اسم الله (العليّ) الحمد لله الذي له الأسماء الحسنى، المتضمنة للصفات العلى، والصلاة والسلام على ...
اسم الله (العليّ)
الحمد لله الذي له الأسماء الحسنى، المتضمنة للصفات العلى، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الذي قدَر الله حق قدره، وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد...
فإن من أسماء الله تعالى "العليّ"، فهو العلي على خلقه، الذي استوى على عرشه، وعرشه فوق سماواته، وتحت السماوات الأرضون السبع، وكل خلقه يسبحون بحمده، ويسجدون له طوعاً وكرهاً، قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء) [رواه البخاري]، وقال البخاري رحمه الله: "قال أبو العالية {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} ارتفع {فَسَوَّاهُنَّ} خلقهن، وقال مجاهد {اسْتَوَى} علا على العرش".
الله -تعالى- رب كل شيء وهو أعلى من كل شيء، { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى } [الأعلى: 1 - 5].
وهو -تعالى- عظيم أعظم من كل شيء، مع علوه على كل شيء، { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُہُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُہُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [البقرة: 255]، ختم الله -عز وجل- أعظم آية في القرآن بهذين الاسمين العظيمين {الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} لنربط كل ما ذُكر فيها من أسمائه وصفاته وأفعاله بعلوه -عز وجل- وعظمته.
وهو -تعالى- مع علوه يعلم كل شيء؛ ما غاب عن الناس وما شهدوه لا تخفى عليه خافية، {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: 9]، هو -سبحانه- الكبير أكبر من كل شيء، الذي تعالى على كل شيء، وتعالى عن أن يماثله شيء من خلقه في ذاته أو أفعاله أو صفاته وآثارها.
• معاني العلو:
العلو ثابت لله -تعالى- من جميع الوجوه، علو الذات، وعلو الشأن، وعلو القهر. قال ابن القيم، رحمه الله تعالى:
وله العلوُّ من الوجوه جميعِها
ذاتاً وقدراً معْ علوِّ الشانِ
• فعلو الذات، علوه على خلقه كلهم، مع بينونته عنهم، يُنزل على عباده ما يشاء من خيرات الدين والدنيا، ما به تزكو قلوبهم وتصلح أعمالهم ومعايشهم، فأنزل كتابه الكريم، قال تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِہِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } [الفرقان: 1]، وهو سبحانه { يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِہِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِہِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ } [النحل: 2]، وقال تعالى: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر: 10]، وقال تعالى: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } [تبارك: 16].
• وأما علو الشأن ومعناه: علو القدر والصفات، فلله -تعالى- الأسماء الحسنى والصفات العلا، وله -سبحانه- الكمال المطلق من كل الوجوه، ليس في أسمائه ولا صفاته ولا أفعاله نقص ولا عيب، فتعالى الله عما يصفه أهل الشرك والضلال، سبحانه لا نحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه.
• وأما علو القهر، فيقول الله تعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } [الأنعام: 18]، قال الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسيره: "ويعني بقوله: { القَاهِرُ }، المذلِّل المستعبد خلقه، العالي عليهم، وإنما قال: { فَوْقَ عِبَادِەِ }، لأنه وصف نفسه -تعالى ذكره- بقهره إياهم، ومن صفة كلِّ قاهرٍ شيئاً أن يكون مستعلياً عليه، فمعنى الكلام إذاً: والله الغالب عبادَہ، المذلُّ لهم، العالي عليهم بتذليله لهم، وخلقه إياهم، فهو فوقهم بقهره إياهم، وهم دونه، { وَهُوَ الحَكِيمُ }، يقول: والله الحكيم في عُلُوِّہ على عباده، وقهره إياهم بقدرته، وفي سائر تدبيره، { الخَبِيرُ } بمصالح الأشياء ومضارِّها، الذي لا تخفى عليه عواقب الأمور وبواديها، ولا يقع في تدبيره خلل، ولا يدخل حكمه دَخَل" [جامع البيان في تأويل القرآن].
فالله -تعالى- لا مغالب له ولا منازع، تجري أحكامه على خلقه، فلا يملكون إلا الرضوخ لها، ويوفق الله أهل الإيمان للرضا بها والتسليم لحكمته البالغة.إيمان أهل السنة والجماعة بعلو الله على خلقه
وقد هدى الله -عز وجل- أهل السنة والجماعة -وهم السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان- للإيمان بعلو الله -تعالى- بجميع المعاني السابقة، ومنها إيمانهم بأنه -تعالى- فوق عرشه بائن من خلقه، وأنه استوى على عرشه، استواءً يليق بجلاله، { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11]، وعرشه فوق السماوات السبع.
