الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 513 الافتتاحية: مأساة غزة تفاقمت مأساة المسلمين في غزة ...
الدولة الإسلامية - صحيفة النبأ العدد 513
الافتتاحية: مأساة غزة
تفاقمت مأساة المسلمين في غزة خلال الأيام الأخيرة مع بلوغ الحرب اليهودية الدينية ذروة القصف والتدمير، وإعادة تهجير أهلها مجددا إلى جنوبها، بعد أن سمحوا لهم قبل أشهر بالعودة إليها في إطار "تهدئة" لا يُعرف من وقّع عليها ممّن وقَع فيها.
ترافق ذلك مع قصف الجيش اليهودي دويلة قطر "الوسيط" وسط عاصمتها ومركز سيادتها، لترد الأخيرة بقمة عربية طارئة جمعت ربائب أمريكا بمن فيهم "سوريا الجديدة" على طاولة واحدة وأكدوا بصوت واحد أنّ هذه الممارسات اليهودية "تقوّض جهود السلام!"، علما أن التصعيد اليهودي من فلسطين إلى الخليج؛ تزامن مع ذكرى توقيع "اتفاقيات أبراهام" للسلام!
إن ما تمر به الساحة الفلسطينية اليوم هو الأخطر منذ "النكبة" ليس على صعيد موجة القتل والتدمير فحسب، بل على صعيد إمكانية تطبيق مخطط "التهجير" المطروح على خارطة الحرب اليهودية، وهو ما دأب الهواة العابثون على نفيه نفيا قاطعا دون أي مستند واقعي، في حين أنه بات يكمن للفلسطينيين في كل منعطف.
وبعيدا عن السجالات السياسية التي تغرق فيها الساحة الفلسطينية منذ الغزو البريطاني وإلى أن ترتفع فيها راية الشريعة؛ فإنّ عامة المسلمين في فلسطين اليوم يتعرضون لأبشع صور الظلم والعدوان اليهودي الذي يوجب على إخوانهم المسلمين شرقا وغربا مناصرتهم، كل على قدر استطاعته بدءا بالأقرب إليهم ثم الذين يلونهم.
والأدلة على وجوب نصرة المسلمين وإعانتهم وغوثهم وتفريج كربتهم وحرمة خذلانهم؛ فاضت به النصوص الشرعية في الكتاب والسنة، ويتلقاه الناس ويمتثلونه كل بحسب إيمانه وغيرته، فالناس في ذلك بين مستجيب غيور ومُعرض بليد، بين صادق وكاذب، بين مناصر ومتخاذل، وتلك أصناف الناس تجاه كل قضايا المسلمين وجراحاتهم قديما وحديثا.
ولكن بالجملة، فكثير من أبناء المسلمين يسعون لتقديم العون لإخوانهم في فلسطين، وهذا السعي قديم ويتجدّد مع تجدُّد المأساة الفلسطينية التي تشهد حاليا فصول "نكبة" جديدة تفوق نكبات الأمس مجتمعة؛ لكن هؤلاء السُّعاة لا يجدون سبيلا للمشاركة الفعلية المجدية المؤثرة في نصرة مسلمي فلسطين، لأنهم يصطدمون في كل مرة بـ "الحدود الوطنية" التي حدّدها الغزاة وحرسها الطغاة، وتربّت الأجيال على تعظيمها والموالاة والمعاداة فيها!
فمِن حيث البعد الميداني الجغرافي، لا يوجد أي منفذ أو ممر يوصل السُّعاة إلى داخل فلسطين الأسيرة أو يحقق لهم تماسا ومواجهة مباشرة مع اليهود، بما في ذلك "الجنوب السوري" الذي يخضع فعليا للقبضة الأمنية اليهودية، والسيطرة الصورية السورية، تماما كأي حدٍّ من الحدود الطاغوتية الأربعة المحيطة بفلسطين، التي يقف عندها جنود عرب مرتدون يؤدون "واجبهم الوطني" في حماية وتأمين حدود اليهود، يستوي في ذلك جيوش مصر والأردن ولبنان وسوريا القديمة والجديدة.
أمام هذا الواقع المرير والمأساة التي تتفاقم، فإنّ الخيارات العملية المتاحة للمسلمين السُّعاة لنصرة إخوانهم، تتركز في مسارين اثنين لطالما حرّضنا عليهما، وبريدهما الوحيد التوحيد؛ الأول: سعي شباب المسلمين للقيام بعمليات جريئة شجاعة تستهدف التجمُّعات والأحياء اليهودية والنصرانية في كل مكان، خصوصا في دول أوروبا الصليبية مثل بلجيكا وفرنسا وبريطانيا وغيرها، لقوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ}، قال ابن جرير: "أي اقتلوهم في أي مكان تمكنتم من قتلهم، وأبصرتم مقاتلهم".
