ماذا تعلمتُ من مدرسة الحياة. في ظل العقيدة الإيمانية تعلمنا أن الحياة مدرسة تعلمنا منها الكثير ...

ماذا تعلمتُ من مدرسة الحياة.

في ظل العقيدة الإيمانية تعلمنا أن الحياة مدرسة تعلمنا منها الكثير منذ نزولنا على ظهر هذه الأرض إلى لحظة الرحيل الأخير.
الحياة تلك المعلمة التي تصفعنا بتجاربها وخبراتها لا نملك حق الدفاع أو الرد, وتتوالى الصفعات والضربات وتترك آثارها على أجسادنا, وتغرس جراحها داخل أعماقنا, لتسكن الذات الوجداني وتترسخ في الذاكرة.
إنها لعبة الحياة ومحطاتها, الكل يمر بها بحلوها ومرها, ترتسم في القلوب وتترسخ في الأجساد, اتترك للجميع دروسا وعظات, ونرى بصماتها على أطلال الأماكن, وفوق جدران الأسوار.
الحياة معركة نساق إليها بدون تهيئة ولا استعداد, و ليس هناك مقياس للتكافؤ ندخلها مرغمين, ونخوض غمارها مجبرين, ونرحل عنها بلا إرادة, لا نعرف حجم الضغوط التي ستواجهنا ولا ندري ما هي معايير وشروط الاستمرار, وفي كل الحالات نحن مسيرين بمالك الحياة وخالقها ومجبرين على خوض غمار التجربة ومرغمين على البقاء بين التيارات المتدافعة, لا توجد فرصة للهروب أو التراجع!! وقد لا نجد من ينتشلنا إذ قست علينا التيارات العالية, وتضاريس الطبيعة؛ لان الكل مشغول! وغارق وسط الأمواج المتلاطمة!.
ومن هذا لا نفهم أن الحياة كلها ضغوطات وبلاياء, أو محن ورزايا, وننسى أن الحياة لها مسير يسيرها وفق نظام محكم, وصورة متقنة, فلا ننظر إلى الحياة بعين التشاؤم ونترك النظر بعين التفاؤل الذي نبصر بها أن الحياة فيها الجمال الطبيعي, وفيها أماكن العبادة المريحة, وفيها ألوان النعم المتدفقة التي تفاض علينا ليلا ونهارا, بل وفيها أجل الجمال الروحاني إنه الإيمان برب الحياة المطلق..
فالحياة مدرسة لكل من يضع قدمه فيها, وهي مدرسة مفتوحة على مدار العمر, تلقي لنا امتحانها ثم على قدر الامتحان يتبين لنا الدرس, وعلى قدر فهمنا للدرس تتبين درجة كل تلميذ من تلاميذها.
ومن تلك الدروس التي تعلمتها أنا من مدرسة الحياة وأظن أن الكل قد تعلمها أو تعلم غالبها.
تعلمتُ في مدرسة الحياة أن الحياة عبارة عن مدينة غامضة مليئة بالمفاجئات وهي مغلقة بإحكام بقفل الغيب المستور, ولا أستطيع فتح هذا القفل إلا بمفتاح الإيمان بالله والتوكل عليه؛ وهذا أعظم درس تعلمته من مدرسة الحياة.
تعلمتُ في مدرسة الحياة أن أحلّق في سماء الحياة الصافية, وأتمتع بجمالها, وأشمُّ عبيرها, وأنظر بعين التفاؤل إلى رونق الحياة شاكرا نعمة الوهاب على نعمة جمال هذه الطبيعة الخلابة..
تعلمتُ في مدرسة الحياة أن للحياة معنى يكمن وراء الصلاة والدعاء والتسبيح ولاستغفار بل واشمل من ذلك أنه يكمن وراء العبادة المحضة لله رب الأرض والسماوات, فمن أدى ما عليه لله من العبودية رأى ذلك المعنى للحياة بوضوح, وعكس ذلك فلا حياة لمن خرج عن محراب العبودية..
تعلمتُ في الحياة أننا بشر ضعفاء ومقصرون يعترينا النقص والخطأ والسهو والنسيان ومع كل هذا رحمة الله أوسع لذنوبنا من مشرق الشمس إلى مغربها, علمتُ أنه غفر لبغي من بغايا بني إسرائيل؛ بسبب غرفة ماء لكلب عطشان, وغفر لرجل قتل مائة من البشر ومع هذا غفر له, وطالب المشركين بالتوبة ليغفر لهم, فعلمتُ سعة رحمة الله وأننا نأوي إلى ركن شديد..
وتعلمتُ أن أنظر إلى أمور الحياة وقضاياها نظرة الصقر عندما يحلق فيرى الأمور متكاملة الصورة ولا أنظر إلى الأمور نظرة الديك الذي لا يرى إلا ما بين رجليه.
وتعلمتُ أن أعز صديق لي في الحياة هو كتاب الله تعالى, فكلما شعرتُ بالضيق والاختناق في الحياة عدتُ إليه؛ فأجد ورب الكعبة من الانشراح والسرور ما لا أقدر على وصفه, ووجدتُ نفس الشعور في تصفحي للكتب المتعلقة بالدين والإيمان..
وتعلمتُ أن الحياة فشل ونجاح, فلا يعوقك الفشل ولا يغرك النجاح، فقد يتبع الفشلَ نجاحٌ وقد يتبع النجاحَ فشلٌ, لكن عليك أن تتخذ من الفشل طريقاً للنجاح, وعليك أن تتخذ من النجاح تواضعاً لحصد المزيد منه.
