مقدمة كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان. الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور ...
مقدمة كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان.
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدِ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا.
أشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهدُ أن محمدا عبده ورسوله, الداعي إلى رضوانه, مرشد الناس إلى السعادة, ومبيّن لهم طريق الوقاية, من الأحزان والهموم والشقاوة, صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه, ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
أما بعد.
يقول الله –تعالى- في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}().
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}().
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}().
أما بعد.
لقد نظرت في واقع الناس حديثا فتعجبت لأحوالهم، يشكون ويحملون هموما, وألآماً و وأحزان.
وجدت منهم من يشكي ألم الوجع في بدنه, ومنهم من يشكي ألم الأعصاب في جسده, ومنهم من يشكي ألم المعدة والقرحة في بطنه, ومنهم من يشكي همّ الفقر في عيشه, ومنهم من يشكي همّ غلاء الأسعار في بلده, ومنهم من يشكي قلة حصوله على رزقه, ومنهم من يشكي ضيقاً في صدره، ومنهم من يشكي عدم الراحة في قلبه, ومنهم من يشكي قلة مرتّبه، ومنهم من يحمل همّ الوظيفة، ومنهم من يحمل همّ الدراسة, ومنهم يشكي همّ الأسرة, ومنهم من يحمل هموم الخوف والرعب في أمنه.
فلم أطق أن أرى هؤلاء الأحباب وهم غارقون في بحر الدموع, وفي نهر الكد، وفي أرض العسر، وفي جوّ الهموم؛ لذا رأيت سدّ ذلك بما استطعت جمعه وتأليفه، وترتيبه وتهذيبه، ليكون منار هدى، وخزانة مملوءة بما لذ وطاب من غذاء القلوب والأرواح، وسلسبيلاً يزيل العطش والظمأ، وحادياً يحرك القلوب والجوارح، ويشوقها للعبادة، ويبعثها للطاعة، ويدفعها للتوبة من المعاصي, ولعلي أفتح لأحبابي باب الفرح والسرور, باب السعادة والأمان.
لعلي أبدّل حزنهم إلى سعادة، وبكائهم إلى فرح، وضيقهم إلى فرج, وعسرهم إلى يسر, وخوفهم إلى أمن.
فأسميت كتابي هذا: "دروب السعادة, وكسر شوكة الأحزان" كتاب يُفرِح الباكي, ويُسِعد الحزين، ويَسرُّ الكئيب، ويؤمّن الخائف، ويُيسر المعسر، ويشفي العليل.
كتاب جميل ورائع, ومفيد لمن طالعه.
ما إن يقرأه القارئ إلا ويتحرك قلبه شوقا لإكماله.
ما إن يقرأه القارئ إلا ويُخبِر من حوله بالسعادة التي لاقاها.
من إن يقرأه القارئ إلا وتتحرك مشاعر الحسِّ فيه، لسان حالها: أمامك حياة جديدة فانطلق، حياة طيّبة, حياة نقيّة.
ما إن يقرأه القارئ إلا ويقول: أين كنت؟! مع من كنت؟! وكيف عشت؟!.
هذا الكتاب يقول لك: أبشر واسعد، وتفاءل واهدأ. بل يقول: عش الحياة كما هي، طيبة رضية بهيجة.
هذا الكتاب يصحح لك أخطاء مخالفة الفطرة، في التعامل مع السنن والناس، والأشياء، والزمان والمكان.
فهو كتاب جدير ورائع، ينقل صاحبه من ظلمات الهموم إلى نور السرور. يرشد الضال, ويهدي الحيران, ويسر الحزين, ويؤنس الوحيد, وينصر المظلوم, ويبصّر الأعمى, ينزل على القلوب فيجلّيها, وينزل على النفوس فيطمئنها، وينزل على الصدور فيشرحها, وعلى الوجوه فينوّرها, وعلى الأفواه فيُضحكها.
يُبعد عن القلوب رآنها, وعن الأبصار غشاوتها, وعن الآذان صممها.
ينقل القارئ من دار إلى أخرى، ومن حياة إلى ثانية, ومن ذلّ إلى عز، ومن هيانة إلى كرامة، ومن عسر إلى يسر, ومن ضيق إلى فرج, ومن فقر إلى غنى, ومن حزن إلى سعادة.
فهو كتاب خاطبتُ فيه القلوب، ووجهتُ إليها الأسئلة, ونظرتُ به إلى الواقع، ولامستُ به حسّ المعيشة.
ضربتُ به الحزن, والكدر, والضيق, والهمّ, والغمّ, والخوف, والفقر, والشدة, والعسر، فأصبت الهدف، وحققت الغاية، بسلاح الفرح والسعادة.
لا تقل لي يا من تقرأه, وتتطالع فيه وتتأمله, كررتَ فيه وأطلتْ, وأكثرتَ فيه وما اختصرتْ!! أقل لك: هذه طريقة القرآن المدني, آياته سهلة ليّنة, مشرعة وموضحة, وآياته مطوّلة, وأحيانا مكررة, وبلاغته معجزة, وأحكامه ميسرة ومختلفة.
وإنك سترى ما في الدرب الواحد من إطالة وتنويع وتوضيح, ما ترى أنه لو كان مفرقاً لكان أحسن؛ ليسهل قراءته والعمل به، ولكن هي أيضاً طريقة القرآن في السور والآيات، أحكام مختلفة، وسنن متنوعة، جمعها الله في سورة واحدة، أو آية واحدة، لنفس واحدة، وهذا كما أنه موجود في العقليات فهو موجود في الحسيات كذلك.
