والكاظمين الغيظ ليس أشقَّ على النفس شيئا مثله، فهو أشد خصومة للمرء من خصمه، يتصِّف به ...
والكاظمين الغيظ
ليس أشقَّ على النفس شيئا مثله، فهو أشد خصومة للمرء من خصمه، يتصِّف به الحكماء، ويقدر عليه العقلاء، فهو سلاحهم أمام الجهل والاستفزاز، وأتقن السيطرة عليه من كان عمله لله خالصا، ولوجهه متطلعا، فاستوى عنده المدح والذم، فلم يُستفز بالتوافه، ورغم قدرته ترفَّع عن الرد، شَرع الدين الحنيف له أن يعاقِب بمثل ما عوقِب، غير أنه فضَّل ما هو أعظم.
إنه كظم الغيظ، أساسه التحكم بالغضب الشديد إزاء إساءة أو تصرف صدر من غيرك، فهو يحتاج إلى مجاهدة عظيمة لأنه شديد على النفس، ولكن إذا استعان المرء بالله تعالى عليه، وروَّض نفسه على حبسه صار عليه أقدر، ومرة بعد أخرى سيكون أسهل.
ولكظم الغيظ فوائد جمة، فهو أحد صفات الواردين إلى الجنة، المستحقين للمغفرة، ووجَّه الله سبحانه وتعالى عباده إلى التحلِّي به فقال: { وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران: 133-134].
قالوا في تعريفه أنه: حبس الغيظ والغضب، وإمساكه، وضبط النفس وعدم إنفاذ العقوبة للمسبِّب له مع القدرة على ذلك.
وقالوا عن حسن آثاره الدنيوية: النجاة من التصرف الخاطئ المتسرع الذي يجلب الندامة، والتغلب على الشيطان، والانتصار على وساوسه، وإفقاده الأمل من إيقاع العبد في الغضب، وفيما لا يرضي الله، وفيما لا تعقُّل فيه، وتحقيق تقوى الله عزَّ وجلَّ، وتدريب النفس على التحمل والصبر، والتحلي بخُلق الأنبياء، والشعور بالسعادة، وراحة النفس بعد الانتصار عليه، وكسب محبة الآخرين، وتحويل الأعداء إلى أصدقاء ومحبِّين، وإتاحة الفرصة للمرء للتفكير بحكمة ورويَّة، والنظر للأسباب الحقيقية للخصم، وإيجاد الحلول الحقيقية للمشكلات.
أخي المجاهد، اعلم أن صبرك على من جهل عليك أجر ومثوبة، وهو ليس بالمستحيل ولا بالسهل، وله أسباب إن استعنت بها بات الكظم ممكنا، ولقد ذكر بعضهم أمورا تُعين عليه منها: دعاء الله عز وجل، واحتساب الأجر والثواب، والاستعانة بالصبر، واللين والرفق بحق المخطئ، وتربية النفس على الرضا، وحسن الظن بالآخرين، وتجنُّب السرعة في الحكم عليهم، وسعة الصدر، والسمو بالنفس، وتجنب جدال الجاهلين، وحفظ المعروف والخير السابق للمسيء، والتقليل من الكلام حال الغضب، وتذكُّر وصية الرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- بعدم الغضب، وتغيير الحالة التي يكون عليها المرء كأن يجلس إذا كان واقفاً، والاستغفار، وترك مكان النزاع، واللجوء إلى الوضوء، وتعلم العلم النافع، وضبط اللسان، ومعرفة عواقب الأمور، ورجاحة العقل، والتقوى، والتربية على حسن الخلق.
