الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 123 الافتتاحية: • استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة منذ ...
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 123
الافتتاحية:
• استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة
منذ عقود طويلة، والمرتدون من أتباع طواغيت الإخوان المشركين، ومن يردد أكاذيبهم، يكررون مقولة ساذجة يريدون من خلالها تبرير إيمانهم بالديموقراطية وطلبهم لها، ومنها أن الديموقراطية هي أمثل طريق لإقامة الدين، وأن الحكم الديموقراطي أقل ضررا على دين الناس من الحكم الاستبدادي الفرعوني.
وبما أن نظرياتهم هذه لم تخضع للتجريب -بشكل كامل على الأقل- فإنهم ظلوا مستمرين في الكذب بها على أتباعهم الراضين بالدخول في شرك الديموقراطية في سبيل المصالح الظنية التي يعدهم بها طواغيتهم، ولكن كان من ثمرات ما جرى خلال العقد الأخير من إسقاط لبعض الأنظمة الفرعونية وإحلال أنظمة ديموقراطية مكانها أنها كشفت زيف تلك الدعاوى الكاذبة، وعرَّت أصحابها وفضحت إيمانهم المطلق بشرك الديموقراطية وحرصهم عليها مهما كانت النتيجة من وراء الدخول في دينها.
فبعد إسقاط الطاغوت التونسي الأسبق (زين العابدين بن علي) تحققت الديموقراطية في تونس، وجرى انتخاب مجلس تأسيسي يقع على عاتقه وضع دستور جديد للبلاد، وشارك في انتخاب أعضاء المجلس أكثر من ثلثي المؤهلين للتصويت من شعب تونس، وفوَّض المنتخبون هؤلاء الأعضاء بالنيابة عنهم في الحكم والتشريع، لكونهم نوابا عنهم، وقاموا بوضع الدستور الذي صدر بعد أعوام ثلاث متضمنا ما فيه من تشريع من دون الله، وأوامر بالحكم بغير ما أنزل الله، كما كان هذا الدستور أساسا لكثير من القوانين الكفرية، ومبيحا لكثير من التعديات على أحكام الشريعة الإسلامية وأهلها.
ولعل أشهر الأمثلة عليها ما صدر مؤخرا عن الحكومة التونسية المرتدة من قوانين معارضة لحكم الله في أبواب النكاح والإرث وغيرها من الأبواب التي فيها أحكام تخص المرأة المسلمة، فأصدر المشركون قانونا كفريا يبيحون به ما حرَّم الله من نكاح المسلمات للمشركين، حين حكم -سبحانه- بقوله: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221]، وهم عاكفون على تشريع قانون كفري آخر ينقضون به حكم الله تعالى في الإرث، بمساواتهم بين الذكور والإناث من الأولاد في الميراث، بخلاف حكمه تعالى: {يوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، بالإضافة إلى قوانين أخرى كفرية يعكفون على إصدارها لتعزيز ما يسمونه "مساواة بين الرجل والمرأة"، وهذا كله غيض من فيض كفرهم وطغيانهم على حق رب العالمين في التشريع، الذي مُكنوا منه بتفويض من المؤمنين بدين الديموقراطية.
وقد ضربنا المثال بهذه القوانين لأنها تندرج ضمن ما يسمونه "قوانين الأحوال الشخصية" التي درج الطواغيت الحاكمون لديار الإسلام على عدم التدخل فيها، كصورة من صور خداع الناس بأنهم لا يتدخلون في دينهم، وهكذا بقيت هذه القوانين على حالها في ظل حكم الصليبيين الفرنسيين، ومن بعدهم عتاة الطواغيت المتفرعنين وهم (الحبيب بورقيبة) و(زين العابدين بن علي)، فلم يجرؤوا على التصرف فيها، مخافة أن يثور الناس عليهم، ولكن هذه الحكومة الديموقراطية وجدت في نفسها من القوة ما لم يكن لأسلافها من الحكومات الطاغوتية، نظرا لامتلاكها تفويضا ممن انتخبها من شعب تونس، وبالتالي فإنها تُصدر هذه القوانين باسمهم، وبالنيابة عنهم.
لم يكن الرفق في شيء إلا زانه
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن أعرابيا بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به فقال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (دعوه، وأهريقوا على بوله ذَنوبا من ماء، أو سَجلا من ماء، فإنما بُعثتم ميسرين ولم تُبعثوا معسرين) [صحيح البخاري].