فإنك ترى بلا تكلف أنه يجمع لك ألوان الطعام في صحن واحد، وتقدم لك ألوان الفواكه في سلة واحدة، فتقبل ذلك النفس وتتلذذ به، ويتغذى بذلك البدن، ويولد فيه كامل الطاقة البدنية.
وكذلك العلوم والمعارف يستقبلها العقل، ويتلذذ بها على اختلاف أنواعها، ثم يحولها إلى القلب، ثم يدفعها القلب طاقة علمية وعملية إلى الجوارح، فجمع العلوم في الذهن كجمع ألوان الطعام في البطن، كلاهما شهي يولد الطاقة بحسب طيبه ونفعه.
هذا يولد الطاقة البدنية .. وذلك يولد الطاقة العلمية والعملية.
وإني مشيتُ في الأرض الطيبة فأخرجتُ ذهبها, وغصتُ في بحرها فاغترفتُ أعذبها, واستخرجتُ حليّها, ولؤلؤها وجوهرها, فأهديتها إليك وأغثتك بأعذب ماءها, وتركتُ المياة المالح ماءها, حتى لا تشرب وتختنق بملحها, وجريتُ في أنهارها, فاغترفتُ لك أصفاها وأنقاها, وتجولتُ في بساتينها, فقطفتُ لك أجمل زهرها, وأطيب ريحها, والناضج من ثمرها, والحلو مذاقها, فأهديتُ لك هذا الكتاب من بين سائر الكتب, وأخذتُ الّلب من كل الكتب, وكان جمعه تعب في تعب, وحروفه من ذهب, فالبسها حتى تُسرُّ وتسعد, وماؤه نقي عذب, فاشرب منه حتى لا يرهقك العطش والتعب, وريحه من خالص الزهر الأبيض, وثماره من الثمر الأجود, فتذوقه فمذاقه أحلى وأطيب.
وهو كتاب طيّب الرائحة, لذيذ الطعم كثيرٌ الفائدة, مبعثر الترتيب تُسعد قراءته, لا يملُّ قارئه, ولا يضجر سامعه, ويفرح ناشره.
ولولا أنه لا بد لكل شيء من مسمى, ولكل مجموع من جامع, ولكل مرسوم من راسم, لتكمل الفائدة بالمقروء والمسموع, وتتم النصيحة في الزلل والخطأ, ويحصل الاتصال بين الكاتب والقارئ, ويتحقق التعاون على البر والتقوى, لولا ذلك لما قلدناه وأشعرناه بما يدل الناس علينا, ويجعلهم ينسبون تأليفه وجمعه إلينا.
وقد جمعته من القرآن الذي هو شفاء كل علة, ونور كل ظلمة, وسعادة كل غمة, ويسر كل عسرة, وفرح كل بكية, وفرج كل ضيقة.
ومن السنة المطهرة التي يقودها أفضل قدوة، وقدوة كل قدوة، وخير من أُسْعِد قلبه.
ومن أقوال الصحابة بعد الأنبياء هم أفضل البشرية. ومن أقوال أهل العلم أهل السنة الأثرية, لكل منهم مواعظ وكلمات جامعة نافعة، قطفت من أزهارهم، وجمعت من ثمارهم، واقتبست من أنوارهم، وزينت الكتاب بما اصطاده الذهن من جواهر كلامهم، وما وعاه القلب من ألفاظهم، فعليهم رحمة الله وبركاته ما تعاقب الليل والنهار.
ومن أقوال الحكماء والأدباء والأطباء والبلغاء والشعراء الذي لا يخلّ الشرع من ذلك.
وجهدنا بالنسبة لعلومهم كالوعاء الذي يحمل المجوهرات والحلي والنفائس، ويهديها إلى الناس على مدى الدهور والأزمان.
والعلم بحر لا ساحل له، والله يعلم أنني من أعجز الخلق عن ركوبه، والسير بأمان في دروبه، خاصة العلم الإلهي الذي بعث الله به رسله، وأمرنا بتعلمه وتعليمه والعمل به.
ولكن الله برحمته بعث الهمّة لجمع ما بين يديك، وهيأ الوقت لتحصيله، وشرح الصدر لطلبه، وحرك اليد لتحريره، ونشط العقل والفكر لجمعه وحسن عرضه.
فله الحمد على ما قضى وقدر, وله الحمد على ما خلق وأمر, وله الحمد على ما يسر وأعان, وله الحمد على ما يسر لمن كتب, وساق من قرأ, ووهب الأجر لهذا وهذا, والله واسع عليم, شكور حليم, يقبل التوبة من عباده, ويرضى بالقليل من العمل, وينعم بالثواب الجزيل من الأجر.
أحمد ربي كثيراً على عظيم جوده وكرمه، ورحمته وإحسانه، إذ وفقني لإيثار ما يبقى على ما يفنى، وما يحبه الرب على ما تحبه النفس، وهداني لعبادته وطاعته، وساقني بأمره وكرمه ورحمته إلى ما تسرح في رياضه، وتتجول بين أزهاره وثماره، وتشرب من عذب مائه صافياً نقياً من الأكدار والأحزان.
فله الحمد كثيراً، كما ينعم كثيراً، ويعطي كثيراً، ويرحم كثيرًا.
