الدولة الإسلامية - قصة شهيد أبو عبد الله المناري نشأ في طاعة الله وطلب العلم ونشط في المنتديات ...

الدولة الإسلامية - قصة شهيد

أبو عبد الله المناري
نشأ في طاعة الله وطلب العلم ونشط في المنتديات الجهادية

بدأ أولى خطواته على درب الجهاد وهو ابن 16 ربيعا، نشأ على طاعة الله، وشبَّ على طلب العلم، وأمضى أغلب وقته ينهل من عيونه، لم يكتف بنقله إلى قلبه بل عاشه واقعا ملموسا، فعمل به وحرَّض غيره على العمل به.


أتقن العمل على الشبكة العنكبوتية، وساهم بفعالية عبر المنتديات الجهادية، وخلال فترة وجيزة تعلَّم المونتاج، وبدأ ينتج الاسطوانات الجهادية الدعوية، التي توضِّح كفر الطواغيت وتدعو لنصرة المجاهدين، وبدأ برفعها عبر المنتديات الجهادية، ونشط في إعادة رفع ما يقع تحت يديه مما يناصر به إخوانه ويدفع عنهم، وبذل كل طاقته في نصرة المجاهدين قبل نفيره، كما بذلها بعد نفيره تقبله الله.

أبو عبد الله المناري ولد في مدينة "بريدة" في الجزيرة العربية عام 1414 للهجرة، ونشأ وتربى في بيت صالح -نحسبه كذلك- كانت سمات الجِد والمثابرة واضحة في شخصيته منذ صغره، أحب طلب العلم وقصد حلقات التحفيظ في المساجد، غير أن تلك الحلقات لم تشبع نهمه للعلم، لقلة الجديّة فيها وندرة الدروس، فحاول الاستعاضة عنها بدروس العلماء وتسجيلاتهم الصوتية.

لم يقتصر حب أبي عبد الله للعلم على العلم الشرعي، بل تجاوزه إلى فنون الحاسوب والبرمجيات، فتعلم التصميم، ثم التصميم ثلاثي الأبعاد، والبرمجة، وقطع فيها شوطا طويلا، وكان السبب الأكبر لتنقله في عدة مجالات محاولته تعلُّم أي شيء ينفع إخوانه في درب الجهاد، فلما بلغ قرابة السادسة عشرة من عمره قرر مع بعض صحبه صناعة بعض الاسطوانات الدعوية ونسخها وتوزيعها على الناس، يدعون فيها لنصرة المجاهدين ويوضحون كفر الطواغيت، وعندما تم الأمر رأوا أن فيها خيرا كثيرا، فقرروا نشرها على شبكة الإنترنت، وتم ذلك على المنتديات الجهادية.

وفُتح لأبي عبد الله باب واسع لنصرة المجاهدين بدخوله في نصرة الجهاد على الانترنت، وصارت حياته كلها في هذا الباب، فجدَّ في عمله أيما جد، وكرس جلَّ وقته مع المناصرين، فكان يلتمس حاجة إخوانه، وما إن يرى ثغرا حتى يسعى لسده قدر إمكانه، وكان يحرص على العمل الخفي قدر المستطاع، فغالب عمله كان في الظل.


• شغفه بطلب العلم الشرعي:

وخلال هذه المسيرة كان يقع على بعض المسائل الشرعية فيبحث عمن يستفتيه فيها فلا يجد، فأيقن أن لا غنى له عن طلب العلم، وعاد إليه حب طلب العلم الشرعي مرة أخرى، فأكثر القراءة في جميع الفنون، وكان لا يسمع بدرس أو دورة شرعية إلا كان من أول من يحضرها، ومن شدة نهمه لطلب العلم، فقد كان يصحو وينام بين الكتب، مستعينا بحاسوبه على ما لا يجده مطبوعا منها، ففتح الله عليه، ثم اجتهد في حفظ القرآن الكريم.

