مقال / خذوا حذركم • مدخل: لا نعرف المصدر الحقيقي لمصطلح "الأمنيَّات"، ولن نسعى كثيرا لتتبع ...
مقال / خذوا حذركم
• مدخل:
لا نعرف المصدر الحقيقي لمصطلح "الأمنيَّات"، ولن نسعى كثيرا لتتبع أصله، وهو بالتأكيد ليس جمعا لمصطلح (الأمن)، وإنما يفهم من سياق استخدامه العام أنه إشارة إلى مجموع الإجراءات التي تتخذها المنظمات والأفراد لتحقيق "الأمن".
ونظرا لأن العدو الأكبر للمجاهدين منذ عقود يتمثل بأجهزة المخابرات التابعة لحكومات الطواغيت والدول الصليبية، التي تستعمل في الغالب أساليبها المعتادة في العمل من التجسس والاختراق والاغتيالات وجمع المعلومات، فقد حظيت "الأمنيات" بأهمية كبيرة في عمل المجاهدين، ونصائح أمرائهم.
"الأمنيات".. بين الوقاية والدفاع والهجوم
"الأمنيات" التي هي إجراءات وقائية بالدرجة الأولى، أما إذا استطاع العدو كسر هذه الإجراءات فإن الجانب العلاجي (الدفاعي) يكون مكلفا، وقليل الفائدة أو عديمها أحيانا.
وعندما نصف "الأمنيات" بأنها إجراءات وقائية، أي أنها تتخذ لمنع العدو من الوصول إلى الهدف الذي نريد تأمينه، سواء كان هذا الهدف فردا من المجاهدين، أو مقرا لهم، أو معلومة تخصهم، أو موادا محفوظة في مكان ما عندهم، وأنه باتخاذ هذه الإجراءات فإننا نتقي تبعات وصول العدو إلى الهدف.
فالعدو لا يستطيع أن يقصف مقر اجتماع للمجاهدين لم يتمكن من معرفة موقعه الدقيق أو التقريبي، فالوقاية من القصف في هذه الحال قد يكفي لها إخفاء هذا الموقع عن أعين جواسيسه ووسائطه المختلفة لجمع المعلومات، كالطائرات المسيرة، وأجهزة التقاط الإشارات اللاسلكية، وما شابه.
والعدو سيستعد بشكل أفضل لصد هجوم للمجاهدين، إذا بلغته معلومات عن هذا الهجوم، كتوقيته، أو حجمه، أو هدفه... ولوقاية هذا الهجوم من مواجهة قوية مع المدافعين، فإن الإجراءات تقتضي منع العدو من الحصول على معلومات حقيقية عن خطة الهجوم، وذلك من خلال (التعمية) وهي منع الحصول على المعلومات الحقيقية مطلقا، و(التورية) التي تتمثل بالتمويه على المعلومات الحقيقية بأخرى مزورة، تقلل من ثقته بالمعلومات الحقيقية، أو تدفعه إلى الثقة بالمعلومات المزورة.
والعميل للمشركين لن ينجح في استهداف أحد المجاهدين بعبوة ناسفة يضعها في طريقه إن لم يكن لديه معلومات عن خط سير هذا المجاهد وتحركاته اليومية، وبذلك فإن اتخاذ هذا المجاهد لبعض الإجراءات التي تمنع من توقع تحركاته، كتنويع طرق المسير ووسائطه، وتبديل مواعيد التحرك باستمرار، ستجعل قضية تصيُّده بالغة الصعوبة، تحتاج إمكانيات مضاعفة من العدو لتوزيع جهده على كل المواقع التي يمكنه أن يكمن فيها لهذا المجاهد.
