ومن الناس من يعبد الله على حرف. إن من الناس من يصلي, ويصوم, ويزكي, وينفق, ويقرأ القرآن, خاشعا ...
ومن الناس من يعبد الله على حرف.
إن من الناس من يصلي, ويصوم, ويزكي, وينفق, ويقرأ القرآن, خاشعا متصدعا, يصلح أن يقال عنه: إمامٌ للحرمين؛ ولكنه يضعف عند أبسط وهلة, ويجبن عند أبسط لقاء, ويعصي عند أبسط شهوة, بل ويكفر عند أبسط مكروه, ويفرُّ من أبسط لقاء, ويغضب لأتفه كلمة. لا تراه قويا عند الشدائد, ولا صبورا عند المصائب, ولا متبسّما عند الجزع؛ فهذا لا يسعد! ولا ينشرح صدره! ولا يرتاح خاطره! ولا يطيب مسكنه, ولا يرحم حاله{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}().
احذر أن يكون عذرك واهي! وسبب خسارتك تافه! وسرُّ تعاستك حقير!.
لماذا أنت حزين؟! قال: الناس ملكوا الدنيا وأنا فقير. لماذا أنت تعيس؟!. قال: الناس في الفضاء وأنا على الأرض. فأمضى حياته في خيال التمني{يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ}() ولا تنفع تلك الأماني.
احذر أن تكون عبرة لمن خلفك في أعذارك الواهية التي كانت سببا لخسارتك, وتعاستك, وأحزانك.
بعضهم كفر وعذره حقير{قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ}()؛ هذا عذرهم!
وبعضهم كفر بعد إيمانه{يَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}()؛ هذا عذرهم!
وبعضهم قال: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ}(), فانتبه! أن تكون خسارتك بعد فوزك, وأحزانك بعد سعادتك, وبكائك بعد فرحك, وضيقك بعد انشراحك, وعبوسك بعد تبسمك؛ سببه حقير, لا يُستحق أن يُذكر, ولا يُحب أن يُنظر, ويُفضّل أن يُنسى{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}().
انظر إلى المنافقين، ما أسقط همَمَهم، وما أبْرد عزائِمَهم. هذه أقوالهم: {لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ}()، {بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ}(){نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ}(){مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً}().
يا لخيبة هذه المعاطس ويا لتعاسة هذه النفوس.
همهم البطون والصحون والدور والقصور، لم يرفعوا أبصارهم إلى سماء المثل، لم ينظروا أبدا إلى نجوم الفضائل. هم أحدهم ومبلغ علمه: دابته وثوبه ونعله ومأدبته، وانظر لقطاع هائل من الناس تراهم صباح مساء سبب همومهم خلاف مع الزوجة، أو الابن، أو القريب، أو سماع كلمة نابية، أو موقف تافه. هذه مصائب هؤلاء البشر، ليس عندهم من المقاصد العليا ما يشغلهم، ليس عندهم من الاهتمامات الجليلة ما يملأ وقتهم، وقد قالوا: إذا خرج الماء من الإناء ملأه الهواء، إذاً: ففكر في الأمر الذي تهتم له وتغتم، هل يستحق هذا الجهد وهذا العناء، لأنك أعطيته من عقلك ولحمك ودمك وراحتك ووقتك!؟، وهذا غبن في الصفقة، وخسارة هائلة ثمنها بخس، وعلماء النفس يقولون: اجعل لكل شيء حدا معقولا، وأصدق من هذا قوله –تعالى-: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}()فأعط القضية حجمها ووزنها وقدرها وإياك والظلم والغلو().
يا أخي لا تبكي على المال فهو حقير! ولا تبكي على الجمال فهو زينة! ولا تبكي على الدنيا فهي أقصر وأضعف مما تتصور! فهل سمعت عن رجل يبكي على تفلّت البعوضة منه؟! وهل سمعت عن رجل مات وهو يُجاهد نفسه جريا وراء ذبابة؟! وهل سمعت عن رجل أسقط بيته وهو يُلاحق عقربا لدغته ودخلت عليه في جحرٍ صَعِبَ عليه الوصول إليها إلا أن يحطم ما حولها؟!.
طبعاً!! لا؛ لأنها مخلوقات حقيرة وضعيفة وخبيثة, فكذلك هو حال الدنيا والجري وراءها وهي أحقر من البعوض, وأضعف من الذُباب, وأخبث من العقرب(( لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء ))().
فاطرح التوافه والاشتغال بها تجد أن أكثر همومك ذهبت عنك, وعدت فرحا مسرورا.
انظر إلى الصحابة –رضي الله عنهم-{صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}().هَمُّ أحدهم: الآخرة وما فيها.
📙📙 من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان. ص:(54).
🖋🖋 أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي.
ملاحظة/ المصادر والمراجع في متن الكتاب او على نسخة pdf.