والمسار الثاني وهو مسار أصيل يوما بعد يوم تتأكد صحته ويشتد تأثيره، وهو استهداف الجيوش والحكومات العربية المرتدة التي تحرس حدود اليهود وتشكل طوقا خانقا لفلسطين، فهؤلاء هم "جُدُر اليهود" التي يقاتلون مِن ورائها، وبسقوطها تبدأ المعركة المرتقبة مع اليهود داخل قراهم المحصنة، ومهما شقّ الناس طرقا لقتال اليهود، فقطعا سيمرّون -طوعا أو كرها- من هذا الطريق الذي يأباه أكثرهم في تناقض عجيب لا يفسّره إلا تغلُّب وطنيتهم على دينهم! وطغيان عاطفتهم على عقيدتهم! فكيف سيفلحون؟ وبماذا سينتصرون؟!
ونستذكر في هذا الموطن كلام الشيخ المجاهد أبي حذيفة الأنصاري -حفظه الله- في هذا السياق حين قال في خطابه بمناسبة الحرب على غزة: "إننا نقولُ ونؤكدُ على أن المعركة مع اليهود اليوم هي في حقيقتها معركة مع حلفاء اليهود أكثر من اليهود أنفسهم، وتؤكّد ذلك فصولُ الحرب الأخيرة التي شنُّوها على غزة، وكيف كان تواطؤُ الحكومات العربية المرتدة ثقيلا على أهل غزة كثِقَلِ القنابل والصواريخ الأمريكية، ولذلك فالحل الشرعيُّ يكمن في قتالِ هؤلاء كافة".
والمجاهد المنفرد والمسلم الغيور مدعوٌّ اليوم إلى سلوك أيّ هذين المسارين بحسب استطاعته، وبحسب قوة دافعه الإيماني ومنطلقه العقائدي، فنحن إنّما نحرّض على ذلك تديُّنا وتعبُّدا لله تعالى، انطلاقا من كون فلسطين أرضًا للمسلمين داهمها العدو الكافر وعجز أهلها عن صد عاديته، فوجب على إخوانهم المسلمين مشاركتهم في قتاله ودفع صياله.
كما نحرّض على ذلك انطلاقا من كون المعركة مع اليهود معركة دينية، وليست معركة دونية وطنية لخصوبة ترابها واعتدال مناخها وسهولة تضاريسها، فهذه تربية وطنية لا جهادية ولا إيمانية، وهو مما صبغ "القضية الفلسطينية" فعطّل مسيرتها وحرف بوصلتها منذ انطلاقها، وجعلها قضية وطنية قومية تتخذ الإسلام شعارا لا مسارا، وتراه عائقا لا منطلقا.
وإنما يجب على المسلم أن ينطلق في نصرة إخوانه المسلمين في فلسطين وغير فلسطين؛ من هذه المنطلقات والمقاصد الشرعية التي تناولها مرارا وتكرارا قادة ومشايخ الدولة الإسلامية في خطاباتهم وصوتياتهم عملا بأصول الكتاب والسنة، دعوةً ونصحًا للمسلمين، وكلها تدور وتتمحور حول غاية الجهاد المركزية: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}.
فإنْ ضبَطَ المسلمُ هذه الغاية وصحَّحَ المسار والراية، فلينطلق على بركة الله تعالى ويتخيّر أقرب الأهداف وأدسمها، ويا حبذا في أعيادهم وما أكثرها، وليضع نصب عينيه أنات الأطفال وصرخات الحرائر واستغاثات المستضعفين، فإنها بلغت الآفاق وأدمت قلب كل مسلم غيور على دينه وأمته، وإنّ خير ترجمة لهذه الغيرة الإيمانية هي السعي العملي لقتال اليهود أو حراسهم، وفي كلّ خير وأجر بإذن الله تعالى، فأين الأباة الغيارى يتدافعون للثأر لإخوانهم، ويتنافسون لتأديب عدوهم؟
اللهم الطف بالمسلمين في فلسطين وكل مكان، اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم، اللهم أدر دائرة السوء على اليهود وأعوانهم، وهيِّئ للمجاهدين أسباب قتالهم، واشف صدور قوم مؤمنين.
•المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 513
السنة السابعة عشرة - الخميس 26 ربيع الأول 1447 هـ
المقال الافتتاحي:
مأساة غزة
الافتتاحية: مأساة غزة
تفاقمت مأساة المسلمين في غزة خلال الأيام الأخيرة مع بلوغ الحرب اليهودية الدينية ذروة القصف والتدمير، وإعادة تهجير أهلها مجددا إلى جنوبها، بعد أن سمحوا لهم قبل أشهر بالعودة إليها في إطار "تهدئة" لا يُعرف من وقّع عليها ممّن وقَع فيها.
ترافق ذلك مع قصف الجيش اليهودي دويلة قطر "الوسيط" وسط عاصمتها ومركز سيادتها، لترد الأخيرة بقمة عربية طارئة جمعت ربائب أمريكا بمن فيهم "سوريا الجديدة" على طاولة واحدة وأكدوا بصوت واحد أنّ هذه الممارسات اليهودية "تقوّض جهود السلام!"، علما أن التصعيد اليهودي من فلسطين إلى الخليج؛ تزامن مع ذكرى توقيع "اتفاقيات أبراهام" للسلام!
إن ما تمر به الساحة الفلسطينية اليوم هو الأخطر منذ "النكبة" ليس على صعيد موجة القتل والتدمير فحسب، بل على صعيد إمكانية تطبيق مخطط "التهجير" المطروح على خارطة الحرب اليهودية، وهو ما دأب الهواة العابثون على نفيه نفيا قاطعا دون أي مستند واقعي، في حين أنه بات يكمن للفلسطينيين في كل منعطف.
وبعيدا عن السجالات السياسية التي تغرق فيها الساحة الفلسطينية منذ الغزو البريطاني وإلى أن ترتفع فيها راية الشريعة؛ فإنّ عامة المسلمين في فلسطين اليوم يتعرضون لأبشع صور الظلم والعدوان اليهودي الذي يوجب على إخوانهم المسلمين شرقا وغربا مناصرتهم، كل على قدر استطاعته بدءا بالأقرب إليهم ثم الذين يلونهم.
والأدلة على وجوب نصرة المسلمين وإعانتهم وغوثهم وتفريج كربتهم وحرمة خذلانهم؛ فاضت به النصوص الشرعية في الكتاب والسنة، ويتلقاه الناس ويمتثلونه كل بحسب إيمانه وغيرته، فالناس في ذلك بين مستجيب غيور ومُعرض بليد، بين صادق وكاذب، بين مناصر ومتخاذل، وتلك أصناف الناس تجاه كل قضايا المسلمين وجراحاتهم قديما وحديثا.
ولكن بالجملة، فكثير من أبناء المسلمين يسعون لتقديم العون لإخوانهم في فلسطين، وهذا السعي قديم ويتجدّد مع تجدُّد المأساة الفلسطينية التي تشهد حاليا فصول "نكبة" جديدة تفوق نكبات الأمس مجتمعة؛ لكن هؤلاء السُّعاة لا يجدون سبيلا للمشاركة الفعلية المجدية المؤثرة في نصرة مسلمي فلسطين، لأنهم يصطدمون في كل مرة بـ "الحدود الوطنية" التي حدّدها الغزاة وحرسها الطغاة، وتربّت الأجيال على تعظيمها والموالاة والمعاداة فيها!
فمِن حيث البعد الميداني الجغرافي، لا يوجد أي منفذ أو ممر يوصل السُّعاة إلى داخل فلسطين الأسيرة أو يحقق لهم تماسا ومواجهة مباشرة مع اليهود، بما في ذلك "الجنوب السوري" الذي يخضع فعليا للقبضة الأمنية اليهودية، والسيطرة الصورية السورية، تماما كأي حدٍّ من الحدود الطاغوتية الأربعة المحيطة بفلسطين، التي يقف عندها جنود عرب مرتدون يؤدون "واجبهم الوطني" في حماية وتأمين حدود اليهود، يستوي في ذلك جيوش مصر والأردن ولبنان وسوريا القديمة والجديدة.
أمام هذا الواقع المرير والمأساة التي تتفاقم، فإنّ الخيارات العملية المتاحة للمسلمين السُّعاة لنصرة إخوانهم، تتركز في مسارين اثنين لطالما حرّضنا عليهما، وبريدهما الوحيد التوحيد؛ الأول: سعي شباب المسلمين للقيام بعمليات جريئة شجاعة تستهدف التجمُّعات والأحياء اليهودية والنصرانية في كل مكان، خصوصا في دول أوروبا الصليبية مثل بلجيكا وفرنسا وبريطانيا وغيرها، لقوله تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ}، قال ابن جرير: "أي اقتلوهم في أي مكان تمكنتم من قتلهم، وأبصرتم مقاتلهم".