وعن عائشة -رضي الله عنها - قالت: استأذن رهط من اليهود على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: السام عليك، فقلتُ: بل عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)، قلتُ: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: (قلتُ: وعليكم) [صحيح البخاري].
أخي المجاهد: لقد حثَّ شرعنا الحنيف على الأخلاق الحسنة وحرَّض عليها ليس لأنها تعلو بصاحبها في مراتب الشرف وتُهذب النفس فحسب، بل لأن خيرها ينعكس على كامل المجتمع المسلم وأفراده.
ويعتبر الرفق من الأخلاق التي يتعدى خيرها للآخرين، حتى مع غير البشر، فقد روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- شيئا من ذلك فقالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبدو إلى هذه التلاع، وإنه أراد البداوة مرة، فأرسل إليَّ ناقة محرَّمة -يعني ناقة لم تُركب- من إبل الصدقة، فقال لي: (يا عائشة، ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه، ولا نُزع من شيء قط، إلا شانه) [سنن أبي داوود].
وعن أبي يعلى شداد بن أوس -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته) [رواه مسلم].
ولا بد للرفق أن يكون لِينا من غير ضعف، وتيسيرا من غير تفريط، وأن يُستعمل في موضعه استعمالا حكيما، فلين الجانب بالقول والفعل هو السهولة والتواضع بالقول والفعل وترك العنف والقسوة والغلظة والفظاظة في الأمر والنهي.
قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}، [آل عمران: 159].
وإذا ما أردت أيها القائد أو الأمير أو الأب أو الزوج أو الأخ أو الجندي أن تكون مطاعا فلا بد لك من لين الجانب أي السهولة في التعامل بدون عنف أو قسوة.
واجعل أخي المجاهد رفقك بمن حولك لله عز وجل، وليكن هدفك أن تُرِيَ الله هذا الرفق في تعاملاتك كلها إرضاء له، وذلك لأنه -تعالى- يحبه منك فقد روت أمنا عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه) [رواه مسلم].
أي إن الله -تعالى- يسهل الأمور وييسرها بالرفق واليسر ولا يحصل ذلك التيسير والتسهيل بالعنف والغلظة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 123
الخميس 27 جمادى الآخرة 1439 هـ
الافتتاحية:
• استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة
منذ عقود طويلة، والمرتدون من أتباع طواغيت الإخوان المشركين، ومن يردد أكاذيبهم، يكررون مقولة ساذجة يريدون من خلالها تبرير إيمانهم بالديموقراطية وطلبهم لها، ومنها أن الديموقراطية هي أمثل طريق لإقامة الدين، وأن الحكم الديموقراطي أقل ضررا على دين الناس من الحكم الاستبدادي الفرعوني.
وبما أن نظرياتهم هذه لم تخضع للتجريب -بشكل كامل على الأقل- فإنهم ظلوا مستمرين في الكذب بها على أتباعهم الراضين بالدخول في شرك الديموقراطية في سبيل المصالح الظنية التي يعدهم بها طواغيتهم، ولكن كان من ثمرات ما جرى خلال العقد الأخير من إسقاط لبعض الأنظمة الفرعونية وإحلال أنظمة ديموقراطية مكانها أنها كشفت زيف تلك الدعاوى الكاذبة، وعرَّت أصحابها وفضحت إيمانهم المطلق بشرك الديموقراطية وحرصهم عليها مهما كانت النتيجة من وراء الدخول في دينها.
فبعد إسقاط الطاغوت التونسي الأسبق (زين العابدين بن علي) تحققت الديموقراطية في تونس، وجرى انتخاب مجلس تأسيسي يقع على عاتقه وضع دستور جديد للبلاد، وشارك في انتخاب أعضاء المجلس أكثر من ثلثي المؤهلين للتصويت من شعب تونس، وفوَّض المنتخبون هؤلاء الأعضاء بالنيابة عنهم في الحكم والتشريع، لكونهم نوابا عنهم، وقاموا بوضع الدستور الذي صدر بعد أعوام ثلاث متضمنا ما فيه من تشريع من دون الله، وأوامر بالحكم بغير ما أنزل الله، كما كان هذا الدستور أساسا لكثير من القوانين الكفرية، ومبيحا لكثير من التعديات على أحكام الشريعة الإسلامية وأهلها.
