لا تنتظر شكرا من أحد. الناس جُبِلوا على إنكار الجميل, إلا من رحم الله{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ ...
لا تنتظر شكرا من أحد.
الناس جُبِلوا على إنكار الجميل, إلا من رحم الله{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}().
إن أعطيت فلا تنتظر الرد, وإن تجملّت بجميلٍ فلا تنتظر الثناء, تلك طبيعة الحمقاء, وتلك طريقة البؤساء, حقيقة لا شكّ فيها ولا مراء, لأن السعداء لا يطلبون ذلك, ويحملون شعاراً: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً}().
وطبيعة الجحودِ والنكرانِ والجفاءِ وكُفْرانِ النِّعم غالبةٌ على النفوس, -إلا من رحم الله- فلا تُصْدمْ إذا وجدت هؤلاءِ قد كفروا جميلك، وأحرقوا إحسانك، ونسوا معروفك، بل ربما ناصبوك العِداءَ، ورموك بمنجنيق الحقدِ الدفين، لا لشيءٍ إلا لأنك أحسنت إليهمْ{وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ}() إلا من عصمه الله{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}().
الله ربُّ الأرباب, ومسبب الأسباب, وخالق الناس من تراب, أحسن إلى بعضهم فلم يشكروه, وتغمّدهم بواسع رحمته فلم يعبدوه, وتودد إليهم بجزيل النعم والعطايا فلم يّقابلوه.
أحسن إلى فرعون{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}()وأحسن إلى قارون{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}() وأحسن إلى الوليد{فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}() أحسن إلى صاحب الجنتين{قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً}() هذه هي طبيعة الإنسان{إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ}() تودد إليهم ربُنا بالنعم والإحسان, فقابلوه بالكفر والجحود والنكران, ولا يفيدهم نكرانهم{أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}().
فلا تحزن! ولا تيأس! على معروفك وإحسانك, فإذا كان الله لم يسلم من جحود إحسانه إليهم. فمن أنا وأنت حتى نحزن, ونيأس, ونضجر على العطايا؟!, أتظنّ أنك تسلم ممّا لم يسلم منه ربُّ العالمين, الرحمن الرحيم, ربُّ العرش الكريم!{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا}(){إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}(){إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}().
فلا تحزن!, ولا تضجر!, ولا تيأس!, فصدقتك باقية, وجميلك يدوم, ومعروفك لا يفنى, وإحسانك لن يضيع{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}() {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}() فما الذي يحزنك إذا كان الله قد توعّد بردّ الجميل!؟.
كم هناك من أُمٍّ حملت ابنها في بطنها وهنَاً على وهن, وأرضعته حولين كاملين.
سهرت لينام! وتعبت ليرتاح! فكان بطنها له مسكنا وبيتاً, وثديها له طعاما وشراباً, وشفتاها له فرحاً وتبسُّماُ, ويدها له نظافةً وتغسيلاً, لحمها ينهك يوما بعد يوم. تحملت الثقل من أجله, تحملت الزفرات من أجله, تحملت البكاء من أجله, تحملت السهر من أجله, تحملت البول والأذى من أجله.
فلمّا كبر! وترعرع! ونشأ! وشبّ! واشتدّ! وقويت سواعده! وقويت أركانه!, خاطبه الله بخطاب الإحسان والمعروف إليها, وشكرها على صنيع ما فعلت{وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}().
فكان جزاء المعروف والإحسان{أُفٍّ لَكُمَا}() سبّاً, وشتماً, ولعناً, وضرباً, وطرداً, وسحباً, وإخراجاً, وتجويعاً{...وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ}؛ هذا هو الشكر! وهذا هو جزاء المعروف!.
ألا فليهدأ الذين احترقت أوراقُ جميلِهمْ عند منكوسي الفِطرِ، ومحطَّمي الإراداتِ، وليهنؤوا بعوضِ المثوبةِ عند من لا تنفدُ خزائنُه.