ومرة -بعد نفيره- مرض مرضا شديدا، فكان يحاول أن يقرأ، فإن لم يستطع القراءة تحول إلى سماع الدروس الصوتية، فإذا أنهكه التعب يأخذ النوم منه مأخذه، وهو يستمع للدرس، لكنه ما إن يصحو حتى يمد يده لجهازه ليعيد الدرس من بدايته، أو لمتابعة قراءة كتاب كان قد توقف عنده.

ومن قصص شغفه بطلب العلم أنه كان يوما في نزهة مع بعض إخوانه، وأثناء تجاذب أطراف الحديث سأله أحد رفاقه أن ينصحه بكتب ليقرأها، فأخرج قلمه ليكتب له أسماء بعض الكتب، فلم يجد ورقة، فظل يبحث حتى أُحرج صاحبه من الأمر، فلما لم يجد ما يريد أخذ قطعة ورق مقوى وجدها على الأرض، وظل يكتب عليها قرابة نصف الساعة، فكتب قائمة طويلة بأسماء الكتب في كل المجالات، ووضع له تسلسلا من أين يبدأ، ولأي مرحلة ينتقل، كل هذا طمعا بأن يتجه صاحبه لطلب العلم.

وخلال وجوده في الجزيرة كان يتنقل بين المشايخ لطلب العلم، ولكن أتعبه أن أغلب من تصدَّر للتدريس إما من "المرجئة" أو "السرورية"، فكان يقصد من يرجو منه خيرا، فيرى منه ما يسوؤه، فتأخذه الغيرة على دين الله فيهجر مجلسه، وهكذا، وكان -تقبله الله- يمقت حال كثير من طلبة العلم في الجزيرة (السرورية وأشباههم)، وما آل إليه أمرهم من طلب العلم للعمل به، إلى طلب العلم دون عمل، وغاية ما يصل إليه هو أن يفتتح حلقة جديدة للتدريس أو يؤلف كتابا جديدا يرفع به اسمه، وكذلك حالهم مع تقديس مشايخهم مهما ارتكبوا من موبقات.

ولما بلغ قرابة الثامنة عشر من عمره جاءه أحد رفاقه وأبلغه أنه وجدا طريقا للنفير لليمن، فسأله إن كان يود النفير معه، ورغم أن الأمر جاء بشكل مفاجئ إلا أنه أجاب بلا تردد: "وما عذري أصلا في القعود حتى يكون في الأمر اختيار؟"، وقد كان موعد النفير بعد عدة أيام فقط، ولكن لأمر أراده الله لم يتيسر لهم الأمر، فأشعل هذا الموقف رغبته باللحاق بالمجاهدين، ولم يتيسر له ذلك حتى بدأ القتال في الشام.

• عمله على فكاك الأسرى:

بدأ القتال في الشام مع بداية الثورات في عدد من البلدان، فصاحب هذا نوع من الانفتاح في جزيرة العرب، لخوف الطواغيت من انقلاب الأمر عليهم، وبدأ خلالها العمل على فكاك الأسرى، فكان أبو عبد الله من أوائل من بدأ العمل، وكان ينبِّه كل من يعمل معه أن هذه خطوة أولى لإزالة الطواغيت، وقدَّر الله أن يؤسر عدة مرات، حيث أودع في السجن في إحدى المرات قرابة الشهرين، وكان في نفس الوقت يبحث بشكل جاد عن سبيل للعمل العسكري داخل الجزيرة.

وكان مما يميِّز مسيرة حياته الجدية والوضوح، فكان لا يدخل في عمل إلا بعد تحديد هدفه، ووضع الجدول الزمني لتنفيذه، واتسمت تلك الفترة بتسهيلات من قبل الطواغيت للتجمعات على غير المعتاد ليجعلوها مصيدة للموحِّدين، اقتداء بسياسة طواغيت الأردن، فكانت تلك التجمعات تحت أعين أجهزة الأمن المرتدة، فاستفادوا منها فائدة لا تقدر بثمن، ومن الضيق والغربة التي كان يعانيها أهل المنهج في الجزيرة وقعوا في الفخ سريعا، فلا تمر عدة أيام إلا وهناك اجتماع جديد، تأتي فيه وجوه جديدة، وكان الطواغيت يراقبون التجمعات بكثافة لدرجة أنهم زرعوا كاميرات تصوير عند كثير من تلك المواقع، فصوروا جميع من كان يحضرها دون استثناء، وهذا الجو سلبي مع وجود فائدة قليلة فيه إلا أن الضرر كان أكبر بكثير.