وهذا الكتاب محض فضل الله -عزَّ وجلَّ-، فهو –سبحانه- وحده الذي بعث الهمة لكتابته، ووفق وأعان على إخراجه، ويسر وصوله إلى الناس.
يستهدي -بإذن الله- بسببه من ضل الطريق, ويطمئن به الحائر التائه عن الصراط المستقيم, ويسعد به من عاش دهره حزين كظيم, يرتع في رياضه, ويقطف من أزهاره وثماره, فيعيش بين الخلق مسروراً, ولربه عارفاً عابداً شكوراً.
وقد أمضيت فيه كثيرا، وأتبعت الليل بالنهار، والوقت بعد الوقت، في جمع وتحصيل ما بين يديك، وآثرت ذلك على جميع اللذات التي تميل إليها النفوس، وقيدت نفسي من أجله عن كثير من المناسبات، وجمعته واعتصرته من أكثر من مرجع، وأطلت فيه فكري، وأتعبت نفسي، لينفع الله به من يشاء من عباده ممّن يصل إليه.
وأنا راجٍ بعد ذلك كله من الله –سبحانه- عفوه ورحمته، وعظيم الأجر، لمحبتي لله، ورغبتي في نفع عباده، وإصلاح ما فسد من أخلاقهم، وتقويم ما اعوج من حياتهم، وفتح باب السعادة لهم, والله عليم بذات الصدور، وهو الموفق والمعين, إنه نِعم المولى ونِعم النصير.
ولعلك تسعد وأنت تقلب صفحات هذه الكتاب بما يسرك من علم نافع, تم عرضها بألفاظ عذبة جميلة, وجمل محكمة رصينة, يحمل أفضل غذاء للقلوب, وأحسن معانٍ للعقول, يقبل بك إلى طاعة الرحمن, ويرغبك في الجنة والرضوان, في جو مليح, يسرك جماله, ويبهرك برهانه.
وكل ما في يديك ذرة من جبل، وقطرة من بحر، تطلعك على عظمة الله -جل جلاله-، وعظمة ملكه، وعظيم إحسانه، وتكشف لك عظمة هذا الدين وجماله وكماله، وترغبك في السير نحوه بنور أنت تهتدي به, وتمنحك جواز السفر إليه, وتضيء لك طريق الوصول إليه, وتسعدك مع إخوانك وأقاربك وأصحابك, ولعل في ولادته سعادة كاتبه وقارئه، وطابعه وناشره: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}().
كتاب صفحاته مملوءة بما لذ وطاب من الأغذية النافعة, والأدوية الشافية -بإذن الله- للعقل والقلب والجوارح.
فوائد تبعث الهمة والرغبة في النفس, وتسكب الإيمان والطمأنينة في القلب, وتحرك الجوارح للطاعة والعبادة, وتثمر للعبد تعظيم الله ومحبته, وحمده وشكره, ودوام ذكره, وحسن عبادته, ورحمة الخلق, والإحسان إليهم, تم عرضها وتقديمها في عبارة موجزة, جلية المعنى, سهلة الفهم, يزكو بها العقل, ويطمئن بها القلب, وينشرح لها الصدر.
وكل ما نرجوه بهذا العمل أن يعرف الناس ربهم, ويعرفوا حقه, فيتوكلوا عليه ويرجوه, ويسيروا بأمره حيث أمر, ويتنهوا عن كل ما نهى عنه وزجر, ويعبدوه حق عبادته, ويطيعوه حق طاعته, ويطيعوا رسوله, ويسيروا على سيره, وامتثالا لهديه, واتّباعا لقوله وفعله, ويعرفوا حقّ أنفسهم في أرض ربهم, وحقّ إخوانهم, ومن لهم فضل عليهم, ومن كانوا تحت رعيتهم, ليفوزوا برضا ربهم، وسعادة دينهم, ونور حياتهم, وجنة ربهم, التي أعدها الله لهم.
وفي الختام أحمد ربي وأشكره على جزيل نعمه، وأستغفره من كل زلل وخطأ وقع في بعض المسائل المسطورة من غير قصد، إنه هو الغفور الرحيم.
وأعوذ بالله العلي العظيم من شر كل حاسد يريد أن يطفئ نور الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
ونعوذ بالله من شر كل جاهل غشوم, ومن شر كل حاسد إذا حسد, ومن شر النفاثات في العقد, ومن شر كل ما خلق, ومن شر ساكن البلد, ومن شر كل والد وما ولد.
ونعوذ به –سبحانه- أن نقول زوراً، أو نغشى فجوراً، أو نقول على الله بلا علم، أو ندعو إلى غير الحق، أو نقول ما لا نفعل.
ونعوذ بالله ممن جعل الملامة بضاعته، والعذل نصيحته، فهو دائماً يبدي في الملامة ويعيد، ويكرر العذل فلا يفيد ولا يستفيد.
وكل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.
ومن عثر على شيء مما طغى به القلم، أو زلت به القدم، فليبادر إلى النصيحة, ويدرأ بالحسنة السيئة, ويعفو ويصفح عن عثرات الضعاف, ويحضر بقلبه أن الإنسان مهما كان هو محل الخطأ والنسيان، والضعف والنقصان, وأن الحسنات يذهبن السيئات, والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً.
واحذر من الشيطان أن ينقلك من روضة الدعاء والنصيحة إلى بحر العداوة، وسكين الغيبة والنميمة، وسوء الظن، فتلدغ لدغ العقرب، وتلسع لسع الحية، وتنهش نهش الأسد.
