أخي المجاهد من تواضع لله رفعه لا تكتمل الصفات الحسنة للرجال ما لم يتزينوا بالتواضع، فهو بوابة ...
أخي المجاهد من تواضع لله رفعه
لا تكتمل الصفات الحسنة للرجال ما لم يتزينوا بالتواضع، فهو بوابة العبور للقلوب، لا يسلكها إلا من اتصف به، وقلَّ أن ترى رجلا مألوفا عند الناس ليس متخلقا به، أجمع الناس على استحسانه، وجبلت النفوس على حبه.
عرَّفه أهل اللغة بالتذلل، من تواضعت الأرض، أي انخفضت عمّا يليها، واصطلاحا: بلين الجانب والبُعد عن الاغترار بالنفس، قال تعالى: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا } [الفرقان: 63] قال ابن كثير: "أي بسكينة ووقار من غير تجبُّر ولا استكبار".
إنه التواضع، يرتقي صاحبه بأعين الناس إن ألان لهم جانبه، ويعظم في عيونهم إن بسط لهم نفسه، وكما الأرض المتواضعة المنخفضة تفيض بالماء وتنعم بالبركة والخير الوفير، كذلك النفس المتواضعة تنعم بالقبول والأنس من الجميع.
أخي المجاهد: كيف لبشر خلقه الله من تراب، وشرفه بعبوديته أن يتجاوز حدود ما شرعه الله ويتكبر، وينظر لغيره بعين الصغار، وهو عند الله أصغر، فهنيئا للمتواضعين اندراجهم تحت: { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة: 54]، وتعسا للمندرجين تحت { فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } [الزمر: 72].
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ } [المائدة: 54]، وقال تعالى: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ المؤْمِنِينَ } [الشعراء: 215].
فكان أكثر من تمثلت به هذه الصفة الكريمة هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فكان -عليه الصلاة والسلام- يركب الحمار ويلبس الصوف ويأكل على الأرض وينام على الأرض ويجلس على الأرض على حصير وكان يعقل الشاة ويخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في خدمة أهله في بيته ويسلم على الصبيان ويجيب دعوة المملوك على خبز شعير، وتأخذ الأمة الصغيرة بيده فتنطلق به حيث شاءت في المدينة، فهذه صفة النبي الكريم في التواضع، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) [رواه مسلم].
وحذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من التكبر وضرب لنا مثلا على سوء مصرع ومصير صاحبه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (بينما رجل يتبختر يمشي في برديه، قد أعجبته نفسه، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) [رواه مسلم].
ورفض -صلى الله عليه وسلم- أن يتم إطراؤه بالكلام وفضل وصفه بالعبد فعن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا تطروني، كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله) [رواه البخاري].
أخي المجاهد لقد دعا -صلى الله عليه وسلم- إلى التواضع، وحَثّ عليه لما له من فوائد كثيرة، فقد روى عياض بن حمار -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله أوحَى إليَّ أنْ تواضعوا حتى لا يَفْخَر أحد على أحد ولا يَبغي أحد على أحد) [رواه مسلم].
وقد ذكر لنا ربنا -عز وجل- أن أعظم فوائده هي الجائزة الكبيرة التي يحصل عليها المتواضعون في الدار الآخرة فقال سبحانه: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83].
قال ابن كثير: "يخبر تعالى أنَّ الدَّار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول، جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين الذين لا يريدون علوا في الأرض، أي: ترفُّعاً على خلق الله وتعاظماً عليهم وتجبُّراً بهم".
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 130
الخميس 17 شعبان 1439 هـ
لا تكتمل الصفات الحسنة للرجال ما لم يتزينوا بالتواضع، فهو بوابة العبور للقلوب، لا يسلكها إلا من اتصف به، وقلَّ أن ترى رجلا مألوفا عند الناس ليس متخلقا به، أجمع الناس على استحسانه، وجبلت النفوس على حبه.
عرَّفه أهل اللغة بالتذلل، من تواضعت الأرض، أي انخفضت عمّا يليها، واصطلاحا: بلين الجانب والبُعد عن الاغترار بالنفس، قال تعالى: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأرْضِ هَوْنًا } [الفرقان: 63] قال ابن كثير: "أي بسكينة ووقار من غير تجبُّر ولا استكبار".
إنه التواضع، يرتقي صاحبه بأعين الناس إن ألان لهم جانبه، ويعظم في عيونهم إن بسط لهم نفسه، وكما الأرض المتواضعة المنخفضة تفيض بالماء وتنعم بالبركة والخير الوفير، كذلك النفس المتواضعة تنعم بالقبول والأنس من الجميع.
أخي المجاهد: كيف لبشر خلقه الله من تراب، وشرفه بعبوديته أن يتجاوز حدود ما شرعه الله ويتكبر، وينظر لغيره بعين الصغار، وهو عند الله أصغر، فهنيئا للمتواضعين اندراجهم تحت: { يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } [المائدة: 54]، وتعسا للمندرجين تحت { فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } [الزمر: 72].
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ } [المائدة: 54]، وقال تعالى: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ المؤْمِنِينَ } [الشعراء: 215].
فكان أكثر من تمثلت به هذه الصفة الكريمة هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فكان -عليه الصلاة والسلام- يركب الحمار ويلبس الصوف ويأكل على الأرض وينام على الأرض ويجلس على الأرض على حصير وكان يعقل الشاة ويخصف نعله ويخيط ثوبه ويعمل في خدمة أهله في بيته ويسلم على الصبيان ويجيب دعوة المملوك على خبز شعير، وتأخذ الأمة الصغيرة بيده فتنطلق به حيث شاءت في المدينة، فهذه صفة النبي الكريم في التواضع، وهو القائل صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله) [رواه مسلم].
وحذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من التكبر وضرب لنا مثلا على سوء مصرع ومصير صاحبه، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: (بينما رجل يتبختر يمشي في برديه، قد أعجبته نفسه، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) [رواه مسلم].
ورفض -صلى الله عليه وسلم- أن يتم إطراؤه بالكلام وفضل وصفه بالعبد فعن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لا تطروني، كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا عبد الله ورسوله) [رواه البخاري].
أخي المجاهد لقد دعا -صلى الله عليه وسلم- إلى التواضع، وحَثّ عليه لما له من فوائد كثيرة، فقد روى عياض بن حمار -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنّ الله أوحَى إليَّ أنْ تواضعوا حتى لا يَفْخَر أحد على أحد ولا يَبغي أحد على أحد) [رواه مسلم].
وقد ذكر لنا ربنا -عز وجل- أن أعظم فوائده هي الجائزة الكبيرة التي يحصل عليها المتواضعون في الدار الآخرة فقال سبحانه: {تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [القصص: 83].
قال ابن كثير: "يخبر تعالى أنَّ الدَّار الآخرة ونعيمها المقيم الذي لا يحول ولا يزول، جعلها لعباده المؤمنين المتواضعين الذين لا يريدون علوا في الأرض، أي: ترفُّعاً على خلق الله وتعاظماً عليهم وتجبُّراً بهم".
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 130
الخميس 17 شعبان 1439 هـ