ولعل أشهر الأمثلة عليها ما صدر مؤخرا عن الحكومة التونسية المرتدة من قوانين معارضة لحكم الله في أبواب النكاح والإرث وغيرها من الأبواب التي فيها أحكام تخص المرأة المسلمة، فأصدر المشركون قانونا كفريا يبيحون به ما حرَّم الله من نكاح المسلمات للمشركين، حين حكم -سبحانه- بقوله: {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} [البقرة: 221]، وهم عاكفون على تشريع قانون كفري آخر ينقضون به حكم الله تعالى في الإرث، بمساواتهم بين الذكور والإناث من الأولاد في الميراث، بخلاف حكمه تعالى: {يوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، بالإضافة إلى قوانين أخرى كفرية يعكفون على إصدارها لتعزيز ما يسمونه "مساواة بين الرجل والمرأة"، وهذا كله غيض من فيض كفرهم وطغيانهم على حق رب العالمين في التشريع، الذي مُكنوا منه بتفويض من المؤمنين بدين الديموقراطية.
وقد ضربنا المثال بهذه القوانين لأنها تندرج ضمن ما يسمونه "قوانين الأحوال الشخصية" التي درج الطواغيت الحاكمون لديار الإسلام على عدم التدخل فيها، كصورة من صور خداع الناس بأنهم لا يتدخلون في دينهم، وهكذا بقيت هذه القوانين على حالها في ظل حكم الصليبيين الفرنسيين، ومن بعدهم عتاة الطواغيت المتفرعنين وهم (الحبيب بورقيبة) و(زين العابدين بن علي)، فلم يجرؤوا على التصرف فيها، مخافة أن يثور الناس عليهم، ولكن هذه الحكومة الديموقراطية وجدت في نفسها من القوة ما لم يكن لأسلافها من الحكومات الطاغوتية، نظرا لامتلاكها تفويضا ممن انتخبها من شعب تونس، وبالتالي فإنها تُصدر هذه القوانين باسمهم، وبالنيابة عنهم.
لم يكن الرفق في شيء إلا زانه
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن أعرابيا بال في المسجد، فثار إليه الناس ليقعوا به فقال لهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (دعوه، وأهريقوا على بوله ذَنوبا من ماء، أو سَجلا من ماء، فإنما بُعثتم ميسرين ولم تُبعثوا معسرين) [صحيح البخاري].
وعن عائشة -رضي الله عنها - قالت: استأذن رهط من اليهود على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: السام عليك، فقلتُ: بل عليكم السام واللعنة، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (يا عائشة، إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله)، قلتُ: أولم تسمع ما قالوا؟ قال: (قلتُ: وعليكم) [صحيح البخاري].
أخي المجاهد: لقد حثَّ شرعنا الحنيف على الأخلاق الحسنة وحرَّض عليها ليس لأنها تعلو بصاحبها في مراتب الشرف وتُهذب النفس فحسب، بل لأن خيرها ينعكس على كامل المجتمع المسلم وأفراده.
ويعتبر الرفق من الأخلاق التي يتعدى خيرها للآخرين، حتى مع غير البشر، فقد روت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- شيئا من ذلك فقالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبدو إلى هذه التلاع، وإنه أراد البداوة مرة، فأرسل إليَّ ناقة محرَّمة -يعني ناقة لم تُركب- من إبل الصدقة، فقال لي: (يا عائشة، ارفقي فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه، ولا نُزع من شيء قط، إلا شانه) [سنن أبي داوود].
وعن أبي يعلى شداد بن أوس -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته) [رواه مسلم].
ولا بد للرفق أن يكون لِينا من غير ضعف، وتيسيرا من غير تفريط، وأن يُستعمل في موضعه استعمالا حكيما، فلين الجانب بالقول والفعل هو السهولة والتواضع بالقول والفعل وترك العنف والقسوة والغلظة والفظاظة في الأمر والنهي.
قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}، [آل عمران: 159].
وإذا ما أردت أيها القائد أو الأمير أو الأب أو الزوج أو الأخ أو الجندي أن تكون مطاعا فلا بد لك من لين الجانب أي السهولة في التعامل بدون عنف أو قسوة.
واجعل أخي المجاهد رفقك بمن حولك لله عز وجل، وليكن هدفك أن تُرِيَ الله هذا الرفق في تعاملاتك كلها إرضاء له، وذلك لأنه -تعالى- يحبه منك فقد روت أمنا عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه) [رواه مسلم].
أي إن الله -تعالى- يسهل الأمور وييسرها بالرفق واليسر ولا يحصل ذلك التيسير والتسهيل بالعنف والغلظة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 123
الخميس 27 جمادى الآخرة 1439 هـ