الثمار اليانعة لمن داوم على الأعمال الصالحة الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ...

الثمار اليانعة لمن داوم على الأعمال الصالحة


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

فليس يخفى على ذي بصيرة أَن هذه الدار ليست بدار مقر وإنما هي دار ممر، والناس فيها غرباء مسافرون والدار الْآخرة مقصَدُ سفرِهم، وزمان الحياة مقدار المسافة، ولكل إنسان عند الله عمر مقدر لا يزيد ولا ينقص وقد رغَّب الله الخلق ودعاهم إلى دار السلام وسعادة الأبد، فقال تعالى: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس:25]

قال الإمام الطبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره لعباده: أيها الناس، لا تطلبوا الدنيا وزينتَها، فإن مصيرها إلى فناءٍ وزوالٍ، كما مصير النبات الذي ضربه الله لها مثلاً إلى هلاكٍ وبَوَارٍ، ولكن اطلبوا الآخرة الباقية، ولها فاعملوا، وما عند الله التمسوا بطاعته، فإن الله يدعوكم إلى داره، وهي جناته التي أعدَّها لأوليائه، تسلموا من الهموم والأحزان فيها، وتأمنوا من فناء ما فيها من النَّعيم والكرامة التي أعدَّها لمن دخلها، وهو يهدي من يشاء من خلقه فيوفقه لإصابة الطريق المستقيم، وهو الإسلام الذي جعله جل ثناؤه سببًا للوصول إلى رضاه، وطريقًا لمن ركبه وسلك فيه إلى جِنانه وكرامته" ا.ه

وهذا السفر الذي نحن فيه لا يفضي إلى المقصد الأسمى والمطلب الأعلى إلا بزاد وهو التقوى ولذلك قال تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197] فمن لم يتزود في دنياه لآخرته بالمواظبة على العبادة وانقضى عَلَيْهِ نفس من أنفاسه وَلم يتقرب لله فيه بِطَاعَة فَهُوَ مغبون لضياع ذَلِك النَّفَس فَإِنَّهُ لَا يعود قطّ.

أما من صرف عمره إِلَى دنياه فقد خَابَ سَعْيه وَضاع عمله كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }[هود:15]، وقال: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا }[الإسراء:18]،
وَمن عمل لآخرته فَهُوَ الَّذِي أفلح سَعْيُه وحَسُنَ عمله كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء:19].

ومن مقاصد الشرع في الأعمال المداومة عليها، قال تعالى: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:23،22]،

وهي من أحب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: «أدومها وإن قل»

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم يداومون على الطاعات ففي الصحيحين عن علقمة، قال: سألت أم المؤمنين عائشة، قلت: يا أم المؤمنين، كيف كان عمل النبي صلى الله عليه وسلم، هل كان يخص شيئا من الأيام؟ قالت: «لا، كان عمله ديمة، وأيكم يستطيع ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستطيع».

وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل» قال سالم: فكان عبد الله، بعد ذلك، لا ينام من الليل إلا قليلا.

وفي صحيح مسلم: "وكان آل محمد صلى الله عليه وسلم إذا عملوا عملا أثبتوه". وفي رواية له:" وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته"

وما من شيء عمله النبي صلى الله عليه وسلم ولزِمه إلا كانت له ثمرات، إذاً فما هي ثمرات المداومة على العمل الصالح وإن قل؟

اعلم أخي المبارك أن المداومة على الأعمال الصالحة لها ثمرات كثيرة وفضائل عديدة، وأعظم تلك الثمرات أنها سبب لدخول الجنة.

ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال: (عند صلاة الفجر يا بلال فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة» قال: ما عملت عملا أرجى عندي: أني لم أتطهر طهورا، في ساعة ليل أو نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي " قال أبو عبد الله: «دف نعليك يعني تحريك»