وتقذف بهذه السموم في مقال مقروء، أو بيان متلو، يوهمك الشيطان أنك ناصح، ويركبك وأنت لا تدري، ويسوقك إلى جهنم بعصا الكبر والخديعة، لتقول على الله بلا علم، وتذم الخلق بما ليس فيهم، فتزيد آثامك، ويأخذ الناس حسناتك، وتقدم على الله مفلساً نادماً.
وإن من الحيف الحكم المسبق على الشيء قبل تصوره وذوقه وشمه، وإن من ظلم المعرفة إصدار فتوى مسبقة قبل الإطلاع والتأمل، وسماع الدعوى ورؤية الحجة، وقراءة البرهان.
وإن أبيت إلا الملام فبابه مفتوح، وكلنا ظلوم جهول، والله يعفو عنا وعنكم، والله –سبحانه- وحده الذي استأثر بالكمال والجمال، واختص بالحمد والثناء، وهو يقول الحق ويهدي السبيل، وهو عالم السر والخفيات، ودافع الشر والبليات.
وكل ما نرجوه ونسعى إليه, أن يرضى الله عنا وعن جميع الخلق, وأن يستعملنا فيما يحبه ويرضاه, وأن يرزقنا جميعاً الاستقامة على عبادته وطاعته والعمل بشرعه, وأن يدخل الناس في دين الله أفواجاً, ويعرفوا ربهم, ويتعلموا أحكام دينهم, ويعبدوا ربهم مخلصين له الدين ولو كره الكافرون, وأن يرزقنا بعد ذلك الجنة, في مقعد صدق عند مليك مقتدر{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب}().
فخرج الكتاب بفضل الله وعونه مملوءاً بالخيرات, محبباً للطاعات, دافعاً للمعوقات, مرغباً في الصالحات, متوجاً بالآيات القرآنية, مزيناً بالأحاديث النبوية.
يستريح المسلم في ظلاله، ويأكل من ثماره، ويقدم على مولاه بما يحبه ويرضاه، من الأقوال والأعمال والأخلاق.
فنحمده -جل وعلا- على آلائه وإنعامه وإحسانه، حمداً كثيراً طيباً مباركاً، ملء السموات والأرض وما بينهما، حمداً يليق بجلاله، وعظيم سلطانه.
ونستغفره -عزَّ وجلَّ- من كل ما زلت به القدم، أو طغى به القلم, ونستغفره من أقوالنا التي لا توافقها أعمالنا, ونستغفره من كل علم وعمل قصدنا به وجهه ثم خالطه غيره, ونستغفره من كل وعد وعدناه من أنفسنا ثم قصرنا في الوفاء به.
ونستغفره –سبحانه- من كل نعمة أنعم بها علينا فاستعملناها في معصيته, ونستغفره من كل خطرة دعتنا إلى تصنع وتكلف أمام الناس.
ونرجوه بعد الاستغفار من ذلك كله أن يغفر لنا ولوالدينا، وأزواجنا وذرياتنا، ولمن طالع كتابنا هذا أو سمعه أو نشره، ولكل مسلم ومسلمة، وأن يتجاوز عن سيئاتنا جميعاً، إنه جواد كريم.
كما نرجوه –سبحانه- أن لا يعاملنا بما نستحقه، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا وأعمالنا طرفة عين، أو أقلّ من ذلك فنهلك, وأن يتفضل علينا بما هو أهله من جوده وكرمه ورحمته، إنه شكور حليم غفور رحيم, وبالإجابة جدير, وعلى كل شيء قدير.
اللهم كما بعثت الهمة لتأليفه وجمعه, ووفقتنا لعرضه ونشره, فأسألك اللهم بأسمائك الحسنى, وصفاتك العليا, وبكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وأن تتقبل هذا العمل، وتكتب له الأثر في القلوب، وتشرح له الصدور.
وأن تحرك بما فيه من خير ألسنة العباد بذكرك وشكرك، وتعليم شرعك، والدعوة إلى دينك، وتملأ قلوبهم بتعظيمك وتكبيرك وحمدك، وتزين جوارحهم بعبادتك وطاعتك، وفعل كل ما يرضيك.
فأنت أحق مَن عُبد, وأحق من شكر, وأرحم من ملك, وأجود من سئل, فلك الحمد في الأولى والآخرة, ولك الشكر على عظيم نعمك، وجزيل عطائك().
هذا وصلِّ اللهمّ وسلم وبارك وزد وأنعم وأكرم على عبدك وحبيبك, وصفيك من خلقك وخليلك, خير من وطئ الحصى نعله, وخير من أسعد قلبه, وشرح صدره, ونور عقله, وكسر شوكة حزنه, المبعوث رحمة للعالمين, وقدوة للعاملين، ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين, فاسعد القلوب, وأنار العقول, وشرح الصدور, وكسر شوكة الأحزان والهموم والغموم, فُتحت به أعيناً عمياً, وآذاناً صمّاً, وقلوباً غلفاً, وعلى آله وأزواجه, وكل أصحابه, وجميع أتباعه, ومن وافق أقواله وأفعاله, وعنا برحمتك يا أرحم الراحمين, وسبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العلمين.
هذه مقدمة من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان، للمؤلف أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي، غفر الله ولوالديه.
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدِ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشدا.
أشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهدُ أن محمدا عبده ورسوله, الداعي إلى رضوانه, مرشد الناس إلى السعادة, ومبيّن لهم طريق الوقاية, من الأحزان والهموم والشقاوة, صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه, ومن سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.
أما بعد.
يقول الله –تعالى- في كتابه العزيز: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}().
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}().
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}().
أما بعد.
لقد نظرت في واقع الناس حديثا فتعجبت لأحوالهم، يشكون ويحملون هموما, وألآماً و وأحزان.
وجدت منهم من يشكي ألم الوجع في بدنه, ومنهم من يشكي ألم الأعصاب في جسده, ومنهم من يشكي ألم المعدة والقرحة في بطنه, ومنهم من يشكي همّ الفقر في عيشه, ومنهم من يشكي همّ غلاء الأسعار في بلده, ومنهم من يشكي قلة حصوله على رزقه, ومنهم من يشكي ضيقاً في صدره، ومنهم من يشكي عدم الراحة في قلبه, ومنهم من يشكي قلة مرتّبه، ومنهم من يحمل همّ الوظيفة، ومنهم من يحمل همّ الدراسة, ومنهم يشكي همّ الأسرة, ومنهم من يحمل هموم الخوف والرعب في أمنه.
فلم أطق أن أرى هؤلاء الأحباب وهم غارقون في بحر الدموع, وفي نهر الكد، وفي أرض العسر، وفي جوّ الهموم؛ لذا رأيت سدّ ذلك بما استطعت جمعه وتأليفه، وترتيبه وتهذيبه، ليكون منار هدى، وخزانة مملوءة بما لذ وطاب من غذاء القلوب والأرواح، وسلسبيلاً يزيل العطش والظمأ، وحادياً يحرك القلوب والجوارح، ويشوقها للعبادة، ويبعثها للطاعة، ويدفعها للتوبة من المعاصي, ولعلي أفتح لأحبابي باب الفرح والسرور, باب السعادة والأمان.
لعلي أبدّل حزنهم إلى سعادة، وبكائهم إلى فرح، وضيقهم إلى فرج, وعسرهم إلى يسر, وخوفهم إلى أمن.
فأسميت كتابي هذا: "دروب السعادة, وكسر شوكة الأحزان" كتاب يُفرِح الباكي, ويُسِعد الحزين، ويَسرُّ الكئيب، ويؤمّن الخائف، ويُيسر المعسر، ويشفي العليل.
كتاب جميل ورائع, ومفيد لمن طالعه.
ما إن يقرأه القارئ إلا ويتحرك قلبه شوقا لإكماله.
ما إن يقرأه القارئ إلا ويُخبِر من حوله بالسعادة التي لاقاها.
من إن يقرأه القارئ إلا وتتحرك مشاعر الحسِّ فيه، لسان حالها: أمامك حياة جديدة فانطلق، حياة طيّبة, حياة نقيّة.
ما إن يقرأه القارئ إلا ويقول: أين كنت؟! مع من كنت؟! وكيف عشت؟!.
هذا الكتاب يقول لك: أبشر واسعد، وتفاءل واهدأ. بل يقول: عش الحياة كما هي، طيبة رضية بهيجة.
هذا الكتاب يصحح لك أخطاء مخالفة الفطرة، في التعامل مع السنن والناس، والأشياء، والزمان والمكان.
فهو كتاب جدير ورائع، ينقل صاحبه من ظلمات الهموم إلى نور السرور. يرشد الضال, ويهدي الحيران, ويسر الحزين, ويؤنس الوحيد, وينصر المظلوم, ويبصّر الأعمى, ينزل على القلوب فيجلّيها, وينزل على النفوس فيطمئنها، وينزل على الصدور فيشرحها, وعلى الوجوه فينوّرها, وعلى الأفواه فيُضحكها.
يُبعد عن القلوب رآنها, وعن الأبصار غشاوتها, وعن الآذان صممها.
ينقل القارئ من دار إلى أخرى، ومن حياة إلى ثانية, ومن ذلّ إلى عز، ومن هيانة إلى كرامة، ومن عسر إلى يسر, ومن ضيق إلى فرج, ومن فقر إلى غنى, ومن حزن إلى سعادة.
فهو كتاب خاطبتُ فيه القلوب، ووجهتُ إليها الأسئلة, ونظرتُ به إلى الواقع، ولامستُ به حسّ المعيشة.
ضربتُ به الحزن, والكدر, والضيق, والهمّ, والغمّ, والخوف, والفقر, والشدة, والعسر، فأصبت الهدف، وحققت الغاية، بسلاح الفرح والسعادة.
لا تقل لي يا من تقرأه, وتتطالع فيه وتتأمله, كررتَ فيه وأطلتْ, وأكثرتَ فيه وما اختصرتْ!! أقل لك: هذه طريقة القرآن المدني, آياته سهلة ليّنة, مشرعة وموضحة, وآياته مطوّلة, وأحيانا مكررة, وبلاغته معجزة, وأحكامه ميسرة ومختلفة.
وإنك سترى ما في الدرب الواحد من إطالة وتنويع وتوضيح, ما ترى أنه لو كان مفرقاً لكان أحسن؛ ليسهل قراءته والعمل به، ولكن هي أيضاً طريقة القرآن في السور والآيات، أحكام مختلفة، وسنن متنوعة، جمعها الله في سورة واحدة، أو آية واحدة، لنفس واحدة، وهذا كما أنه موجود في العقليات فهو موجود في الحسيات كذلك.
