مقال: الرايات العمية منذ بداية القتال في أفغانستان ومن بعده في العراق تكاثرت المسميات من فصائل ...

مقال: الرايات العمية


منذ بداية القتال في أفغانستان ومن بعده في العراق تكاثرت المسميات من فصائل وجماعات وأحزاب وتيارات، تعددت أهدافهم وغايتهم ووسائلهم، كل منهم اتخذ سبيلاً للوصول لهدفه المنشود، دون أي مبالاة بتوافق سبلهم ووسائلهم أو حتى غاياتهم مع الكتاب والسنة.

فمن الناس من اتخذ الديموقراطية الشركية والعملية السياسية طريقاً لتحقيق مراده من راحة ودعة، ومن الناس من اتخذ الوطنية والقومية شعاراً له يقاتل من أجلها وفي سبيلها واضعاً نصب عينيه اعتراف دولي وبقعة جغرافية باسم قوميته، يبذل من أجلها نفسه ومهجته.

وآخرون يقاتلون من أجل استحصال حفنة دراهم يقتاتون عليها غير مبالين بغاية أو هدف غير مصلحة آنية كالبهائم لا تسعى لغير شهواتها، فيستخدمون كل فكرة أو معتقد ليكسبوا من وراءها فلا بأس أن يتستروا خلف شعارات قومية أو وطنية أو حتى شعارات إسلامية لا تتعدى أطراف القماش الذي رفعوه فوق مقارِّهم، لجذب الانتباه وطلباً للدعم المادي والبشري.

ومن تلك الجماعات والتنظيمات من بدأ بتوجه إسلامي بمسافات مختلفة من الحق بعداً واقتراباً، فسار بعضهم في طريق الحق واجتمع مع الصادقين ليقيموا شرعة الله ومنهاجه على أرضه واقعا غير مكتف بالشعارات، {كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ }، وخلافاً لمسار الحق سارت جماعات وفصائل أخرى فاتبعوا أهوائهم وبرروا الوسائل بالغايات، وتوهموا المصالح وعدوا الأذى في سبيل الله مفاسد، فتنازلوا شيئاً فشيئا عن ثوابتهم التي أعلنوها عند انطلاقهم لتجنب معارك تارة أو جلب دعم تارة أخرى أو نيل حاضنة شعبية بسخط الله، حتى انتهى بهم المطاف وقد أصبحوا شر الحثالة وأرذل القوم فكانوا حذاء ينتعله الطواغيت الداعمون ثم إذا ما انتهى دورهم رموهم وتخلصوا منهم بنفس الدعاوى التي تمصلوا من دينهم ليتجنبوها فخسروا الدنيا والآخرة، وقد رأى هذا كلُ متابع ومنصف لأحوال الجماعات في الشام و ليبيا و من قبلها في العراق، ففي كل من هذه البلدان ظهرت فصائل ورايات مختلفة الأهواء والمقاصد متعددة الأفكار والمشارب، ثم أغريت بذهب المُعِز تارة وتارة بسيفه كما قيل:

ولتشهدن بكل حي فتنة *** فيها يباع الدين بيع سماح
يفتى على ذهب المعز وسيفه *** وهوى النفوس وضلها الملحاح

فكم تحولت جماعة تدّعي الجهاد من أجل تحكيم شرع الله إلى جماعة مارقة وُظِّفت من قبل الطواغيت لخدمة المشاريع التي يسعَون لتنفيذها في المنطقة، ولا أدل على ذلك من الانحرافات التي وقعوا فيها من تعطيل حكم الله في كل منطقة سيطروا فيها، فتعاونوا مع مجالس وهيئات محلية مدعومة جهاراً نهاراً من طواغيت الدول المجاورة، وفتحوا صدورهم لجنود الطواغيت وتلقوا الدعم منهم، ودخلوا غرف العمليات وتحالفوا مع أعدائهم بالأمس معهم لقتال جنود الخلافة أعزها الله.

وإن مما يدمي القلب أن هذه الصورة تتكرر في كل بلد وفي كل مرحلة حذو القذة بالقذة، فيناديهم أهل الصلاح ممن خاض وجرب وعرف النتائج وعلم الغايات، أن أفيقوا من سكرتكم قبل أن تهووا في مهاوي الردى، فيردون عليه بالسباب والشتام ويرمونه بداء العجلة والتهور وسوء التدبير، فإن دعاهم إلى التوحد كما أمر الله نأوا بأنفسهم، كل يظن أنه على شيء، فينتهي بهم الحال وقد توحدوا مع المرتدين في نهاية مسلسل تنازلهم والذي بدأ معهم برفضهم التوحد تحت راية الخلاف.

قال أمير المؤمنين أبو بكر البغدادي تقبله الله (فيا جندي فصائل الصحوات في الشام، أما آن لك أن تدرك ما يجري حولك؟!، وإلى أي حال يقودك قادتك وجلاوزة فصيلك؟!، لقد خدعوك وأغروك بنصرة أهل السنة في الشام بعد أن ادعو مفارقة ومنابذة الطاغوت النصيري، واليوم يصالحونه ويقفون معه صفا واحدا في قتال دولة الخلافة كما جرى في حوض اليرموك وبادية السويداء، فأين عقلك يا جندي الصحوات؟!، أين قلبك إذ عمي بصرك؟!، انظر مليا وتفكر فقد وضح الأمر وانكشف الغطاء!، أين شرع الله وتطبيق أحكامه فيما يسمونه المحرر الذي بات يسلم للنصيرية وإيران والروس دون قتال يذكر؟!، فاعلم على أي شيء تقاتل، نعم على أي شيء تقاتل؟!، وقد أضحيت ممن يزهق نفسه تحت راية عميه جاهلية!، (روى الإمام مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم من قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية).


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 147
الخميس 3 محرم 1440 ه‍ـ