والمسار الثاني وهو مسار أصيل يوما بعد يوم تتأكد صحته ويشتد تأثيره، وهو استهداف الجيوش والحكومات العربية المرتدة التي تحرس حدود اليهود وتشكل طوقا خانقا لفلسطين، فهؤلاء هم "جُدُر اليهود" التي يقاتلون مِن ورائها، وبسقوطها تبدأ المعركة المرتقبة مع اليهود داخل قراهم المحصنة، ومهما شقّ الناس طرقا لقتال اليهود، فقطعا سيمرّون -طوعا أو كرها- من هذا الطريق الذي يأباه أكثرهم في تناقض عجيب لا يفسّره إلا تغلُّب وطنيتهم على دينهم! وطغيان عاطفتهم على عقيدتهم! فكيف سيفلحون؟ وبماذا سينتصرون؟!
ونستذكر في هذا الموطن كلام الشيخ المجاهد أبي حذيفة الأنصاري -حفظه الله- في هذا السياق حين قال في خطابه بمناسبة الحرب على غزة: "إننا نقولُ ونؤكدُ على أن المعركة مع اليهود اليوم هي في حقيقتها معركة مع حلفاء اليهود أكثر من اليهود أنفسهم، وتؤكّد ذلك فصولُ الحرب الأخيرة التي شنُّوها على غزة، وكيف كان تواطؤُ الحكومات العربية المرتدة ثقيلا على أهل غزة كثِقَلِ القنابل والصواريخ الأمريكية، ولذلك فالحل الشرعيُّ يكمن في قتالِ هؤلاء كافة".
والمجاهد المنفرد والمسلم الغيور مدعوٌّ اليوم إلى سلوك أيّ هذين المسارين بحسب استطاعته، وبحسب قوة دافعه الإيماني ومنطلقه العقائدي، فنحن إنّما نحرّض على ذلك تديُّنا وتعبُّدا لله تعالى، انطلاقا من كون فلسطين أرضًا للمسلمين داهمها العدو الكافر وعجز أهلها عن صد عاديته، فوجب على إخوانهم المسلمين مشاركتهم في قتاله ودفع صياله.
كما نحرّض على ذلك انطلاقا من كون المعركة مع اليهود معركة دينية، وليست معركة دونية وطنية لخصوبة ترابها واعتدال مناخها وسهولة تضاريسها، فهذه تربية وطنية لا جهادية ولا إيمانية، وهو مما صبغ "القضية الفلسطينية" فعطّل مسيرتها وحرف بوصلتها منذ انطلاقها، وجعلها قضية وطنية قومية تتخذ الإسلام شعارا لا مسارا، وتراه عائقا لا منطلقا.
وإنما يجب على المسلم أن ينطلق في نصرة إخوانه المسلمين في فلسطين وغير فلسطين؛ من هذه المنطلقات والمقاصد الشرعية التي تناولها مرارا وتكرارا قادة ومشايخ الدولة الإسلامية في خطاباتهم وصوتياتهم عملا بأصول الكتاب والسنة، دعوةً ونصحًا للمسلمين، وكلها تدور وتتمحور حول غاية الجهاد المركزية: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}.
فإنْ ضبَطَ المسلمُ هذه الغاية وصحَّحَ المسار والراية، فلينطلق على بركة الله تعالى ويتخيّر أقرب الأهداف وأدسمها، ويا حبذا في أعيادهم وما أكثرها، وليضع نصب عينيه أنات الأطفال وصرخات الحرائر واستغاثات المستضعفين، فإنها بلغت الآفاق وأدمت قلب كل مسلم غيور على دينه وأمته، وإنّ خير ترجمة لهذه الغيرة الإيمانية هي السعي العملي لقتال اليهود أو حراسهم، وفي كلّ خير وأجر بإذن الله تعالى، فأين الأباة الغيارى يتدافعون للثأر لإخوانهم، ويتنافسون لتأديب عدوهم؟
اللهم الطف بالمسلمين في فلسطين وكل مكان، اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم، اللهم أدر دائرة السوء على اليهود وأعوانهم، وهيِّئ للمجاهدين أسباب قتالهم، واشف صدور قوم مؤمنين.
•المصدر:
صحيفة النبأ – العدد 513
السنة السابعة عشرة - الخميس 26 ربيع الأول 1447 هـ
المقال الافتتاحي:
مأساة غزة