فإنك ترى بلا تكلف أنه يجمع لك ألوان الطعام في صحن واحد، وتقدم لك ألوان الفواكه في سلة واحدة، فتقبل ذلك النفس وتتلذذ به، ويتغذى بذلك البدن، ويولد فيه كامل الطاقة البدنية.
وكذلك العلوم والمعارف يستقبلها العقل، ويتلذذ بها على اختلاف أنواعها، ثم يحولها إلى القلب، ثم يدفعها القلب طاقة علمية وعملية إلى الجوارح، فجمع العلوم في الذهن كجمع ألوان الطعام في البطن، كلاهما شهي يولد الطاقة بحسب طيبه ونفعه.
هذا يولد الطاقة البدنية .. وذلك يولد الطاقة العلمية والعملية.
وإني مشيتُ في الأرض الطيبة فأخرجتُ ذهبها, وغصتُ في بحرها فاغترفتُ أعذبها, واستخرجتُ حليّها, ولؤلؤها وجوهرها, فأهديتها إليك وأغثتك بأعذب ماءها, وتركتُ المياة المالح ماءها, حتى لا تشرب وتختنق بملحها, وجريتُ في أنهارها, فاغترفتُ لك أصفاها وأنقاها, وتجولتُ في بساتينها, فقطفتُ لك أجمل زهرها, وأطيب ريحها, والناضج من ثمرها, والحلو مذاقها, فأهديتُ لك هذا الكتاب من بين سائر الكتب, وأخذتُ الّلب من كل الكتب, وكان جمعه تعب في تعب, وحروفه من ذهب, فالبسها حتى تُسرُّ وتسعد, وماؤه نقي عذب, فاشرب منه حتى لا يرهقك العطش والتعب, وريحه من خالص الزهر الأبيض, وثماره من الثمر الأجود, فتذوقه فمذاقه أحلى وأطيب.
وهو كتاب طيّب الرائحة, لذيذ الطعم كثيرٌ الفائدة, مبعثر الترتيب تُسعد قراءته, لا يملُّ قارئه, ولا يضجر سامعه, ويفرح ناشره.
ولولا أنه لا بد لكل شيء من مسمى, ولكل مجموع من جامع, ولكل مرسوم من راسم, لتكمل الفائدة بالمقروء والمسموع, وتتم النصيحة في الزلل والخطأ, ويحصل الاتصال بين الكاتب والقارئ, ويتحقق التعاون على البر والتقوى, لولا ذلك لما قلدناه وأشعرناه بما يدل الناس علينا, ويجعلهم ينسبون تأليفه وجمعه إلينا.
وقد جمعته من القرآن الذي هو شفاء كل علة, ونور كل ظلمة, وسعادة كل غمة, ويسر كل عسرة, وفرح كل بكية, وفرج كل ضيقة.
ومن السنة المطهرة التي يقودها أفضل قدوة، وقدوة كل قدوة، وخير من أُسْعِد قلبه.
ومن أقوال الصحابة بعد الأنبياء هم أفضل البشرية. ومن أقوال أهل العلم أهل السنة الأثرية, لكل منهم مواعظ وكلمات جامعة نافعة، قطفت من أزهارهم، وجمعت من ثمارهم، واقتبست من أنوارهم، وزينت الكتاب بما اصطاده الذهن من جواهر كلامهم، وما وعاه القلب من ألفاظهم، فعليهم رحمة الله وبركاته ما تعاقب الليل والنهار.
ومن أقوال الحكماء والأدباء والأطباء والبلغاء والشعراء الذي لا يخلّ الشرع من ذلك.
وجهدنا بالنسبة لعلومهم كالوعاء الذي يحمل المجوهرات والحلي والنفائس، ويهديها إلى الناس على مدى الدهور والأزمان.
والعلم بحر لا ساحل له، والله يعلم أنني من أعجز الخلق عن ركوبه، والسير بأمان في دروبه، خاصة العلم الإلهي الذي بعث الله به رسله، وأمرنا بتعلمه وتعليمه والعمل به.
ولكن الله برحمته بعث الهمّة لجمع ما بين يديك، وهيأ الوقت لتحصيله، وشرح الصدر لطلبه، وحرك اليد لتحريره، ونشط العقل والفكر لجمعه وحسن عرضه.
فله الحمد على ما قضى وقدر, وله الحمد على ما خلق وأمر, وله الحمد على ما يسر وأعان, وله الحمد على ما يسر لمن كتب, وساق من قرأ, ووهب الأجر لهذا وهذا, والله واسع عليم, شكور حليم, يقبل التوبة من عباده, ويرضى بالقليل من العمل, وينعم بالثواب الجزيل من الأجر.
أحمد ربي كثيراً على عظيم جوده وكرمه، ورحمته وإحسانه، إذ وفقني لإيثار ما يبقى على ما يفنى، وما يحبه الرب على ما تحبه النفس، وهداني لعبادته وطاعته، وساقني بأمره وكرمه ورحمته إلى ما تسرح في رياضه، وتتجول بين أزهاره وثماره، وتشرب من عذب مائه صافياً نقياً من الأكدار والأحزان.
فله الحمد كثيراً، كما ينعم كثيراً، ويعطي كثيراً، ويرحم كثيرًا.