ومع أن تركيزنا حاليا سيكون على الجانب الوقائي من العمل الأمني، فلا بأس بالتذكير أن لهذا العمل جوانب دفاعية أيضا، تتمثل بإجراءات يجب اتباعها في حال تمكن العدو من التغلب على إجراءاتنا الوقائية، وبالتالي منعه من الاستفادة من هذا الاختراق في إلحاق الأذى بالمجاهدين أو أعمالهم ومصالحهم، كما أن هناك جانبا هجوميا في العمل الأمني، يقوم على السعي إلى اختراق الإجراءات الأمنية للعدو، وكسر دفاعاته الأمنية، من أجل تحقيق أهداف العمل الجهادي.
أهمية الإجراءات الأمنية
وتزداد أهمية هذه الإجراءات لا لفائدتها الوقائية الابتدائية فحسب، ولكن لقلة إمكانيات المجاهدين، وعدم التوازن في القوى بينهم وبين أعدائهم غالبا، وافتقارهم إلى وسائل الردع، التي تمنع العدو من الاستفادة من المعلومات التي يتوصل إليها في تنفيذ فعل معادٍ، كتدمير المواقع، واغتيال الأفراد، والتحكم بالقرارات والخطط.
فمخابرات الدول تمتلك كثيرا من المعلومات عن تحركات خصومها من رجال المخابرات المعادية لها، ولكنها تقف عاجزة عن القضاء عليهم بالقتل، أو اعتقالهم للحصول على ما بأيديهم من معلومات، لأن هذه الأفعال قد تقود إلى مواجهة مباشرة مدمرة مع الدول الأخرى، وبذلك يمنعها مانع الردع من الاستفادة من المعلومات في اتخاذ قرارات حاسمة، وهذا ما نجده ربما بصورة أوضح في تتبع المخابرات للمعارضين المقيمين في بلدان أجنبية، فإنها تكتفي غالبا بالسعي للتجسس عليهم، ومعرفة نواياهم، وإحصاء المرتبطين بهم، دون قدرة على تنفيذ عمل مادي ضدهم، لما في ذلك من تأثير على العلاقات مع الدول التي تستضيفهم.
كما أن وسائل الحماية المتوفرة بيد المجاهدين ضعيفة نسبيا مقارنة بوسائل الهجوم المتوفرة في يد أعدائها، وخاصة ما يتعلق منها بالوسائل الجوية.
وإذا نظرنا إلى تجربة الجهاز الأمني للدولة الإسلامية، فإنه قد تمكن -بفضل الله- خلال السنوات الماضية من شلِّ قدرة الخلايا الأمنية المعادية على تنفيذ أي هجمات داخل أراضي الدولة الإسلامية إلى حد كبير، ولذلك انحصر عملها بتقديم المعلومات وإرسالها إلى أجهزة المخابرات العالمية لتتولى التنفيذ عن طريق سلاح الجو الذي استهدف بكثافة كل الأهداف التي قدَّم الجواسيس المعلومات عنها، مستهدفين الإخوة بالقتل، ليأسهم من تحقيق اختراق على الأرض يمكنهم من اعتقالهم والحصول منهم على معلومات ثمينة بالنسبة إليهم، وحتى عندما اضطرتهم أهمية بعض الأهداف إلى السعي لتحقيق ذلك، فإنهم اعتمدوا على قوات عسكرية خاصة، محمية بسرب من الطائرات المقاتلة، وكان التنفيذ في المناطق الصحراوية غالبا، ومع ذلك كان النجاح محدودا، لتفضيل الإخوة القتل على الاستئسار للمشركين.
وبذلك تتبين أهمية الإجراءات الأمنية في حماية الأخ المجاهد، وحماية العمل الجهادي، وعموم مصالح الدولة الإسلامية، من اعتداءات المشركين، فهي أهم الأسلحة التي بيده، إن لم تكن السلاح الوحيد أحيانا.
وتزداد أهمية هذا السلاح الوقائي عند المجاهدين العاملين في ديار الكفر، تحت أعين وسمع المخابرات الكافرة، حيث يضطر المجاهد إلى التحرك في أوساط معادية غالبا، تلتقط أي إشارة خطر لتقوم بإيصالها إلى المخابرات، التي حولت عامة الناس في تلك البلدان إلى جواسيس فاعلين لها، ينقلون كل شاردة وواردة إلى عملائها، هذا فضلا عن أجهزة المراقبة والتتبع الكثيرة التي نصبتها أجهزة المخابرات في كل شارع، وعلى كل هاتف، ووسط كل تجمع عام.
