الدولة الإسلامية - مقال: خذوا حذركم (5) (قيود الوهم) تحدثنا عن أحد أهم أساليب أجهزة ...
الدولة الإسلامية - مقال: خذوا حذركم (5)
(قيود الوهم)
تحدثنا عن أحد أهم أساليب أجهزة المخابرات التي تستعملها في الكشف عن العناصر المعادية، أو التي يتوقع تحولها إلى معادية، وهي إغراء المختفين ليظهروا، ودفع من لا زال في مرحلة التفكير لأن ينضج قليلاً تحت سمعهم وبصرهم، وتركهم يتحركون ضمن حدود معينة، ثم الإجهاز عليهم قبل أن يتحولوا إلى تهديد حقيقي على الأنظمة، وذلك بشنِّ حملات حصاد للثمار التي أينعت، وإبطال تهديدها باعتقال من انكشف خطره على النظام، أو قتله، أو دفعه إلى الفرار والخروج من الأرض.
ولعل هذا البيان قد لقي استحساناً عند بعضٍ ممن لم يدرك غايته، وخاصة أولئك الذين لبَّس عليهم الشيطان فصوَّر لهم جبنهم وتخاذلهم حكمة ووعياً، وكل إقدام وعزيمة من غيرهم تهوراً وحماقة، ولذلك تجدهم في كل فرصة يهيئُها الله للمجاهدين ينطلقون ليشنعوا على من يسعى لاستغلالها في إحداث تقدم أو جني مغنم، ويتهمونه بالغباء والعمى واتباع استدراج الأعداء له، فكل الفرص عنده كمائن، وكل مغنم عنده طُعم يجذب الفريسة إلى الفخ الذي نصب لها.
وغاية ما يفعله هؤلاء "النظَّار" أن يراقبوا العاملين ويتصيدوا أخطاءهم ليشهروا بهم بين الخلائق، ويترقبوا أن تحل بهم مصيبة تنزل على قلوبهم كالماء البارد في اليوم الحار، ففيها المنجى من لوم النفس وذمِّ الآخرين، بل هي الفاتحة لذمهم للمجاهدين على تحركهم وأدائهم ما وجب عليهم، بأنه سبب انكشافهم وتعرضهم للاعتقال أو القتل، وأنهم بتحركهم كانوا ينفذون خطط المخابرات لكشف المجاهدين المجهولين لديهم.
يقوم هؤلاء بتخذيل المجاهدين فيحققون الهدف الأكبر للطواغيت وأجهزة مخابراته، الذي يفوق في فائدته اعتقال المجاهدين أو قتلهم، فلا شك أن إقناع المجاهدين بترك الجهاد هو أنفع للمشركين من قتالهم، فالأول وقاية لهم والثاني دفاع، والوقاية أجدى من الدفاع وأقل تكلفة ومشقة.
• فلا تخشوهم:
فنحن نرى الطواغيت وأجهزة مخابراتهم يبذلون كل ما بوسعهم لتخويف المسلمين من قتالهم، وترهيبهم من العمل بما أمرهم ربهم، ويستخدمون في سبيل ذلك مزيجاً من الحقائق والأكاذيب للتأثير على عقولهم، وتنشيط عمل المخذلين فيما بينهم، وذلك لإقناعهم بأن لا جدوى من التحرك ولا فائدة من الإقدام، فالمخابرات تعلم كل شيء، وهي قادرة على كل شيء، والعياذ بالله.
وأكبر مثال على هذا ما نجده من حملات دعائية ضخمة تشرف عليها أجهزة المخابرات ترافق حملات الاعتقالات، أو عملية اعتقال لمجاهد أحياناً، مع الزعم أن هذا المجاهد كان تحت المراقبة، ثم تعرض له صوراً وإثباتات على تحضيراته للعمل، وتكثر من الحديث عن عواقب اعتقاله عليه وعلى المرتبطين به، وأخبار محاكماته والأحكام القاسية التي صدرت بحقه، وكل هذا يهدف إلى تخويف غيره من المصير الذي سيلاقيه إن قرر اتباع طريقه، فإن كان مستعداً ليبذل الثمن سعوا في إقناعه أن لا فائدة من المحاولة، وأنه لن يزيد شيئاً على من سبقه من المجاهدين الذين كانت نهايتهم السجون، ويضعون بذلك في يديه وأرجله قيوداً تقيد حركته، وفي عنقه أغلالاً تمنعه أن يرفع رأسه، وإن كانت قيود السجون وأغلالها حقيقية، فإن قيوده وغله صاغها قلبه الذي أسلمه لدعاية الطواغيت وإرجاف المرجفين، ولا يتطلب كسره أكثر من أن يؤمن بالله حق إيمانه، ويعرف أن المقادير كلها بيده جل جلاله، وأن النصر بيده سبحانه، وأن الله لم يكلفه بأكثر من أداء ما يستطيع من الواجب الذي أوجبه عليه، فإن منعه من بلوغ نهايته مانع، كسجن أو قتل فأجره على الله، وسيلقى الله وقد أعذره.