• أقوال للسلف في إثبات صفة العلو:
روى الإمام الدارمي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه استأذن على عائشة -رضي الله عنها- وهي تحتضر فقال: "كنتِ أحبَّ نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب إلا طيبا، وأنزل الله -تعالى- براءتك من فوق سبع سماوات، جاء بها الروح الأمين".
وروى الحاكم عن الأوزاعي -رحمه الله تعالى- قال: "كنا -والتابعون متوافرون- نقول: إن الله -عز وجل- فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته".
وروى الخلال عن إسحاق بن راهويه أنه قال: قال الله تعالى: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة.
قال الإمام ابن عبد البر، رحمه الله: "وعلماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل -أي التفسير- قالوا في تأويل قوله تعالى: { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ } هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم أحد في ذلك يحتج به" [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد].
• إنكار السلف على من نفى صفة العلو:
إن المبتدعة الذين ينفون صفة العلو عن الله -عز وجل- ينفون أيضاً استواءه على عرشه:
• قيل ليزيد بن هارون: من الجهمي؟ قال من زعم أن قوله تعالى: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي" [السنة لعبد الله ابن الإمام أحمد].
• وسُئل أبو زرعة الرازي عن تفسير { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } فغضب وقال: تفسيره كما تقرأ، هو على عرشه، وعلمه في كل مكان، من قال غير هذا فعليه لعنة الله" [ذم الكلام وأهله لأبي إسماعيل الأنصاري].
• وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي: "فمن لم يقصد بإيمانه وعبادته إلى الله الذي استوى على العرش فوق سماواته وبان من خلقه فإنما يعبد غير الله ولا يدري أين الله" [الرد على الجهمية].
• وقال الدارمي أيضا: "فمن آمن بهذا القرآن الذي احتججنا منه بهذه الآيات وصدق هذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي روينا عنه هذه الروايات لزمه الإقرار بأن الله بكماله فوق العرش فوق سماواته، وإلا فليحتمل قرآنا غير هذا فإنه غير مؤمن بهذا".
وأخيرا: فهذا هو تعظيم السلف لله عز وجل، وتعظيمهم لصفاته، وشدة إنكارهم على من نفاها، واعتبارهم تأويل الصفات تعطيلا لها، وأن من عطل صفة واحدة منها فهو جهمي.
هذا والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 127
الخميس 26 رجب 1439 هـ
الحمد لله الذي له الأسماء الحسنى، المتضمنة للصفات العلى، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الذي قدَر الله حق قدره، وعلى آله وصحبه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد...
فإن من أسماء الله تعالى "العليّ"، فهو العلي على خلقه، الذي استوى على عرشه، وعرشه فوق سماواته، وتحت السماوات الأرضون السبع، وكل خلقه يسبحون بحمده، ويسجدون له طوعاً وكرهاً، قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض وكتب في الذكر كل شيء) [رواه البخاري]، وقال البخاري رحمه الله: "قال أبو العالية {اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} ارتفع {فَسَوَّاهُنَّ} خلقهن، وقال مجاهد {اسْتَوَى} علا على العرش".
الله -تعالى- رب كل شيء وهو أعلى من كل شيء، { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى } [الأعلى: 1 - 5].
وهو -تعالى- عظيم أعظم من كل شيء، مع علوه على كل شيء، { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُہُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُہُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } [البقرة: 255]، ختم الله -عز وجل- أعظم آية في القرآن بهذين الاسمين العظيمين {الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} لنربط كل ما ذُكر فيها من أسمائه وصفاته وأفعاله بعلوه -عز وجل- وعظمته.
وهو -تعالى- مع علوه يعلم كل شيء؛ ما غاب عن الناس وما شهدوه لا تخفى عليه خافية، {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} [الرعد: 9]، هو -سبحانه- الكبير أكبر من كل شيء، الذي تعالى على كل شيء، وتعالى عن أن يماثله شيء من خلقه في ذاته أو أفعاله أو صفاته وآثارها.
• معاني العلو:
العلو ثابت لله -تعالى- من جميع الوجوه، علو الذات، وعلو الشأن، وعلو القهر. قال ابن القيم، رحمه الله تعالى:
وله العلوُّ من الوجوه جميعِها
ذاتاً وقدراً معْ علوِّ الشانِ
• فعلو الذات، علوه على خلقه كلهم، مع بينونته عنهم، يُنزل على عباده ما يشاء من خيرات الدين والدنيا، ما به تزكو قلوبهم وتصلح أعمالهم ومعايشهم، فأنزل كتابه الكريم، قال تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِہِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } [الفرقان: 1]، وهو سبحانه { يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِہِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِہِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ } [النحل: 2]، وقال تعالى: { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ } [فاطر: 10]، وقال تعالى: { أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } [تبارك: 16].