فهنا يتحرك المجاهد بلا أي سلاح مادي، منعا للاشتباه به، وبذلك فإن مقتله يكون بمجرد انكشافه للعدو، الذي لن يعجزه اعتقاله بأبسط الوسائل، وأقل التكاليف، فلا يكون للمجاهد في هذه الحالة من سلاح يقي به نفسه من الاعتقال، أو القتل، وعمله الذي يشرف عليه من الانكشاف والتخريب، سوى مجموعة الإجراءات الأمنية التي يمنع بواسطتها عدوه من التعرف عليه، أو الوصول إليه، ومن ثم استهدافه بالقتل أو الاعتقال.
علم الأمن
إن "الأمنيات" هي مزيج بين الفطرة، والفن، والعلم، فالأصل أن يكون المجاهد بفطرته حريصا على أمنه وأمن إخوانه والعمل الذي يقومون به عموما، حذرا من أعدائه، لا يأمن جانبهم، ولا يغفل عن التحسب لصد هجماتهم.
كما يمكن للمجاهد أن يكتسب هذه الصفات الحميدة من خلال التجارب التي يمرُّ بها في حياته، أو يمرُّ بها إخوانه، فتتكون لديه بذلك خبرة في وقاية نفسه وإخوانه وعملهم من مساعي عدوه في اختراق أمنهم وتهديدهم، بل والانتقال من الجانب الوقائي إلى الجانب الدفاعي، أو حتى الهجومي الذي يستهدف كسر "أمنيات" العدو، وتحقيق أهداف العمل الجهادي.
والأفضل أن يستبق المجاهد عمله الجهادي بتعلم هذه الإجراءات، فقد صار (الأمن) علما متكاملا اليوم، يدرس في الجامعات والأكاديميات العلمية، وتعطى فيه الدورات والمحاضرات، وقد دوِّن في الكتب والملخصات، كما هو جارٍ في الأجهزة الأمنية التي تعمل لصالح الدول والحكومات، بل وحتى في المؤسسات العاملة على تأمين الشركات والمصالح الخاصة والأفراد.
وإنه من الأفضل أن يُختار للأعمال الجهادية التي يتعرض العاملون فيها لمخاطر أمنية الأفراد الذين يمتلكون إمكانيات ذاتية (فطرية) ملائمة لهذا العمل، ولديهم القدرة على الاستفادة من الخبرات المكتسبة من قبلهم في هذا الميدان، أو اكتساب المعلومات المنقولة إليهم من غيرهم، وفوق ذلك كله أن يكون لديهم القابلية والقدرة، على تطبيق هذه الخبرات والمعارف، لا أن تحفظ عن ظهر قلب، ويعمل بغيرها أو بخلافها.
فما يميز هذا العلم أنه علم تطبيقي، لا يكفي فيه العلم المجرد عن العمل، ولا يكفي أن يعرف المتعلم أن هذا الإجراء يتخذ في ظرف معين، ولا يتخذ في ظرف آخر، أو أن يقر أن هذا الإجراء صحيح، ويجب العمل به، ولكن يجب أن يطبِّق هذا الإجراء فعليا وبالطريقة الصحيحة، فعندها فقط يكون الإجراء مفيدا، أما أن يعرف للحفظ والاستظهار، فإن صفحات الكتب أكثر فائدة في هذا الباب من صدور الرجال.