إن من الناس من يصلي, ويصوم, ويزكي, وينفق, ويقرأ القرآن, خاشعا متصدعا, يصلح أن يقال عنه: إمامٌ للحرمين؛ ولكنه يضعف عند أبسط وهلة, ويجبن عند أبسط لقاء, ويعصي عند أبسط شهوة, بل ويكفر عند أبسط مكروه, ويفرُّ من أبسط لقاء, ويغضب لأتفه كلمة. لا تراه قويا عند الشدائد, ولا صبورا عند المصائب, ولا متبسّما عند الجزع؛ فهذا لا يسعد! ولا ينشرح صدره! ولا يرتاح خاطره! ولا يطيب مسكنه, ولا يرحم حاله{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}().
احذر أن يكون عذرك واهي! وسبب خسارتك تافه! وسرُّ تعاستك حقير!.
لماذا أنت حزين؟! قال: الناس ملكوا الدنيا وأنا فقير. لماذا أنت تعيس؟!. قال: الناس في الفضاء وأنا على الأرض. فأمضى حياته في خيال التمني{يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ}() ولا تنفع تلك الأماني.
احذر أن تكون عبرة لمن خلفك في أعذارك الواهية التي كانت سببا لخسارتك, وتعاستك, وأحزانك.
بعضهم كفر وعذره حقير{قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ}()؛ هذا عذرهم!
وبعضهم كفر بعد إيمانه{يَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ}()؛ هذا عذرهم!
وبعضهم قال: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ}(), فانتبه! أن تكون خسارتك بعد فوزك, وأحزانك بعد سعادتك, وبكائك بعد فرحك, وضيقك بعد انشراحك, وعبوسك بعد تبسمك؛ سببه حقير, لا يُستحق أن يُذكر, ولا يُحب أن يُنظر, ويُفضّل أن يُنسى{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}().
انظر إلى المنافقين، ما أسقط همَمَهم، وما أبْرد عزائِمَهم. هذه أقوالهم: {لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ}()، {بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ}(){نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ}(){مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً}().
يا لخيبة هذه المعاطس ويا لتعاسة هذه النفوس.
همهم البطون والصحون والدور والقصور، لم يرفعوا أبصارهم إلى سماء المثل، لم ينظروا أبدا إلى نجوم الفضائل. هم أحدهم ومبلغ علمه: دابته وثوبه ونعله ومأدبته، وانظر لقطاع هائل من الناس تراهم صباح مساء سبب همومهم خلاف مع الزوجة، أو الابن، أو القريب، أو سماع كلمة نابية، أو موقف تافه. هذه مصائب هؤلاء البشر، ليس عندهم من المقاصد العليا ما يشغلهم، ليس عندهم من الاهتمامات الجليلة ما يملأ وقتهم، وقد قالوا: إذا خرج الماء من الإناء ملأه الهواء، إذاً: ففكر في الأمر الذي تهتم له وتغتم، هل يستحق هذا الجهد وهذا العناء، لأنك أعطيته من عقلك ولحمك ودمك وراحتك ووقتك!؟، وهذا غبن في الصفقة، وخسارة هائلة ثمنها بخس، وعلماء النفس يقولون: اجعل لكل شيء حدا معقولا، وأصدق من هذا قوله –تعالى-: {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً}()فأعط القضية حجمها ووزنها وقدرها وإياك والظلم والغلو().
يا أخي لا تبكي على المال فهو حقير! ولا تبكي على الجمال فهو زينة! ولا تبكي على الدنيا فهي أقصر وأضعف مما تتصور! فهل سمعت عن رجل يبكي على تفلّت البعوضة منه؟! وهل سمعت عن رجل مات وهو يُجاهد نفسه جريا وراء ذبابة؟! وهل سمعت عن رجل أسقط بيته وهو يُلاحق عقربا لدغته ودخلت عليه في جحرٍ صَعِبَ عليه الوصول إليها إلا أن يحطم ما حولها؟!.
طبعاً!! لا؛ لأنها مخلوقات حقيرة وضعيفة وخبيثة, فكذلك هو حال الدنيا والجري وراءها وهي أحقر من البعوض, وأضعف من الذُباب, وأخبث من العقرب(( لو كانت الدنيا تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى منها كافرا شربة ماء ))().
فاطرح التوافه والاشتغال بها تجد أن أكثر همومك ذهبت عنك, وعدت فرحا مسرورا.
انظر إلى الصحابة –رضي الله عنهم-{صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}().هَمُّ أحدهم: الآخرة وما فيها.
📙📙 من كتاب دروب السعادة وكسر شوكة الأحزان. ص:(54).
🖋🖋 أبي الليث العريقي، هشام عبده حبيب عبيد ناصر العريقي.
ملاحظة/ المصادر والمراجع في متن الكتاب او على نسخة pdf.