إن هذا الخطاب الحارَّ لا يدعوك لتركِ الجميلِ، وعدمِ الإحسانِ للغير، وإنما يوطِّنُك على انتظار الجحودِ، والتنكرِ لهذا الجميلِ والإحسانِ، فلا تبتئس بما كانوا يصنعون.
اعمل الخير لِوجْهِ اللهِ؛ لأنك الفائزُ على كل حالٍ، ثمَّ لا يضرك غمْطُ من غمطك، ولا جحودُ من جحدك، واحمدِ الله لأنك المحسنُ، واليدُ العليا خيرٌ من اليدِ السفلى(){إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً}().
لا تشتغل بهمومك! ولا تخسر نومك! ولا تضيّع وقتك بالتفكير في إنك أعطيت أحدا كبريتاً ليشعل به ناره, فأحرقك به!, أو أعطيت أحدا بترولا ليحرك سيارته فصبّه عليك وأحرقك!, أو أهديت صديقك سهماً ليصطاد به فكنت أنت الرميّة!, أو أهديت أحدا قلما وورقة فكتب فيها عيوبك! أو أنك حملت أحدا على سيارتك فهرب ولم يدفع لك الأجر!{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}().
اجتمع عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- جماعة فتذاكروا المعروف، فانتهز أمير المؤمنين هذا الحديث لترغيبهم فيه وحثهم عليه فقال: المعروف كنز من أفضل الكنوز, وزرع من أزكى الزروع, فلا يزهدنكم في المعروف كفر من كفره, ولا جحود من جحده, فإن من يشكرك عليه ممن لم يصل منه شيء أعظم مما ناله أهله منه, فلا تلتمس من غيرك ما أسديت إلى نفسك, إن المعروف لا يُتمّ إلا بثلاث خصال: تصغيره, وستره, وتعجيله, فإذا أصغرته فقد عظّمته, وإذا سترته فقد أتممته, وإذا عجّلته فقد هنّأته().
📙📙 من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان. ص:(42).
🖋🖋 أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي.
ملاحظة/ المصادر والمراجع في متن الكتاب او على نسخة pdf.
الناس جُبِلوا على إنكار الجميل, إلا من رحم الله{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}().
إن أعطيت فلا تنتظر الرد, وإن تجملّت بجميلٍ فلا تنتظر الثناء, تلك طبيعة الحمقاء, وتلك طريقة البؤساء, حقيقة لا شكّ فيها ولا مراء, لأن السعداء لا يطلبون ذلك, ويحملون شعاراً: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً}().
وطبيعة الجحودِ والنكرانِ والجفاءِ وكُفْرانِ النِّعم غالبةٌ على النفوس, -إلا من رحم الله- فلا تُصْدمْ إذا وجدت هؤلاءِ قد كفروا جميلك، وأحرقوا إحسانك، ونسوا معروفك، بل ربما ناصبوك العِداءَ، ورموك بمنجنيق الحقدِ الدفين، لا لشيءٍ إلا لأنك أحسنت إليهمْ{وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ}() إلا من عصمه الله{وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}().
الله ربُّ الأرباب, ومسبب الأسباب, وخالق الناس من تراب, أحسن إلى بعضهم فلم يشكروه, وتغمّدهم بواسع رحمته فلم يعبدوه, وتودد إليهم بجزيل النعم والعطايا فلم يّقابلوه.
أحسن إلى فرعون{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}()وأحسن إلى قارون{قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي}() وأحسن إلى الوليد{فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ}() أحسن إلى صاحب الجنتين{قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً}() هذه هي طبيعة الإنسان{إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ}() تودد إليهم ربُنا بالنعم والإحسان, فقابلوه بالكفر والجحود والنكران, ولا يفيدهم نكرانهم{أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}().
فلا تحزن! ولا تيأس! على معروفك وإحسانك, فإذا كان الله لم يسلم من جحود إحسانه إليهم. فمن أنا وأنت حتى نحزن, ونيأس, ونضجر على العطايا؟!, أتظنّ أنك تسلم ممّا لم يسلم منه ربُّ العالمين, الرحمن الرحيم, ربُّ العرش الكريم!{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا}(){إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}(){إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ}().
