الدولة الإسلامية والمدن المحاصرة استخدم الصحوات المرتدون قضية حصار المدن وتجويع أهلها في ...

الدولة الإسلامية والمدن المحاصرة


استخدم الصحوات المرتدون قضية حصار المدن وتجويع أهلها في ملاحمهم البكائية التي يستجدون بها الدعم من مختلف الأطراف، فإذا سقطت المدن تحول بكاؤهم إلى ندب ونواح واستخدموا الحصار مجددا في تبرير سيطرة الجيش النصيري على المدن.

وإذا سُئل المرتدون عن سبب تمكن النظام من محاصرة المدن الكبرى لسنوات، حتى قبل التدخل الروسي، وعن سبب عدم إقدام فصائل الصحوات على فتح معارك كبرى لفك الحصار عن المدن المحاصرة، أجابوا بكل وقاحة أن سبب استمرار الحصار كان الدولة الإسلامية.

إن هذه الإجابة ليست مجرد وسيلة لتبرير الهزيمة، إذ أنها تخفي في طياتها جانبا كبيرا من الحقيقة، فالدولة الإسلامية بالنسبة للصحوات هي سبب الحصار، لا لأنها هي من كانت تفرض الحصار على تلك المدن كما يزعم المرتدون، فالواقع يكذبهم بالتأكيد، ولكن لأن الحصار بالنسبة إليهم تحول إلى وسيلة يتجنبون من خلالها وصول الدولة الإسلامية إلى تلك المدن، واتصالها بالأهالي هناك، ما قد يدفع كثيرا منهم إلى الالتحاق بصفوفها، أو يدفع حتى قسما من مقاتليهم إلى الاتصال بها طلبا للحق وسؤالا عنه، الأمر الذي كان سيهدد بقاء فصائلهم التي ببقائها يستمر الدعم المتدفق عليهم من أجهزة المخابرات، وبها يفرضون سلطتهم الجائرة على الضعفاء، فيحكمونهم بأهوائهم وشرائعهم الكفرية.

وبالإضافة إلى ذلك فإن الحصار تحول في كل مدينة إلى وسيلة لتمويل الفصائل، سواء من خلال أموال الداعمين الذين يمنعون المرتدين من القيام بعمل جاد لذلك، أو عن طريق سيطرتها على معابر التهريب وأنفاق العبور، حيث كانوا يشرفون على إدخال المواد ليفرضوا عليها المكوس الكبيرة، التي تجبى من دماء الأهالي المحاصرين، ليأكل قادة المرتدين بذلك من السحت الحرام، الذي عليه وعلى تمويل أجهزة المخابرات يعتاشون.

وإذا أردنا أن نمثل لكلامنا فلا أدل من حوادث المدن الكبرى كدمشق وحلب، فقد حوصرت دمشق منذ سنوات، ولم يكن صعبا كسر هذا الحصار من داخله، أي من قبل الآلاف من مقاتلي الصحوات القابعين داخله، أو من خارجه، وقد كانت فصائل الصحوات تحيط به من ثلاث جهات وبإمكانها قطع الطرق الرئيسية عن دمشق، ولكنها لم تفعل، إذ أن كل فصيل قد استولى على منطقة أو مدينة، ولا يهمُّه ما يحلُّ بغيرها من المناطق التي تخضع لسيطرة الفصائل المنافسة له، بل كان هذا الحصار بالنسبة إليه مكسبا لأنه يجنبه منافسة بعض الخصوم ويؤدي إلى إضعافها ما يغذي أحلامه بالسيطرة على الساحة من بعدها.

أما حلب فكان يمكن -بإذن الله- تجنبيها الحصار، بل ومحاصرة النصيرية داخلها بمجرد ضرب حواجز النظام الضعيفة في البادية، والسيطرة على طريق (حماة - حلب)، والتمكن بذلك من قطع شريان إمداد النظام الوحيد إلى المدينة.

وبالمثل فإن أولئك المرتدين لم يكونوا ليسمحوا بأن يكسر الطوق الذي يعزل مناطقهم عن مناطق الدولة الإسلامية بأية وسيلة، فقد رأينا فصائلهم في القلمون الشرقي المهادِنة للجيش النصيري منذ سنوات تتحرك بقوة لإفشال هجوم جيش الخلافة على المطارات والمواقع العسكرية التي تشكل الطوق الأول للقوات المحاصِرة لدمشق، مخافة أن يؤدي استمرار تقدم المجاهدين إلى كسر ذلك الطوق، وفكهم للحصار على مناطق الغوطة الشرقية التي هي مرتكز أكبر فصائل الصحوات في دمشق.

وكذلك فعلت صحوات ريف حلب الشمالي مرارا، في كل محاولة تقدم للمجاهدين تجاه قوات النظام التي تحاصر شرق حلب، فإنهم يبادرون إلى شنِّ هجمات مشاغلة في جبهاتهم لإجبار جيش الخلافة على وقف هجومه على الجيش النصيري، وليس بعيدا عنهم فعل مرتدي تنظيم القاعدة في الشام الذين عطلوا كل هجوم على ريف حماة الشمالي مخافة أن يؤدي نجاحه إلى قطع طريق (سلمية - خناصر) وتحقيق الاتصال بمناطق الدولة الإسلامية، ثم هاجموا مجاهدي الدولة الإسلامية الذين تسللوا إلى مناطق ريف إدلب الجنوبي للإعداد لهجوم كبير على حماة من تلك الجهة متزامن مع هجوم جيش الخلافة على الهدف نفسه من جهة البادية.

حوصرت المدن، وسيطر عليها النظام، بعد سنوات من الطاعة المطلقة من الصحوات لمخابرات الطواغيت التي تمولهم، والتي ساقتهم تبعا لاتفاقاتها مع النظام النصيري والداعمين له، وأطاعوها فحصروا القتال بالدولة الإسلامية وجمدوا كل جبهاتهم ضد الجيش النصيري ليتفرغ لقتالها، ثم يعود إليهم، فيسلبهم المناطق التي حكموها بشريعة الطاغوت، وتتفكك الفصائل التي عبدوها من دون الله، وتتوقف الأموال التي كانت تضخ في جيوب قادة الفصائل المرتدين، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 127
الخميس 26 رجب 1439 ه‍ـ