وهذا الكتاب محض فضل الله -عزَّ وجلَّ-، فهو –سبحانه- وحده الذي بعث الهمة لكتابته، ووفق وأعان على إخراجه، ويسر وصوله إلى الناس.
يستهدي -بإذن الله- بسببه من ضل الطريق, ويطمئن به الحائر التائه عن الصراط المستقيم, ويسعد به من عاش دهره حزين كظيم, يرتع في رياضه, ويقطف من أزهاره وثماره, فيعيش بين الخلق مسروراً, ولربه عارفاً عابداً شكوراً.
وقد أمضيت فيه كثيرا، وأتبعت الليل بالنهار، والوقت بعد الوقت، في جمع وتحصيل ما بين يديك، وآثرت ذلك على جميع اللذات التي تميل إليها النفوس، وقيدت نفسي من أجله عن كثير من المناسبات، وجمعته واعتصرته من أكثر من مرجع، وأطلت فيه فكري، وأتعبت نفسي، لينفع الله به من يشاء من عباده ممّن يصل إليه.
وأنا راجٍ بعد ذلك كله من الله –سبحانه- عفوه ورحمته، وعظيم الأجر، لمحبتي لله، ورغبتي في نفع عباده، وإصلاح ما فسد من أخلاقهم، وتقويم ما اعوج من حياتهم، وفتح باب السعادة لهم, والله عليم بذات الصدور، وهو الموفق والمعين, إنه نِعم المولى ونِعم النصير.
ولعلك تسعد وأنت تقلب صفحات هذه الكتاب بما يسرك من علم نافع, تم عرضها بألفاظ عذبة جميلة, وجمل محكمة رصينة, يحمل أفضل غذاء للقلوب, وأحسن معانٍ للعقول, يقبل بك إلى طاعة الرحمن, ويرغبك في الجنة والرضوان, في جو مليح, يسرك جماله, ويبهرك برهانه.
وكل ما في يديك ذرة من جبل، وقطرة من بحر، تطلعك على عظمة الله -جل جلاله-، وعظمة ملكه، وعظيم إحسانه، وتكشف لك عظمة هذا الدين وجماله وكماله، وترغبك في السير نحوه بنور أنت تهتدي به, وتمنحك جواز السفر إليه, وتضيء لك طريق الوصول إليه, وتسعدك مع إخوانك وأقاربك وأصحابك, ولعل في ولادته سعادة كاتبه وقارئه، وطابعه وناشره: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}().
كتاب صفحاته مملوءة بما لذ وطاب من الأغذية النافعة, والأدوية الشافية -بإذن الله- للعقل والقلب والجوارح.
فوائد تبعث الهمة والرغبة في النفس, وتسكب الإيمان والطمأنينة في القلب, وتحرك الجوارح للطاعة والعبادة, وتثمر للعبد تعظيم الله ومحبته, وحمده وشكره, ودوام ذكره, وحسن عبادته, ورحمة الخلق, والإحسان إليهم, تم عرضها وتقديمها في عبارة موجزة, جلية المعنى, سهلة الفهم, يزكو بها العقل, ويطمئن بها القلب, وينشرح لها الصدر.
وكل ما نرجوه بهذا العمل أن يعرف الناس ربهم, ويعرفوا حقه, فيتوكلوا عليه ويرجوه, ويسيروا بأمره حيث أمر, ويتنهوا عن كل ما نهى عنه وزجر, ويعبدوه حق عبادته, ويطيعوه حق طاعته, ويطيعوا رسوله, ويسيروا على سيره, وامتثالا لهديه, واتّباعا لقوله وفعله, ويعرفوا حقّ أنفسهم في أرض ربهم, وحقّ إخوانهم, ومن لهم فضل عليهم, ومن كانوا تحت رعيتهم, ليفوزوا برضا ربهم، وسعادة دينهم, ونور حياتهم, وجنة ربهم, التي أعدها الله لهم.
وفي الختام أحمد ربي وأشكره على جزيل نعمه، وأستغفره من كل زلل وخطأ وقع في بعض المسائل المسطورة من غير قصد، إنه هو الغفور الرحيم.
وأعوذ بالله العلي العظيم من شر كل حاسد يريد أن يطفئ نور الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره.
ونعوذ بالله من شر كل جاهل غشوم, ومن شر كل حاسد إذا حسد, ومن شر النفاثات في العقد, ومن شر كل ما خلق, ومن شر ساكن البلد, ومن شر كل والد وما ولد.
ونعوذ به –سبحانه- أن نقول زوراً، أو نغشى فجوراً، أو نقول على الله بلا علم، أو ندعو إلى غير الحق، أو نقول ما لا نفعل.
ونعوذ بالله ممن جعل الملامة بضاعته، والعذل نصيحته، فهو دائماً يبدي في الملامة ويعيد، ويكرر العذل فلا يفيد ولا يستفيد.
وكل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون.
ومن عثر على شيء مما طغى به القلم، أو زلت به القدم، فليبادر إلى النصيحة, ويدرأ بالحسنة السيئة, ويعفو ويصفح عن عثرات الضعاف, ويحضر بقلبه أن الإنسان مهما كان هو محل الخطأ والنسيان، والضعف والنقصان, وأن الحسنات يذهبن السيئات, والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً.
واحذر من الشيطان أن ينقلك من روضة الدعاء والنصيحة إلى بحر العداوة، وسكين الغيبة والنميمة، وسوء الظن، فتلدغ لدغ العقرب، وتلسع لسع الحية، وتنهش نهش الأسد.
