(إنا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر) عن زيد بن سعنة أنه دفع مالا للرسول -صلى الله عليه ...

(إنا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر)


عن زيد بن سعنة أنه دفع مالا للرسول -صلى الله عليه وسلم- لقاء تمر يأخذه منه في أجل معلوم، قال: "فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة، خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في جنازة رجل من الأنصار ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، ونفر من أصحابه، فلما صلَّى على الجنازة دنا من جدار فجلس إليه، فأخذت بمجامع قميصه، ونظرت إليه بوجهٍ غليظٍ، ثم قلت: ألا تقضيني يا محمد حقي؟ فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب بمَطْلٍ، ولقد كان لي بمخالطتكم علم!

قال: ونظرتُ إلى عمر بن الخطاب وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره وقال: أيْ عدو الله! أتقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما أسمع، وتفعل به ما أرى؟! فوالذي بعثه بالحق، لولا ما أحاذر قوته لضربت بسيفي هذا عنقك. ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة، ثم قال: (إنا كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التِّباعة، اذهب به يا عمر فاقضه حقه، وزده عشرين صاعا من غيره مكان ما رعته).

قال زيد: فذهب بي عمر فقضاني حقي، وزادني عشرين صاعاً من تمر، فقلت: ما هذه الزيادة؟ قال: أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أزيدك مكان ما رُعْتُكَ، فقلت: أتعرفني يا عمر؟ قال: لا، فمن أنت؟ قلت: أنا زيد بن سعنة، قال: الحَبْر؟ قلت: نعم، الحبر، قال: فما دعاك أن تقول لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما قلت، وتفعل به ما فعلت؟

فقلت: يا عمر، كل علامات النبوة قد عرفتُها في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أختبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، فقد اختبرتهما، فأُشهدك -يا عمر- أني قد رضيت بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيّاً، وأشهدك أن شطر مالي -فإني أكثرها مالاً- صدقة على أمة محمد، صلى الله عليه وسلم"
[رواه ابن حبان والطبراني وغيرهما].



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 124
الخميس 5 رجب 1439 ه‍ـ