أخي المجاهد، إنك بأمسِّ الحاجة للتخلق بخلق الأنبياء والمرسلين، فالأخلاق الحسنة جوهرة ونحن أحق بها من غيرنا، فلنجاهد أنفسنا للتمثُّل بها، ولنسعَ لها ففيها الخير والوقار والسكينة والأجر.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 131
الخميس 24 شعبان 1439 هـ
ليس أشقَّ على النفس شيئا مثله، فهو أشد خصومة للمرء من خصمه، يتصِّف به الحكماء، ويقدر عليه العقلاء، فهو سلاحهم أمام الجهل والاستفزاز، وأتقن السيطرة عليه من كان عمله لله خالصا، ولوجهه متطلعا، فاستوى عنده المدح والذم، فلم يُستفز بالتوافه، ورغم قدرته ترفَّع عن الرد، شَرع الدين الحنيف له أن يعاقِب بمثل ما عوقِب، غير أنه فضَّل ما هو أعظم.
إنه كظم الغيظ، أساسه التحكم بالغضب الشديد إزاء إساءة أو تصرف صدر من غيرك، فهو يحتاج إلى مجاهدة عظيمة لأنه شديد على النفس، ولكن إذا استعان المرء بالله تعالى عليه، وروَّض نفسه على حبسه صار عليه أقدر، ومرة بعد أخرى سيكون أسهل.
ولكظم الغيظ فوائد جمة، فهو أحد صفات الواردين إلى الجنة، المستحقين للمغفرة، ووجَّه الله سبحانه وتعالى عباده إلى التحلِّي به فقال: { وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [آل عمران: 133-134].
قالوا في تعريفه أنه: حبس الغيظ والغضب، وإمساكه، وضبط النفس وعدم إنفاذ العقوبة للمسبِّب له مع القدرة على ذلك.
وقالوا عن حسن آثاره الدنيوية: النجاة من التصرف الخاطئ المتسرع الذي يجلب الندامة، والتغلب على الشيطان، والانتصار على وساوسه، وإفقاده الأمل من إيقاع العبد في الغضب، وفيما لا يرضي الله، وفيما لا تعقُّل فيه، وتحقيق تقوى الله عزَّ وجلَّ، وتدريب النفس على التحمل والصبر، والتحلي بخُلق الأنبياء، والشعور بالسعادة، وراحة النفس بعد الانتصار عليه، وكسب محبة الآخرين، وتحويل الأعداء إلى أصدقاء ومحبِّين، وإتاحة الفرصة للمرء للتفكير بحكمة ورويَّة، والنظر للأسباب الحقيقية للخصم، وإيجاد الحلول الحقيقية للمشكلات.
أخي المجاهد، اعلم أن صبرك على من جهل عليك أجر ومثوبة، وهو ليس بالمستحيل ولا بالسهل، وله أسباب إن استعنت بها بات الكظم ممكنا، ولقد ذكر بعضهم أمورا تُعين عليه منها: دعاء الله عز وجل، واحتساب الأجر والثواب، والاستعانة بالصبر، واللين والرفق بحق المخطئ، وتربية النفس على الرضا، وحسن الظن بالآخرين، وتجنُّب السرعة في الحكم عليهم، وسعة الصدر، والسمو بالنفس، وتجنب جدال الجاهلين، وحفظ المعروف والخير السابق للمسيء، والتقليل من الكلام حال الغضب، وتذكُّر وصية الرسول الكريم محمد -صلى الله عليه وسلم- بعدم الغضب، وتغيير الحالة التي يكون عليها المرء كأن يجلس إذا كان واقفاً، والاستغفار، وترك مكان النزاع، واللجوء إلى الوضوء، وتعلم العلم النافع، وضبط اللسان، ومعرفة عواقب الأمور، ورجاحة العقل، والتقوى، والتربية على حسن الخلق.
أخي المجاهد، إنك بأمسِّ الحاجة للتخلق بخلق الأنبياء والمرسلين، فالأخلاق الحسنة جوهرة ونحن أحق بها من غيرنا، فلنجاهد أنفسنا للتمثُّل بها، ولنسعَ لها ففيها الخير والوقار والسكينة والأجر.
• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 131
الخميس 24 شعبان 1439 هـ