• النفير إلى الشام:

فتجنَّب أبو عبد الله هذه التجمعات لما رأى من انعدام للفائدة فيها، وقرر حينها النفير إلى الشام، ولكن لم يتمكن من ذلك بسبب أن عمره لا يسمح له باستخراج جواز سفر، فنفر أصحابه وبقي يبحث عن طريق للنفير، وأفرغ جهده في ذلك ولكن لم يكتب له إلا بعد قرابة العام، وكان ذلك قبيل ظهور صحوات الشام بـ 3 أشهر، ويسَّر الله له الهجرة إلى الشام حيث وصلها بعد انشقاق "الجولاني" وزمرته عن دولة الإسلام بفترة قريبة، وكان الجو مشحونا حينها، فقابل فور وصوله أحد أصحابه ممن كان يطلب معه العلم، فحاول صاحبه إقناعه مباشرة بتجنب مبايعة الدولة الإسلامية وقال له: "تعرف الشيخ الفلاني، كلمته بنفسي فحذرني من الدولة"، -وقد كان هذا ديدن بعض أهل الضلال والعياذ بالله، الطاعة العمياء لأحبارهم-، فقال له أبو عبد الله مباشرة: "لو كنت سأسمع كلام هذا الشيخ ما رأيتني هنا في الشام"!، فبهت صاحبه من جوابه، وكانت هذه الحادثة فراقاً بينهما، رغم العلاقة الوطيدة التي كانت تجمعهما.


• مرابطاً في حلب:

فتح الله على أبي عبد الله في هذه المرحلة، وبادر إلى مبايعة أمير المؤمنين تقبله الله، وبدأت غزوة الفتح في ولاية حلب، فذهب للمشاركة فيها، ثم بدأ غدر الصحوات بجنود الدولة الإسلامية، وهو مرابط في "خان العسل" في الريف الغربي لحلب، فلم يتردد في قتال الصحوات إلى جانب إخوانه وثبت معهم بفضل الله وهدايته.

وبعد انجلاء المحنة انتقل أبو عبد الله إلى مدينة "منبج"، فعمل في أحد الأعمال الإدارية، حتى بدأ الجهاد ضد ملاحدة الأكراد في ريف "عين الإسلام"، فشارك في عدة معارك وبقي في الرباط فترة طويلة، انتقل بعدها للعمل في الإعلام الداخلي في ولاية حلب، وكان اهتمامه بهذا المجال كبيرا جدًا فبذل جهدا مميزا فيه، يدير النقاط الإعلامية ويوزع المنشورات والمطويات والكتب، وقد بذل كل ما يستطيع، فكان إذا تأخر عليه المال من إخوانه دفع من ماله الخاص حتى لا يتوقف العمل.

تزوج -تقبله الله- خلال هذه الفترة ورزقه الله مولودة، وقد حرص على الزواج تنفيذا لوصية رسول الله للشباب، وكذا رغبته في ترتيب وقته لاستغلاله في طلب العلم، وانتقل بعدها إلى العمل في الدعوة، ثم عاد إلى الرباط حبا فيه ورغبة في التفرغ للقراءة والحفظ، فرابط في الريف الشمالي لحلب فترة طويلة، فكان يقوم على رباطه ثم يعود لغرفته منكبا على كتبه، وكان نادرا ما يجلس دون قراءة كتاب أو الاستماع لدرس، وقد كان يلوم إخوانه كثيرا على عدم استغلال أوقاتهم، ويفرح أشد الفرح إن أبْدا أحدهم اهتماما بالقراءة وطلب العلم، فيحرص على صحبته ويعلمه ويعطيه بعض الكتب والدروس، ويتابع معه حتى لا ينقطع عنها، وشارك خلال رباطه في تلك الفترة بعدد من المعارك أهمها اقتحام قرية "كفرة".