وقد كانت هناك محاولات عديدة، لتدوين هذا العلم، من قبل بعض المختصين، وسنحاول في هذه السلسلة من المقالات -بإذن الله- أن نكمل ما نراه ناقصا فيما كتبوه، ونسهل ما صعب فهمه من كلامهم، ونصحح ما نرى فيه من أخطاء، نسأل التوفيق، وأن يهدينا سواء السبيل.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 124
الخميس 5 رجب 1439 هـ
• مدخل:
لا نعرف المصدر الحقيقي لمصطلح "الأمنيَّات"، ولن نسعى كثيرا لتتبع أصله، وهو بالتأكيد ليس جمعا لمصطلح (الأمن)، وإنما يفهم من سياق استخدامه العام أنه إشارة إلى مجموع الإجراءات التي تتخذها المنظمات والأفراد لتحقيق "الأمن".
ونظرا لأن العدو الأكبر للمجاهدين منذ عقود يتمثل بأجهزة المخابرات التابعة لحكومات الطواغيت والدول الصليبية، التي تستعمل في الغالب أساليبها المعتادة في العمل من التجسس والاختراق والاغتيالات وجمع المعلومات، فقد حظيت "الأمنيات" بأهمية كبيرة في عمل المجاهدين، ونصائح أمرائهم.
"الأمنيات".. بين الوقاية والدفاع والهجوم
"الأمنيات" التي هي إجراءات وقائية بالدرجة الأولى، أما إذا استطاع العدو كسر هذه الإجراءات فإن الجانب العلاجي (الدفاعي) يكون مكلفا، وقليل الفائدة أو عديمها أحيانا.
وعندما نصف "الأمنيات" بأنها إجراءات وقائية، أي أنها تتخذ لمنع العدو من الوصول إلى الهدف الذي نريد تأمينه، سواء كان هذا الهدف فردا من المجاهدين، أو مقرا لهم، أو معلومة تخصهم، أو موادا محفوظة في مكان ما عندهم، وأنه باتخاذ هذه الإجراءات فإننا نتقي تبعات وصول العدو إلى الهدف.
فالعدو لا يستطيع أن يقصف مقر اجتماع للمجاهدين لم يتمكن من معرفة موقعه الدقيق أو التقريبي، فالوقاية من القصف في هذه الحال قد يكفي لها إخفاء هذا الموقع عن أعين جواسيسه ووسائطه المختلفة لجمع المعلومات، كالطائرات المسيرة، وأجهزة التقاط الإشارات اللاسلكية، وما شابه.
والعدو سيستعد بشكل أفضل لصد هجوم للمجاهدين، إذا بلغته معلومات عن هذا الهجوم، كتوقيته، أو حجمه، أو هدفه... ولوقاية هذا الهجوم من مواجهة قوية مع المدافعين، فإن الإجراءات تقتضي منع العدو من الحصول على معلومات حقيقية عن خطة الهجوم، وذلك من خلال (التعمية) وهي منع الحصول على المعلومات الحقيقية مطلقا، و(التورية) التي تتمثل بالتمويه على المعلومات الحقيقية بأخرى مزورة، تقلل من ثقته بالمعلومات الحقيقية، أو تدفعه إلى الثقة بالمعلومات المزورة.
والعميل للمشركين لن ينجح في استهداف أحد المجاهدين بعبوة ناسفة يضعها في طريقه إن لم يكن لديه معلومات عن خط سير هذا المجاهد وتحركاته اليومية، وبذلك فإن اتخاذ هذا المجاهد لبعض الإجراءات التي تمنع من توقع تحركاته، كتنويع طرق المسير ووسائطه، وتبديل مواعيد التحرك باستمرار، ستجعل قضية تصيُّده بالغة الصعوبة، تحتاج إمكانيات مضاعفة من العدو لتوزيع جهده على كل المواقع التي يمكنه أن يكمن فيها لهذا المجاهد.
ومع أن تركيزنا حاليا سيكون على الجانب الوقائي من العمل الأمني، فلا بأس بالتذكير أن لهذا العمل جوانب دفاعية أيضا، تتمثل بإجراءات يجب اتباعها في حال تمكن العدو من التغلب على إجراءاتنا الوقائية، وبالتالي منعه من الاستفادة من هذا الاختراق في إلحاق الأذى بالمجاهدين أو أعمالهم ومصالحهم، كما أن هناك جانبا هجوميا في العمل الأمني، يقوم على السعي إلى اختراق الإجراءات الأمنية للعدو، وكسر دفاعاته الأمنية، من أجل تحقيق أهداف العمل الجهادي.