فلا تحزن!, ولا تضجر!, ولا تيأس!, فصدقتك باقية, وجميلك يدوم, ومعروفك لا يفنى, وإحسانك لن يضيع{وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ}() {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}() فما الذي يحزنك إذا كان الله قد توعّد بردّ الجميل!؟.
كم هناك من أُمٍّ حملت ابنها في بطنها وهنَاً على وهن, وأرضعته حولين كاملين.
سهرت لينام! وتعبت ليرتاح! فكان بطنها له مسكنا وبيتاً, وثديها له طعاما وشراباً, وشفتاها له فرحاً وتبسُّماُ, ويدها له نظافةً وتغسيلاً, لحمها ينهك يوما بعد يوم. تحملت الثقل من أجله, تحملت الزفرات من أجله, تحملت البكاء من أجله, تحملت السهر من أجله, تحملت البول والأذى من أجله.
فلمّا كبر! وترعرع! ونشأ! وشبّ! واشتدّ! وقويت سواعده! وقويت أركانه!, خاطبه الله بخطاب الإحسان والمعروف إليها, وشكرها على صنيع ما فعلت{وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}().
فكان جزاء المعروف والإحسان{أُفٍّ لَكُمَا}() سبّاً, وشتماً, ولعناً, وضرباً, وطرداً, وسحباً, وإخراجاً, وتجويعاً{...وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ}؛ هذا هو الشكر! وهذا هو جزاء المعروف!.
ألا فليهدأ الذين احترقت أوراقُ جميلِهمْ عند منكوسي الفِطرِ، ومحطَّمي الإراداتِ، وليهنؤوا بعوضِ المثوبةِ عند من لا تنفدُ خزائنُه.
إن هذا الخطاب الحارَّ لا يدعوك لتركِ الجميلِ، وعدمِ الإحسانِ للغير، وإنما يوطِّنُك على انتظار الجحودِ، والتنكرِ لهذا الجميلِ والإحسانِ، فلا تبتئس بما كانوا يصنعون.
اعمل الخير لِوجْهِ اللهِ؛ لأنك الفائزُ على كل حالٍ، ثمَّ لا يضرك غمْطُ من غمطك، ولا جحودُ من جحدك، واحمدِ الله لأنك المحسنُ، واليدُ العليا خيرٌ من اليدِ السفلى(){إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُوراً}().
لا تشتغل بهمومك! ولا تخسر نومك! ولا تضيّع وقتك بالتفكير في إنك أعطيت أحدا كبريتاً ليشعل به ناره, فأحرقك به!, أو أعطيت أحدا بترولا ليحرك سيارته فصبّه عليك وأحرقك!, أو أهديت صديقك سهماً ليصطاد به فكنت أنت الرميّة!, أو أهديت أحدا قلما وورقة فكتب فيها عيوبك! أو أنك حملت أحدا على سيارتك فهرب ولم يدفع لك الأجر!{وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ}().
اجتمع عند أمير المؤمنين علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- جماعة فتذاكروا المعروف، فانتهز أمير المؤمنين هذا الحديث لترغيبهم فيه وحثهم عليه فقال: المعروف كنز من أفضل الكنوز, وزرع من أزكى الزروع, فلا يزهدنكم في المعروف كفر من كفره, ولا جحود من جحده, فإن من يشكرك عليه ممن لم يصل منه شيء أعظم مما ناله أهله منه, فلا تلتمس من غيرك ما أسديت إلى نفسك, إن المعروف لا يُتمّ إلا بثلاث خصال: تصغيره, وستره, وتعجيله, فإذا أصغرته فقد عظّمته, وإذا سترته فقد أتممته, وإذا عجّلته فقد هنّأته().
📙📙 من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان. ص:(42).
🖋🖋 أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي.
ملاحظة/ المصادر والمراجع في متن الكتاب او على نسخة pdf.