع العالمي بين الإسلام والكفر، واذكروا إنْ شئتم يوما واحدا خلا من تقارير العدو، تحذّر وتنذر من أجناد العراق.

إنْ حضروا ارتعدت فرائص الأعداء وعاد الرافضة والصليبيون شركاء حلفاء، وإن غابوا لم تغب آثارهم ولم ينس الرافضة فعالهم فعكفوا يتذاكرونها في لطميات لا تنتهي، تحسب لهم أمريكا ألف حساب ووفقا لمقياس خطرهم تؤقّت جداول الانسحاب، ويشارك اليهود الملاعين في حربهم مكرا وتجسُّسا من وراء حجاب، لقد نُصروا بالرعب حقا ولا عجب بعد أنِ اقتفوا هدي نبيهم وساروا عليه، ووالوا وعادوا فيه، وعاشوا وقتلوا تحت لوائه، ولم يبالوا بكل من ناوأهم.

قوافل شهدائهم ماضية، ومحن أسراهم في السجون لا يضاهيها محنة ومعهم ذووهم الكرام البررة المغيبون عن ذاكرة الأمة، وجلَد جنودهم في القفار والوديان لا يطيقه الرجال، ولولا الموانع لسردنا ما تشيب له مفارق الرأس من الأهوال، ومع ذلك لم يتهاونوا في دينهم، ولم يبخلوا على أمتهم ولم يبادلوها الخذلان بالخذلان، يستعذبون الموت في سبيل الله تعالى، ويقدّمونه على التنازلات والمساومات، شعارهم التجلُّد خير من التبلُّد، والمنية خير من الدنيا، صمتوا ولم تصمت بنادقهم بعيدا عن عدسات الإعلام في ثبات ملحمي لم تُحط به الطبقات ولا سير الأعلام، وعذرا أجناد العراق فمؤرّخو زماننا لم يعتادوا سوى تأريخ النكبات والخيانات، لا المفاخر والمكرمات، أما الملائكة الكرام فقد فعلوا، فأبشروا وقروا عينا فوارس العراق، فما عند الله خير وأبقى.

شكّلوا نواة جيوش الفتح التي انطلقت قبل أكثر من عقدين وشيّدت صرح المشروع المقدس الذي اجتمع الروم والفرس والمنافقون على حربه منذ أول يوم أُسس فيه على التقوى، وما زال الكافرون والمنافقون يتواصون بحربه حتى هذه اللحظة، بينما واصلت جيوش الفتح طريقها منذ ذلك الحين لم تذل خيولها حتى وصلت سنابكها بلاد إفريقية وخراسان وما زالت مسيرتها ماضية بفضل الله تعالى.

تتسابق الجيوش والحكومات على مطاردة جنودهم قبل قياداتهم، وتُفتح قنوات التنسيق بين أجهزة المخابرات إنْ وردت إشارة ساخنة عن أحدهم، وتطير الوكالات والقنوات بنبأ مقتل عراقي في نزال، وأسر عراقي في إنزال، كأنّ أجناد العراق مادة الرعب ومنتهى الإرهاب الذي يحاول كل هؤلاء عبثا الخلاص منه وهيهات.

لأجل ما سبق، يتعرض مسلمو العراق لأبشع الجرائم الرافضية في السجون والمخيمات المنسية، وسط تغييب إعلامي ممنهج يمارسه إعلام الدجال، وهو نهج مقصود غير مستغرب، لكن ما يكرّسه ويفاقمه تجاهل عامة المسلمين لجرح إخوانهم في العراق كأنهم لا يرون فيه بأسا، مع أنّ ما فيه يفوق ما في كثير من الجراح مجتمعة، لكن الأحرار لم يعتادوا النواح والشكوى ولو بقوا في المحنة مئة عام! نتحدث بلسانهم لا نيابة عنهم، فمن ينوب عن هؤلاء ومن يطيق ما يطيقون؟
إننا نذكّر المسلمين بنصرة إخوانهم أهل العراق تحت مظلة الإسلام الذي يوجب عليهم ذلك، وتيقنوا أن من خذل أهل العراق لن ينصر أهل فلسطين، ومن باع بغداد الرشيد لن يشتري الأقصى.

ولأنه يُبتلى المؤمن على قدر دينه، فقد جاءت المحنة العراقية على قدر الجهد الذي بذله مجاهدو العراق في حفظ مسيرة الجهاد وتدويله وإخراجه من قمقم السواتر والحدود، وردفه بالرجال والمال، وقبل ذلك أطره على منهاج النبوة الذي انتصر على مناهج التمييع والترقيع التي اخترقت ساحات الجهاد وأنتجت مسوخا جهادية وخلائط منهجية لم تعرفها القرون المفضلة.

وإنّ لفوارس العراق حبا في قلوب المؤمنين، وغيظا ورعبا في قلوب الكافرين، وحسدا وحقدا في قلوب المنافقين، وما ذلك إلا لشدتهم على الكافرين وتقديمهم مصلحة العقيدة على كل المصالح الموهومة، ووقوفهم سدا في وجه المؤامرات التي تستهدف العقيدة والجهاد، حتى صار أجناد العراق مضرب المثل في الولاء والبراء، نحسبهم والله حسيبهم.

وننتهز الفرصة لنخاطب أجناد العراق خطاب الأخوة الإيمانية، ونرسل إليهم تذكيرا ووصية، فخذوها عنا واسمعوا وتدبروا بشارة ربكم لمن سبقكم: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}، لن يضيّعكم الله يا فوارس العراق، ولن يتركم أعمالكم سبحانه، لن يضيّع إيمانكم وصبركم وتضحياتكم قديما وحديثا سرا وعلانية، وحسبكم أنكم كنتم أهل السبق إلى الجادة، وها أنتم اليوم أهل الصبر والمراغمة، فهنيئا لكم السابقة وهنيئا لكم اللاحقة، فالثبات الثبات والاحتساب الاحتساب، ونسأله تعالى لنا ولكم حسن العاقبة.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 508
السنة السابعة عشرة - الخميس 20 صفر 1447 هـ