وقد نجح الطواغيت وأذنابهم في استخدام هذا الأسلوب لتثبيط الشباب عن جهادهم في كثير من البلدان، كما رأينا في جزيرة العرب بعد حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها أجهزة أمن الطاغوت ضد أنصار الدولة الإسلامية بعد فترة تصيد طويلة حتى انكشف لهم المئات من الإخوة الذين قصروا في جانب الاستخفاء عن عيون الطواغيت، ومعهم كثيرون أخذوهم لمجرد الشبهة والإرهاب، ثم رأينا بعد تلك الحملات المتعاقبة جموداً في العمل الجهادي ضد طواغيت الجزيرة، وكان الأولى أن لا تؤثر فيهم حملات الترهيب والتثبيط، وأن يزيدهم اعتقال إخوانهم عزيمة على جهاد المشركين، كما زادهم حذراً من الانكشاف لأجهزة الأمن، وتوقياً من عملائه وجواسيسه.• المخابرات الصليبية وحصاد الوهم:
ومن أوضح الشواهد على أن هذه الحملات قائمة على كمٍّ كبير من الوهم، ما نراه واضحاً جلياً من نجاحات للمجاهدين في الدول الصليبية في تنفيذ العمليات الكثيرة وفي مختلف البلدان التي تنشط فيها أقوى أجهزة المخابرات في العالم، كما حدث في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأمريكا وغيرها.
ونجد في أخبار أولئك المجاهدين أن كثيراً منهم كانوا مشتبهاً بهم لدى المخابرات، بل مطلوبين على قوائم الاعتقال أحياناً، وهم موضع تعقب ومراقبة، ومع ذلك مكَّنهم الله من تنفيذ هجماتهم على الصليبيين بنجاح، تحت أعين أجهزة الأمن والشرط وكاميراتهم ومخبريهم، وذلك لأنهم عرفوا أن ما يفاخر به الصليبيون من قوة استخباراتهم وأجهزتهم الأمنية أكثره وهم، والحقيقي منه يمكن دراسته واكتشاف نقاط الضعف فيه، والتغلب عليه بإذن الله، فلم يخضعوا لإرهاب المشركين لهم، وعزموا على دفع الثمن المطلوب لإنجاح العمل الذي ينوون القيام به، وعملوا ما في وسعهم من الإجراءات الأمنية، وتوكلوا على الله -سبحانه- الذي أعانهم على تحقيق مرادهم.
وليست ببعيدة قصة العصبة المجاهدة التي خرجت من ديار الإسلام لتقطع حدود عدَّة دول ثم تدخل إلى فرنسا، رغم أن بعض أفرادها كانوا على قوائم الاعتقال لدى أجهزة أمنها، ثم تمكث أشهراً تستطلع الأهداف، وتضع الخطط، وتُعد العدة، قبل أن تنفذ أكبر الهجمات الجهادية التي شهدتها باريس في تاريخها.
ولم تنفع فرنسا وأخواتها الاستنفارات الأمنية ولا حشد الجيوش في الشوارع لمنع تكرار هجمات باريس الأولى، إذ أعاد المجاهدون الضرب في مختلف العواصم الأوروبية وبمختلف الأساليب موقعين النكاية في أعداء الله حتى في أكثر المناطق حصانة وتأميناً كالمطارات.
