بل ولقد كان حملة القرآن من الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- هم السبَّاقون المبادرون المتقحِّمون ...
بل ولقد كان حملة القرآن من الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- هم السبَّاقون المبادرون المتقحِّمون غمار الموت، نعم يا طالب العلم، ففي حروب الردة، خشي الفاروق والصديق رضي الله عنهما ذهاب كثير من القرآن لكثرة القتل فيهم، حتى قال الفاروق عمر -رضي الله عنه- لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ القتل قد استحرَّ [أي: كثر] يوم اليمامة بقرَّاء القرآن، وإني أخشى أن يستحرَّ القتل بالقراء بالمواطن، فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن"، فكان ذلك سببا لجمع القرآن وحفظه مكتوبا في المصاحف، فما أجلَّ موقف حامل العلم والقرآن يوم أن تكون ثمرة علمه بادية عليه، شجاعا مقداما غير هياب ولا مرتاب.
وهذا زيد بن الخطاب -رضي الله عنه- يحمل راية المسلمين يوم اليمامة في حروب الردة، وكان يقول وهو يصيح بصوت الموقن بأن ما عند الله خير وأبقى وأن العاقبة للتقوى: "اللهم إنِّي أعتذر إليك من فرار أصحابي، وأبرأ إليك مما جاء به مسيلمة"، فلم يزل يتقدم بالراية في نحر العدو، ثم قاتل حتى قُتل، فأخذها سالم مولى أبي حذيفة، ولما انكشف المسلمون يوم اليمامة قال سالم وهو من حملة القرآن: "ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفر لنفسه حفرة وقام فيها، ومعه راية المهاجرين يومئذ فقاتل حتى قتل رحمه الله".
وعن جعفر بن عبد الله بن أسلم، قال: "لما كان يوم اليمامة، واصطف الناس، كان أول من جُرح أبو عقيل، رُمي بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده في غير مقتل، فأُخرج السهم، ووهن له شقه الأيسر في أول النهار، وجُرَّ إلى الرحل، فلما حمي القتال وانهزم المسلمون، وجاوزوا رحالهم، وأبو عقيل واهن من جرحه، سمع معن بن عدي يصيح: يا للأنصار! الله الله والكَرَّة على عدوكم! قال عبد الله بن عمر: فنهض أبو عقيل يريد قومه، فقلت: ما تريد؟ ما فيك قتال! قال: قد نوَّه المنادى باسمي، قال ابن عمر: فقلت له: إنما يقول: يا للأنصار، ولا يعني الجرحى، قال أبو عقيل: أنا من الأنصار، وأنا أجيبه ولو حبوا، قال ابن عمر: فتحزَّم أبو عقيل وأخذ السيف بيده اليمنى، ثم جعل ينادي: يا للأنصار! كَرَّة كيوم حنين! فاجتمعوا رحمكم الله جميعا، تقدَّموا فالمسلمون دريئة دون عدوهم، حتى أقحموا عدوهم الحديقة، فاختلطوا، واختلفت السيوف بيننا وبينهم.
قال ابن عمر: فنظرت إلى أبي عقيل وقد قُطعت يده المجروحة من المنكب، فوقعت إلى الأرض، وبه من الجراح أربعة عشر جرحا كلها قد خلصت إلى مقتل، وقُتل عدو الله مسيلمة. قال ابن عمر: فوقفت على أبي عقيل وهو صريع بآخر رمق، فقلت: يا أبا عقيل! قال: لبيك -بلسان ملتاث- لمن الدَّبرة؟ قلت: أبشر قد قتل عدو الله، فرفع إصبعه إلى السماء يحمد الله، ومات يرحمه الله".
أولئك جيل المكرمات فمن يكن *** له أثَرٌ بالعزم يسعى ويخطر
تراهم إلى الهيجاء صاح نذيرهم *** فأرخص روحا في الوغى يتبختر
وماذا عسى الأطراس تجديك عالما *** إذا ضاع منك الفعل والقول أبتر
بسيف وإقدام وصون عقيدة *** بها الدين يزهو والنجائب ضمَّر
وليعلم كل محارب لدولة الخلافة، أنها ماضية في إنفاذ وعيدها بأعدائها، فأسيافنا -بفضل الله- ما نبت، وإن الملاحم لتوها بدأت.