وعرفتُ أن في الحياة لا يدوم حال على حاله, بل الحياة تداول, يوم نجد فيه يسرا ويوم نجد فيه العسر, ويوم نفرح ويوم نحزن, ويوم نضحك ويوم نبكي, فعلمتُ أن العسر لا يدوم وأن هناك يسران خلفه, وأن البلايا لا تبقى وأن هناك هدايا تنتظرنا خلف تلك البلايا والمصائب, فارتاح قلبي من هذا الميزان العادل الذي لا يخطئ..
وعلمتُ أن رزقي لا يأخذه غيري فأطمأن قلبي.. وأن عملي لا يقوم به غيري فاشتغلتُ به وحدي.. وعلمتُ أن الله مطلع عليً فاستحييتُ أن يراني على معصية.. وعلمتُ أن الموت ينتظرني فأعددتُ الزاد للقاء ربي..
من الحياة مدرسة تعلمتُ أن الشر والخير خطان متوازيان لا يتقابلان, وان طريق الخير محفوف بالمخاطر, ومحاط بالعراقيل, والصعاب التي تعرقل خط سيرنا وتكون سبب في انكسارنا وفشلنا, ولكن مواصلة الطريق تتطلب صبر وقوة وتحمل وعزيمة وإصرار, والنهاية تكون دائماً مشرقة, وأكثر النهايات هي مصدر للطمأنينة والسكون وراحة البال..
رأيتُ أن الناس ليسوا على صعيد واحد, فإن رأوني كثير الكلام قالوا بدون أخلاق, وإن رأوني صامتا قالوا في رأسه وساوس, وإن رأوني فقيرا قالوا أصبح عالة على الناس, وإن رأوني غنيا قالوا أموال محرمة سرقها, وإن رأوا عبادتي قالوا مطوعي كذاب وشخص مرائي, وإن أخفيتُ عبادتي قالوا عاص لله, وإن رأوني أنفق قالوا يريد المدح, وإن رأوني أطلب قالوا شحات متسول, وإن رأوني كثير الاختلاط بالناس والمجالس قالوا لقد تغير ليس هو الذي نعرفه بأدبه وأخلاقه, وإن رأوني معتزلا لحالي قالوا مجنون.. فأدركتُ أن رضاء الناس غاية لا تدرك, فاخترتُ العزلة والابتعاد عنهم قدر الاستطاعة..
تعلمتُ من مدرسة الحياة أن الشجرة المثمرة هي التي تتعرض للرجم, ومهما أعطينا البعض مما نملك فإنه حتما سنكون أول المرجومين منهم, فعلمتُ أن المال وكل ما نملكه لا يبقى وسيزول يوما ما, فتركته, ولم أبال به في أي وادٍ هلك, وعلمتُ أن ما يبقى وسيخلد في ذاكرة التاريخ هي تلك العطايا التي وهبتها للناس بإخلاص, وتلك الكلمات الطيبة وتلك البسمات المشرقة وتلك المواقف الخالدة, هي التي تبقى وهي التي تنفع, فاتجهتُ إليها تاركا خلفي حجارة الراجمين, صابرا محتسبا الأجر من الذي لا يغفل ولا ينام..
وتعلمتُ في الحياة أن الحق ضالة المؤمن, أين وجد الحق أخذ به من أي مخلوق كان, وأنه ليس كل ما يجمع الناس عليه يكون دائماً صواباً أو حقاً.. فقد يكون الصواب والحق أحياناً مع القلة، فجعلتُ لنفسي ميزان الكتاب والسنة فما وافقهما أو أحدهما أخذتُ به ولم أبالِ من أي جهة جاءت به الرياح..
تعلمتُ أن الأرض قد وطأها قبلي ملايين البشر وكل منهم قد أخطأ وأصاب, فجعلتُ لنفسي تاريخهم تجارب وعبرات, وكل حدث معهم أخذتُ منه ما ينفعني في دنياي وآخرتي, واجتنبتُ منه ما يضرني أو يضر ديني..
وتعلمتُ في الحياة فائدة العيش مع الأهل والأصدقاء والأقارب, وعلى رأسهم الوالدين فإنهما هما من أنارا لي طريق الحياة بعد الله تعالى, الوالدين لهم حقٌ في عاتقي ما داما أحياء, فإني دائما وأبدا أدعو لهما بالخير العاجل والآجل.
وتعلمتُ في الحياة أن الصفات الطيبة والسلوك الحسنة هي التي تقربني إلى الله, وتحببني إلى خلقه..
وتعلمتُ درس المشورة في الحياة, لا أقبل على عمل وأنا لا أدري عواقبه إلا استشرتُ الله تعالى في صلاة الاستخارة, واستشرتُ أهل النصح المحبين للخير أصحاب التجارب في الحياة..
وتعلمتُ أيضا أن الكذب حبله قصير, وأن الصدق ذو حبل متين ممدود إلى آفاق السماء لا ينقطع ما دمتُ متيقن من حقيقته, وكل ما سبق والله إنها دروس تعلمتها بنفسي من مدرسة الحياة في ظل عقيدتي الربانية, وهناك آلاف الدروس غير التي تم ذكرها آنفا إلا أني اكتفيتُ بهذه كي تكون لي عنوانا ونبراسا ولغيري عظة وتجارب مسبوقة, وليعلم كل إنسان أنه في الحياة ليس لحاله بل هناك أقوام قد داسوا بأقدامهم على هذه الأرض وأنا واحد منهم..

📙📙مدرسة الحياة.
🖋🖋أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي، غفر الله له ولوالديه.