ثم وجدنا عشرات المجاهدين المنفردين يتحركون في مختلف البلدان والمناطق ليهاجموا بأساليب بسيطة وأدوات متوفرة في أيدي الجميع أهدافاً كبيرة، ويوقعوا في صفوف المشركين الخسائر الفادحة، ويكرر الواحد منهم خطة أخيه في ظل عجز واضح من أجهزة الأمن الصليبية عن توقع أماكن الهجمات أو مواقيتها، أو تحديد المشتبه بإمكانية تنفيذهم لها، ما أجبرهم على الانتشار في كل مكان وكل وقت في إطار الاستنفارات وخطط الطوارئ المرهقة المكلفة.
• احذروا التثبيط:
إن نجاح أولئك المجاهدين في تحقيق أهدافهم رغم أنف أجهزة الأمن التي تترصدهم هو نموذج ينبغي على كل المسلمين في العالم أن يحتذوه، بأن يعملوا على أداء ما افترضه الله عليهم من جهاد أعدائهم، ويعدوا لذلك أقصى ما يستطيعون من العدة، وفي الوقت نفسه لا يتركون الحذر من عدوهم، ولا يغفلون عن أسلحتهم ودروعهم التي تقيهم -بإذن الله- أذى عدوهم، وهم في ذلك كله متوكلون على ربهم، مؤمنون بأن كل شيء يجري بمقاديره.
فالمجاهد في سبيل الله يأخذ حذره من كل مكائد أعدائه، سواء منها التي تستهدف بدنه بالقتل أو الأسر أو النفي، أو التي تستهدف قلبه بزرع الشبهات، وإثارة الشهوات، وتسعى من ذلك كله إلى تثبيطه عن الجهاد إن عجزت عن تعبيده للطواغيت أسوة بأغلب من يعيش تحت حكمهم، ويقتات من فتات موائدهم.
ولا ينعزل تأمين الاعتقاد والتصور في هذا الجانب عن غيره من الجوانب التي يسعى المجاهد إلى تأمينها ووقايتها من مكائد أعدائه وشرورهم، فإن مكَّنه الله من النجاة من فخ التثبيط، ودرس بعناية خطط أعدائه وأساليبهم، وعمل على إعداد أقصى ما يستطيع من وسائل الوقاية منها، وتوكل في ذلك كله على ربه، فإن النجاح حليفه والظفر طريقه، بإذن الله، وليكن دليل كل فرد من المجاهدين في هذا الشأن حال أسلافه من الموحدين: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 173 - 174].
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 128
الخميس 3 شعبان 1439 هـ
(قيود الوهم)
تحدثنا عن أحد أهم أساليب أجهزة المخابرات التي تستعملها في الكشف عن العناصر المعادية، أو التي يتوقع تحولها إلى معادية، وهي إغراء المختفين ليظهروا، ودفع من لا زال في مرحلة التفكير لأن ينضج قليلاً تحت سمعهم وبصرهم، وتركهم يتحركون ضمن حدود معينة، ثم الإجهاز عليهم قبل أن يتحولوا إلى تهديد حقيقي على الأنظمة، وذلك بشنِّ حملات حصاد للثمار التي أينعت، وإبطال تهديدها باعتقال من انكشف خطره على النظام، أو قتله، أو دفعه إلى الفرار والخروج من الأرض.
ولعل هذا البيان قد لقي استحساناً عند بعضٍ ممن لم يدرك غايته، وخاصة أولئك الذين لبَّس عليهم الشيطان فصوَّر لهم جبنهم وتخاذلهم حكمة ووعياً، وكل إقدام وعزيمة من غيرهم تهوراً وحماقة، ولذلك تجدهم في كل فرصة يهيئُها الله للمجاهدين ينطلقون ليشنعوا على من يسعى لاستغلالها في إحداث تقدم أو جني مغنم، ويتهمونه بالغباء والعمى واتباع استدراج الأعداء له، فكل الفرص عنده كمائن، وكل مغنم عنده طُعم يجذب الفريسة إلى الفخ الذي نصب لها.
وغاية ما يفعله هؤلاء "النظَّار" أن يراقبوا العاملين ويتصيدوا أخطاءهم ليشهروا بهم بين الخلائق، ويترقبوا أن تحل بهم مصيبة تنزل على قلوبهم كالماء البارد في اليوم الحار، ففيها المنجى من لوم النفس وذمِّ الآخرين، بل هي الفاتحة لذمهم للمجاهدين على تحركهم وأدائهم ما وجب عليهم، بأنه سبب انكشافهم وتعرضهم للاعتقال أو القتل، وأنهم بتحركهم كانوا ينفذون خطط المخابرات لكشف المجاهدين المجهولين لديهم.