وما خاض أبناء الإسلام غمار هذا البحر اللُّجي المتلاطم، إلا وهم على يقين برسوِّهم ودنوهم من سعة الدنيا والآخرة، وما متقحم لهذه المخاضة بخاسر.
فإنما هي إحدى الحسنيين، إحدى الكرامتين، إما نصر وإما شهادة، حياة عز لا حياة ذل، حياة إباء لا حياة استخذاء واستجداء.
وهذا زيد بن الخطاب -رضي الله عنه- يحمل راية المسلمين يوم اليمامة في حروب الردة، وكان يقول وهو يصيح بصوت الموقن بأن ما عند الله خير وأبقى وأن العاقبة للتقوى: "اللهم إنِّي أعتذر إليك من فرار أصحابي، وأبرأ إليك مما جاء به مسيلمة"، فلم يزل يتقدم بالراية في نحر العدو، ثم قاتل حتى قُتل، فأخذها سالم مولى أبي حذيفة، ولما انكشف المسلمون يوم اليمامة قال سالم وهو من حملة القرآن: "ما هكذا كنا نفعل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحفر لنفسه حفرة وقام فيها، ومعه راية المهاجرين يومئذ فقاتل حتى قتل رحمه الله".
وعن جعفر بن عبد الله بن أسلم، قال: "لما كان يوم اليمامة، واصطف الناس، كان أول من جُرح أبو عقيل، رُمي بسهم فوقع بين منكبيه وفؤاده في غير مقتل، فأُخرج السهم، ووهن له شقه الأيسر في أول النهار، وجُرَّ إلى الرحل، فلما حمي القتال وانهزم المسلمون، وجاوزوا رحالهم، وأبو عقيل واهن من جرحه، سمع معن بن عدي يصيح: يا للأنصار! الله الله والكَرَّة على عدوكم! قال عبد الله بن عمر: فنهض أبو عقيل يريد قومه، فقلت: ما تريد؟ ما فيك قتال! قال: قد نوَّه المنادى باسمي، قال ابن عمر: فقلت له: إنما يقول: يا للأنصار، ولا يعني الجرحى، قال أبو عقيل: أنا من الأنصار، وأنا أجيبه ولو حبوا، قال ابن عمر: فتحزَّم أبو عقيل وأخذ السيف بيده اليمنى، ثم جعل ينادي: يا للأنصار! كَرَّة كيوم حنين! فاجتمعوا رحمكم الله جميعا، تقدَّموا فالمسلمون دريئة دون عدوهم، حتى أقحموا عدوهم الحديقة، فاختلطوا، واختلفت السيوف بيننا وبينهم.
قال ابن عمر: فنظرت إلى أبي عقيل وقد قُطعت يده المجروحة من المنكب، فوقعت إلى الأرض، وبه من الجراح أربعة عشر جرحا كلها قد خلصت إلى مقتل، وقُتل عدو الله مسيلمة. قال ابن عمر: فوقفت على أبي عقيل وهو صريع بآخر رمق، فقلت: يا أبا عقيل! قال: لبيك -بلسان ملتاث- لمن الدَّبرة؟ قلت: أبشر قد قتل عدو الله، فرفع إصبعه إلى السماء يحمد الله، ومات يرحمه الله".
أولئك جيل المكرمات فمن يكن *** له أثَرٌ بالعزم يسعى ويخطر
تراهم إلى الهيجاء صاح نذيرهم *** فأرخص روحا في الوغى يتبختر
وماذا عسى الأطراس تجديك عالما *** إذا ضاع منك الفعل والقول أبتر
بسيف وإقدام وصون عقيدة *** بها الدين يزهو والنجائب ضمَّر
وليعلم كل محارب لدولة الخلافة، أنها ماضية في إنفاذ وعيدها بأعدائها، فأسيافنا -بفضل الله- ما نبت، وإن الملاحم لتوها بدأت.
وما خاض أبناء الإسلام غمار هذا البحر اللُّجي المتلاطم، إلا وهم على يقين برسوِّهم ودنوهم من سعة الدنيا والآخرة، وما متقحم لهذه المخاضة بخاسر.
فإنما هي إحدى الحسنيين، إحدى الكرامتين، إما نصر وإما شهادة، حياة عز لا حياة ذل، حياة إباء لا حياة استخذاء واستجداء.