• وأما علو الشأن ومعناه: علو القدر والصفات، فلله -تعالى- الأسماء الحسنى والصفات العلا، وله -سبحانه- الكمال المطلق من كل الوجوه، ليس في أسمائه ولا صفاته ولا أفعاله نقص ولا عيب، فتعالى الله عما يصفه أهل الشرك والضلال، سبحانه لا نحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه.
• وأما علو القهر، فيقول الله تعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ } [الأنعام: 18]، قال الإمام الطبري -رحمه الله- في تفسيره: "ويعني بقوله: { القَاهِرُ }، المذلِّل المستعبد خلقه، العالي عليهم، وإنما قال: { فَوْقَ عِبَادِەِ }، لأنه وصف نفسه -تعالى ذكره- بقهره إياهم، ومن صفة كلِّ قاهرٍ شيئاً أن يكون مستعلياً عليه، فمعنى الكلام إذاً: والله الغالب عبادَہ، المذلُّ لهم، العالي عليهم بتذليله لهم، وخلقه إياهم، فهو فوقهم بقهره إياهم، وهم دونه، { وَهُوَ الحَكِيمُ }، يقول: والله الحكيم في عُلُوِّہ على عباده، وقهره إياهم بقدرته، وفي سائر تدبيره، { الخَبِيرُ } بمصالح الأشياء ومضارِّها، الذي لا تخفى عليه عواقب الأمور وبواديها، ولا يقع في تدبيره خلل، ولا يدخل حكمه دَخَل" [جامع البيان في تأويل القرآن].
فالله -تعالى- لا مغالب له ولا منازع، تجري أحكامه على خلقه، فلا يملكون إلا الرضوخ لها، ويوفق الله أهل الإيمان للرضا بها والتسليم لحكمته البالغة.إيمان أهل السنة والجماعة بعلو الله على خلقه
وقد هدى الله -عز وجل- أهل السنة والجماعة -وهم السلف الصالح ومن تبعهم بإحسان- للإيمان بعلو الله -تعالى- بجميع المعاني السابقة، ومنها إيمانهم بأنه -تعالى- فوق عرشه بائن من خلقه، وأنه استوى على عرشه، استواءً يليق بجلاله، { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [الشورى: 11]، وعرشه فوق السماوات السبع.
• أقوال للسلف في إثبات صفة العلو:
روى الإمام الدارمي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه استأذن على عائشة -رضي الله عنها- وهي تحتضر فقال: "كنتِ أحبَّ نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- إليه ولم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب إلا طيبا، وأنزل الله -تعالى- براءتك من فوق سبع سماوات، جاء بها الروح الأمين".
وروى الحاكم عن الأوزاعي -رحمه الله تعالى- قال: "كنا -والتابعون متوافرون- نقول: إن الله -عز وجل- فوق عرشه ونؤمن بما وردت به السنة من صفاته".
وروى الخلال عن إسحاق بن راهويه أنه قال: قال الله تعالى: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة.
قال الإمام ابن عبد البر، رحمه الله: "وعلماء الصحابة والتابعين الذين حمل عنهم التأويل -أي التفسير- قالوا في تأويل قوله تعالى: { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ } هو على العرش، وعلمه في كل مكان، وما خالفهم أحد في ذلك يحتج به" [التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد].
• إنكار السلف على من نفى صفة العلو:
إن المبتدعة الذين ينفون صفة العلو عن الله -عز وجل- ينفون أيضاً استواءه على عرشه:
• قيل ليزيد بن هارون: من الجهمي؟ قال من زعم أن قوله تعالى: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي" [السنة لعبد الله ابن الإمام أحمد].
• وسُئل أبو زرعة الرازي عن تفسير { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى } فغضب وقال: تفسيره كما تقرأ، هو على عرشه، وعلمه في كل مكان، من قال غير هذا فعليه لعنة الله" [ذم الكلام وأهله لأبي إسماعيل الأنصاري].
• وقال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي: "فمن لم يقصد بإيمانه وعبادته إلى الله الذي استوى على العرش فوق سماواته وبان من خلقه فإنما يعبد غير الله ولا يدري أين الله" [الرد على الجهمية].
• وقال الدارمي أيضا: "فمن آمن بهذا القرآن الذي احتججنا منه بهذه الآيات وصدق هذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي روينا عنه هذه الروايات لزمه الإقرار بأن الله بكماله فوق العرش فوق سماواته، وإلا فليحتمل قرآنا غير هذا فإنه غير مؤمن بهذا".
وأخيرا: فهذا هو تعظيم السلف لله عز وجل، وتعظيمهم لصفاته، وشدة إنكارهم على من نفاها، واعتبارهم تأويل الصفات تعطيلا لها، وأن من عطل صفة واحدة منها فهو جهمي.
هذا والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 127
الخميس 26 رجب 1439 هـ