أهمية الإجراءات الأمنية
وتزداد أهمية هذه الإجراءات لا لفائدتها الوقائية الابتدائية فحسب، ولكن لقلة إمكانيات المجاهدين، وعدم التوازن في القوى بينهم وبين أعدائهم غالبا، وافتقارهم إلى وسائل الردع، التي تمنع العدو من الاستفادة من المعلومات التي يتوصل إليها في تنفيذ فعل معادٍ، كتدمير المواقع، واغتيال الأفراد، والتحكم بالقرارات والخطط.
فمخابرات الدول تمتلك كثيرا من المعلومات عن تحركات خصومها من رجال المخابرات المعادية لها، ولكنها تقف عاجزة عن القضاء عليهم بالقتل، أو اعتقالهم للحصول على ما بأيديهم من معلومات، لأن هذه الأفعال قد تقود إلى مواجهة مباشرة مدمرة مع الدول الأخرى، وبذلك يمنعها مانع الردع من الاستفادة من المعلومات في اتخاذ قرارات حاسمة، وهذا ما نجده ربما بصورة أوضح في تتبع المخابرات للمعارضين المقيمين في بلدان أجنبية، فإنها تكتفي غالبا بالسعي للتجسس عليهم، ومعرفة نواياهم، وإحصاء المرتبطين بهم، دون قدرة على تنفيذ عمل مادي ضدهم، لما في ذلك من تأثير على العلاقات مع الدول التي تستضيفهم.
كما أن وسائل الحماية المتوفرة بيد المجاهدين ضعيفة نسبيا مقارنة بوسائل الهجوم المتوفرة في يد أعدائها، وخاصة ما يتعلق منها بالوسائل الجوية.
وإذا نظرنا إلى تجربة الجهاز الأمني للدولة الإسلامية، فإنه قد تمكن -بفضل الله- خلال السنوات الماضية من شلِّ قدرة الخلايا الأمنية المعادية على تنفيذ أي هجمات داخل أراضي الدولة الإسلامية إلى حد كبير، ولذلك انحصر عملها بتقديم المعلومات وإرسالها إلى أجهزة المخابرات العالمية لتتولى التنفيذ عن طريق سلاح الجو الذي استهدف بكثافة كل الأهداف التي قدَّم الجواسيس المعلومات عنها، مستهدفين الإخوة بالقتل، ليأسهم من تحقيق اختراق على الأرض يمكنهم من اعتقالهم والحصول منهم على معلومات ثمينة بالنسبة إليهم، وحتى عندما اضطرتهم أهمية بعض الأهداف إلى السعي لتحقيق ذلك، فإنهم اعتمدوا على قوات عسكرية خاصة، محمية بسرب من الطائرات المقاتلة، وكان التنفيذ في المناطق الصحراوية غالبا، ومع ذلك كان النجاح محدودا، لتفضيل الإخوة القتل على الاستئسار للمشركين.
وبذلك تتبين أهمية الإجراءات الأمنية في حماية الأخ المجاهد، وحماية العمل الجهادي، وعموم مصالح الدولة الإسلامية، من اعتداءات المشركين، فهي أهم الأسلحة التي بيده، إن لم تكن السلاح الوحيد أحيانا.
وتزداد أهمية هذا السلاح الوقائي عند المجاهدين العاملين في ديار الكفر، تحت أعين وسمع المخابرات الكافرة، حيث يضطر المجاهد إلى التحرك في أوساط معادية غالبا، تلتقط أي إشارة خطر لتقوم بإيصالها إلى المخابرات، التي حولت عامة الناس في تلك البلدان إلى جواسيس فاعلين لها، ينقلون كل شاردة وواردة إلى عملائها، هذا فضلا عن أجهزة المراقبة والتتبع الكثيرة التي نصبتها أجهزة المخابرات في كل شارع، وعلى كل هاتف، ووسط كل تجمع عام.