يقوم هؤلاء بتخذيل المجاهدين فيحققون الهدف الأكبر للطواغيت وأجهزة مخابراته، الذي يفوق في فائدته اعتقال المجاهدين أو قتلهم، فلا شك أن إقناع المجاهدين بترك الجهاد هو أنفع للمشركين من قتالهم، فالأول وقاية لهم والثاني دفاع، والوقاية أجدى من الدفاع وأقل تكلفة ومشقة.
• فلا تخشوهم:
فنحن نرى الطواغيت وأجهزة مخابراتهم يبذلون كل ما بوسعهم لتخويف المسلمين من قتالهم، وترهيبهم من العمل بما أمرهم ربهم، ويستخدمون في سبيل ذلك مزيجاً من الحقائق والأكاذيب للتأثير على عقولهم، وتنشيط عمل المخذلين فيما بينهم، وذلك لإقناعهم بأن لا جدوى من التحرك ولا فائدة من الإقدام، فالمخابرات تعلم كل شيء، وهي قادرة على كل شيء، والعياذ بالله.
وأكبر مثال على هذا ما نجده من حملات دعائية ضخمة تشرف عليها أجهزة المخابرات ترافق حملات الاعتقالات، أو عملية اعتقال لمجاهد أحياناً، مع الزعم أن هذا المجاهد كان تحت المراقبة، ثم تعرض له صوراً وإثباتات على تحضيراته للعمل، وتكثر من الحديث عن عواقب اعتقاله عليه وعلى المرتبطين به، وأخبار محاكماته والأحكام القاسية التي صدرت بحقه، وكل هذا يهدف إلى تخويف غيره من المصير الذي سيلاقيه إن قرر اتباع طريقه، فإن كان مستعداً ليبذل الثمن سعوا في إقناعه أن لا فائدة من المحاولة، وأنه لن يزيد شيئاً على من سبقه من المجاهدين الذين كانت نهايتهم السجون، ويضعون بذلك في يديه وأرجله قيوداً تقيد حركته، وفي عنقه أغلالاً تمنعه أن يرفع رأسه، وإن كانت قيود السجون وأغلالها حقيقية، فإن قيوده وغله صاغها قلبه الذي أسلمه لدعاية الطواغيت وإرجاف المرجفين، ولا يتطلب كسره أكثر من أن يؤمن بالله حق إيمانه، ويعرف أن المقادير كلها بيده جل جلاله، وأن النصر بيده سبحانه، وأن الله لم يكلفه بأكثر من أداء ما يستطيع من الواجب الذي أوجبه عليه، فإن منعه من بلوغ نهايته مانع، كسجن أو قتل فأجره على الله، وسيلقى الله وقد أعذره.
وقد نجح الطواغيت وأذنابهم في استخدام هذا الأسلوب لتثبيط الشباب عن جهادهم في كثير من البلدان، كما رأينا في جزيرة العرب بعد حملة الاعتقالات الواسعة التي شنتها أجهزة أمن الطاغوت ضد أنصار الدولة الإسلامية بعد فترة تصيد طويلة حتى انكشف لهم المئات من الإخوة الذين قصروا في جانب الاستخفاء عن عيون الطواغيت، ومعهم كثيرون أخذوهم لمجرد الشبهة والإرهاب، ثم رأينا بعد تلك الحملات المتعاقبة جموداً في العمل الجهادي ضد طواغيت الجزيرة، وكان الأولى أن لا تؤثر فيهم حملات الترهيب والتثبيط، وأن يزيدهم اعتقال إخوانهم عزيمة على جهاد المشركين، كما زادهم حذراً من الانكشاف لأجهزة الأمن، وتوقياً من عملائه وجواسيسه.• المخابرات الصليبية وحصاد الوهم:
ومن أوضح الشواهد على أن هذه الحملات قائمة على كمٍّ كبير من الوهم، ما نراه واضحاً جلياً من نجاحات للمجاهدين في الدول الصليبية في تنفيذ العمليات الكثيرة وفي مختلف البلدان التي تنشط فيها أقوى أجهزة المخابرات في العالم، كما حدث في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأمريكا وغيرها.