بعد عدة أشهر انتقل للعمل في مركز الحسبة، وعمل فيها على إعطاء الدورات والدروس، وكذلك إعداد البحوث الشرعية، وكانت غيرته على دين الله كبيرة، فلا يترك منكرا إلا أنكره مع كونه صاحب حياء شديد، وكان يجاهد نفسه في ذلك، ومع بدء الحملة الصليبية على منبج كان أبو عبد الله خارج منبج بعمل وقد أغلق الطريق قبل أن يعود، فكان الأمر شديدا عليه، حتى أنهك جسده من شدة الهم كونه خارج الحصار لا داخله.

• يكتب للنبأ:

بقي في عمله بمركز الحسبة في حلب، فعمل في مدينة الباب حتى انحياز المجاهدين منها، ومع عمله في الحسبة كان يبذل جهدا مشهودا في العمل مع إخوانه في الإعلام، فلا يمر أسبوع إلا وكتب لإخوانه بما يفتح الله له من فكرة أو نصيحة أو غير ذلك، وكان أحد كتاب صحيفة "النبأ" فكتب كثيرا من المقالات الشرعية والدعوية، ومع كل هذا فقد كان شديد الإخلاص -كما نحسبه-، فقد كان يكتب المقالات ولا يعلم أقرب الناس إليه عن عمله هذا، بل لم يكن يسأل أو يبحث أنُشر المقال أم لا، فيكتب المقال ويرسله ويقول: "إن رأيتم فيه خيرا فانشروه".

كان آخر عمله في مركز الحسبة في ولاية الخير، ثم انتقل بعدها إلى إحدى الكتائب العسكرية، وفي ليلة الأثنين 25/4/1439هـ كانت آخر ساعاته، صلى العشاء ثم التفت وقال لأحد إخوانه: "ذكرنا بالله "، فاستغرب منه الأخ، فلم يكن هذا من عادته وأصر عليه أن يتكلم هو، فأبى أبو عبد الله وقال: "في مرة قادمة بإذن الله"، فتحدث الأخ عن التقوى قليلا، وتناول العشاء مع إخوانه بعد الصلاة، ثم أبلغه أحد الإخوة أن هناك غزوة محتملة هذه الليلة، فارتدى جعبته وحمل سلاحه، فطلب أحد الإخوة منه أن يبقى، وقال: "نرسل أحدنا للتأكد إن كان هناك غزوة فعلا أم لا"، فأصر أبو عبد الله على الخروج، وقال: "إن لم تحصل الغزوة لعل الله يكتب لنا أجرها ثم نعود".

وبعد خروجه -تقبله الله- من بيته انتهى وقود السيارة التي كان يستقلها، فتوقف على جانب الطريق، فرصدتهم طائرة التحالف الصليبي، ثم استهدفتهم، فقتل أبو عبد الله وأحد رفاقه -تقبلهم الله-، نحسبهم أن قد نالوا أجر هذه الغزوة التي لم تحصل، قتل -تقبله الله- وكان من آخر كلامه نصحه لإخوانه بالثبات، ودعوته لهم بهجر مجالس المخذِّلين والمرجفين، وقال لهم: "لا تستغربوا من كثرة المتساقطين، إنما هي دائرة البلاء كانت واسعة وهرب إلى داخلها من في قلبه مرض، وقد ضاقت بأمر الله حتى لن تبقي فينا إلا من يثبِّته الله، فنسأل الله أن يستعملنا ولا يستبدلنا".

نسأل الله أن يكون ما تعلمه وقدمه سلما يرتقي به في درجات الجنة، وأن يلحقنا به ثابتين غير مبدِّلين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 135
الخميس 22 رمضان 1439 ه‍ـ