فهنا يتحرك المجاهد بلا أي سلاح مادي، منعا للاشتباه به، وبذلك فإن مقتله يكون بمجرد انكشافه للعدو، الذي لن يعجزه اعتقاله بأبسط الوسائل، وأقل التكاليف، فلا يكون للمجاهد في هذه الحالة من سلاح يقي به نفسه من الاعتقال، أو القتل، وعمله الذي يشرف عليه من الانكشاف والتخريب، سوى مجموعة الإجراءات الأمنية التي يمنع بواسطتها عدوه من التعرف عليه، أو الوصول إليه، ومن ثم استهدافه بالقتل أو الاعتقال.
علم الأمن
إن "الأمنيات" هي مزيج بين الفطرة، والفن، والعلم، فالأصل أن يكون المجاهد بفطرته حريصا على أمنه وأمن إخوانه والعمل الذي يقومون به عموما، حذرا من أعدائه، لا يأمن جانبهم، ولا يغفل عن التحسب لصد هجماتهم.
كما يمكن للمجاهد أن يكتسب هذه الصفات الحميدة من خلال التجارب التي يمرُّ بها في حياته، أو يمرُّ بها إخوانه، فتتكون لديه بذلك خبرة في وقاية نفسه وإخوانه وعملهم من مساعي عدوه في اختراق أمنهم وتهديدهم، بل والانتقال من الجانب الوقائي إلى الجانب الدفاعي، أو حتى الهجومي الذي يستهدف كسر "أمنيات" العدو، وتحقيق أهداف العمل الجهادي.
والأفضل أن يستبق المجاهد عمله الجهادي بتعلم هذه الإجراءات، فقد صار (الأمن) علما متكاملا اليوم، يدرس في الجامعات والأكاديميات العلمية، وتعطى فيه الدورات والمحاضرات، وقد دوِّن في الكتب والملخصات، كما هو جارٍ في الأجهزة الأمنية التي تعمل لصالح الدول والحكومات، بل وحتى في المؤسسات العاملة على تأمين الشركات والمصالح الخاصة والأفراد.
وإنه من الأفضل أن يُختار للأعمال الجهادية التي يتعرض العاملون فيها لمخاطر أمنية الأفراد الذين يمتلكون إمكانيات ذاتية (فطرية) ملائمة لهذا العمل، ولديهم القدرة على الاستفادة من الخبرات المكتسبة من قبلهم في هذا الميدان، أو اكتساب المعلومات المنقولة إليهم من غيرهم، وفوق ذلك كله أن يكون لديهم القابلية والقدرة، على تطبيق هذه الخبرات والمعارف، لا أن تحفظ عن ظهر قلب، ويعمل بغيرها أو بخلافها.
فما يميز هذا العلم أنه علم تطبيقي، لا يكفي فيه العلم المجرد عن العمل، ولا يكفي أن يعرف المتعلم أن هذا الإجراء يتخذ في ظرف معين، ولا يتخذ في ظرف آخر، أو أن يقر أن هذا الإجراء صحيح، ويجب العمل به، ولكن يجب أن يطبِّق هذا الإجراء فعليا وبالطريقة الصحيحة، فعندها فقط يكون الإجراء مفيدا، أما أن يعرف للحفظ والاستظهار، فإن صفحات الكتب أكثر فائدة في هذا الباب من صدور الرجال.
وقد كانت هناك محاولات عديدة، لتدوين هذا العلم، من قبل بعض المختصين، وسنحاول في هذه السلسلة من المقالات -بإذن الله- أن نكمل ما نراه ناقصا فيما كتبوه، ونسهل ما صعب فهمه من كلامهم، ونصحح ما نرى فيه من أخطاء، نسأل التوفيق، وأن يهدينا سواء السبيل.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 124
الخميس 5 رجب 1439 هـ