وتقذف بهذه السموم في مقال مقروء، أو بيان متلو، يوهمك الشيطان أنك ناصح، ويركبك وأنت لا تدري، ويسوقك إلى جهنم بعصا الكبر والخديعة، لتقول على الله بلا علم، وتذم الخلق بما ليس فيهم، فتزيد آثامك، ويأخذ الناس حسناتك، وتقدم على الله مفلساً نادماً.
وإن من الحيف الحكم المسبق على الشيء قبل تصوره وذوقه وشمه، وإن من ظلم المعرفة إصدار فتوى مسبقة قبل الإطلاع والتأمل، وسماع الدعوى ورؤية الحجة، وقراءة البرهان.
وإن أبيت إلا الملام فبابه مفتوح، وكلنا ظلوم جهول، والله يعفو عنا وعنكم، والله –سبحانه- وحده الذي استأثر بالكمال والجمال، واختص بالحمد والثناء، وهو يقول الحق ويهدي السبيل، وهو عالم السر والخفيات، ودافع الشر والبليات.
وكل ما نرجوه ونسعى إليه, أن يرضى الله عنا وعن جميع الخلق, وأن يستعملنا فيما يحبه ويرضاه, وأن يرزقنا جميعاً الاستقامة على عبادته وطاعته والعمل بشرعه, وأن يدخل الناس في دين الله أفواجاً, ويعرفوا ربهم, ويتعلموا أحكام دينهم, ويعبدوا ربهم مخلصين له الدين ولو كره الكافرون, وأن يرزقنا بعد ذلك الجنة, في مقعد صدق عند مليك مقتدر{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب}().
فخرج الكتاب بفضل الله وعونه مملوءاً بالخيرات, محبباً للطاعات, دافعاً للمعوقات, مرغباً في الصالحات, متوجاً بالآيات القرآنية, مزيناً بالأحاديث النبوية.
يستريح المسلم في ظلاله، ويأكل من ثماره، ويقدم على مولاه بما يحبه ويرضاه، من الأقوال والأعمال والأخلاق.
فنحمده -جل وعلا- على آلائه وإنعامه وإحسانه، حمداً كثيراً طيباً مباركاً، ملء السموات والأرض وما بينهما، حمداً يليق بجلاله، وعظيم سلطانه.
ونستغفره -عزَّ وجلَّ- من كل ما زلت به القدم، أو طغى به القلم, ونستغفره من أقوالنا التي لا توافقها أعمالنا, ونستغفره من كل علم وعمل قصدنا به وجهه ثم خالطه غيره, ونستغفره من كل وعد وعدناه من أنفسنا ثم قصرنا في الوفاء به.
ونستغفره –سبحانه- من كل نعمة أنعم بها علينا فاستعملناها في معصيته, ونستغفره من كل خطرة دعتنا إلى تصنع وتكلف أمام الناس.
ونرجوه بعد الاستغفار من ذلك كله أن يغفر لنا ولوالدينا، وأزواجنا وذرياتنا، ولمن طالع كتابنا هذا أو سمعه أو نشره، ولكل مسلم ومسلمة، وأن يتجاوز عن سيئاتنا جميعاً، إنه جواد كريم.
كما نرجوه –سبحانه- أن لا يعاملنا بما نستحقه، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا وأعمالنا طرفة عين، أو أقلّ من ذلك فنهلك, وأن يتفضل علينا بما هو أهله من جوده وكرمه ورحمته، إنه شكور حليم غفور رحيم, وبالإجابة جدير, وعلى كل شيء قدير.
اللهم كما بعثت الهمة لتأليفه وجمعه, ووفقتنا لعرضه ونشره, فأسألك اللهم بأسمائك الحسنى, وصفاتك العليا, وبكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وأن تتقبل هذا العمل، وتكتب له الأثر في القلوب، وتشرح له الصدور.
وأن تحرك بما فيه من خير ألسنة العباد بذكرك وشكرك، وتعليم شرعك، والدعوة إلى دينك، وتملأ قلوبهم بتعظيمك وتكبيرك وحمدك، وتزين جوارحهم بعبادتك وطاعتك، وفعل كل ما يرضيك.
فأنت أحق مَن عُبد, وأحق من شكر, وأرحم من ملك, وأجود من سئل, فلك الحمد في الأولى والآخرة, ولك الشكر على عظيم نعمك، وجزيل عطائك().
هذا وصلِّ اللهمّ وسلم وبارك وزد وأنعم وأكرم على عبدك وحبيبك, وصفيك من خلقك وخليلك, خير من وطئ الحصى نعله, وخير من أسعد قلبه, وشرح صدره, ونور عقله, وكسر شوكة حزنه, المبعوث رحمة للعالمين, وقدوة للعاملين، ومحجة للسالكين، وحجة على العباد أجمعين, فاسعد القلوب, وأنار العقول, وشرح الصدور, وكسر شوكة الأحزان والهموم والغموم, فُتحت به أعيناً عمياً, وآذاناً صمّاً, وقلوباً غلفاً, وعلى آله وأزواجه, وكل أصحابه, وجميع أتباعه, ومن وافق أقواله وأفعاله, وعنا برحمتك يا أرحم الراحمين, وسبحان ربك رب العزة عما يصفون, وسلام على المرسلين, والحمد لله رب العلمين.
هذه مقدمة من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان، للمؤلف أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي، غفر الله ولوالديه.