ونجد في أخبار أولئك المجاهدين أن كثيراً منهم كانوا مشتبهاً بهم لدى المخابرات، بل مطلوبين على قوائم الاعتقال أحياناً، وهم موضع تعقب ومراقبة، ومع ذلك مكَّنهم الله من تنفيذ هجماتهم على الصليبيين بنجاح، تحت أعين أجهزة الأمن والشرط وكاميراتهم ومخبريهم، وذلك لأنهم عرفوا أن ما يفاخر به الصليبيون من قوة استخباراتهم وأجهزتهم الأمنية أكثره وهم، والحقيقي منه يمكن دراسته واكتشاف نقاط الضعف فيه، والتغلب عليه بإذن الله، فلم يخضعوا لإرهاب المشركين لهم، وعزموا على دفع الثمن المطلوب لإنجاح العمل الذي ينوون القيام به، وعملوا ما في وسعهم من الإجراءات الأمنية، وتوكلوا على الله -سبحانه- الذي أعانهم على تحقيق مرادهم.
وليست ببعيدة قصة العصبة المجاهدة التي خرجت من ديار الإسلام لتقطع حدود عدَّة دول ثم تدخل إلى فرنسا، رغم أن بعض أفرادها كانوا على قوائم الاعتقال لدى أجهزة أمنها، ثم تمكث أشهراً تستطلع الأهداف، وتضع الخطط، وتُعد العدة، قبل أن تنفذ أكبر الهجمات الجهادية التي شهدتها باريس في تاريخها.
ولم تنفع فرنسا وأخواتها الاستنفارات الأمنية ولا حشد الجيوش في الشوارع لمنع تكرار هجمات باريس الأولى، إذ أعاد المجاهدون الضرب في مختلف العواصم الأوروبية وبمختلف الأساليب موقعين النكاية في أعداء الله حتى في أكثر المناطق حصانة وتأميناً كالمطارات.
ثم وجدنا عشرات المجاهدين المنفردين يتحركون في مختلف البلدان والمناطق ليهاجموا بأساليب بسيطة وأدوات متوفرة في أيدي الجميع أهدافاً كبيرة، ويوقعوا في صفوف المشركين الخسائر الفادحة، ويكرر الواحد منهم خطة أخيه في ظل عجز واضح من أجهزة الأمن الصليبية عن توقع أماكن الهجمات أو مواقيتها، أو تحديد المشتبه بإمكانية تنفيذهم لها، ما أجبرهم على الانتشار في كل مكان وكل وقت في إطار الاستنفارات وخطط الطوارئ المرهقة المكلفة.
• احذروا التثبيط:
إن نجاح أولئك المجاهدين في تحقيق أهدافهم رغم أنف أجهزة الأمن التي تترصدهم هو نموذج ينبغي على كل المسلمين في العالم أن يحتذوه، بأن يعملوا على أداء ما افترضه الله عليهم من جهاد أعدائهم، ويعدوا لذلك أقصى ما يستطيعون من العدة، وفي الوقت نفسه لا يتركون الحذر من عدوهم، ولا يغفلون عن أسلحتهم ودروعهم التي تقيهم -بإذن الله- أذى عدوهم، وهم في ذلك كله متوكلون على ربهم، مؤمنون بأن كل شيء يجري بمقاديره.
فالمجاهد في سبيل الله يأخذ حذره من كل مكائد أعدائه، سواء منها التي تستهدف بدنه بالقتل أو الأسر أو النفي، أو التي تستهدف قلبه بزرع الشبهات، وإثارة الشهوات، وتسعى من ذلك كله إلى تثبيطه عن الجهاد إن عجزت عن تعبيده للطواغيت أسوة بأغلب من يعيش تحت حكمهم، ويقتات من فتات موائدهم.
ولا ينعزل تأمين الاعتقاد والتصور في هذا الجانب عن غيره من الجوانب التي يسعى المجاهد إلى تأمينها ووقايتها من مكائد أعدائه وشرورهم، فإن مكَّنه الله من النجاة من فخ التثبيط، ودرس بعناية خطط أعدائه وأساليبهم، وعمل على إعداد أقصى ما يستطيع من وسائل الوقاية منها، وتوكل في ذلك كله على ربه، فإن النجاح حليفه والظفر طريقه، بإذن الله، وليكن دليل كل فرد من المجاهدين في هذا الشأن حال أسلافه من الموحدين: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 173 - 174].
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 128
الخميس 3 شعبان 1439 هـ