ㅤ « فَمَا ابتَلَى اللهُ -سُبحَانَهُ- عَبدَهُ المُؤمِن بِمَحَبَّةِ الشَّهَوَاتِ والمَعَاصِي ومَيلِ ...


« فَمَا ابتَلَى اللهُ -سُبحَانَهُ- عَبدَهُ المُؤمِن بِمَحَبَّةِ الشَّهَوَاتِ والمَعَاصِي ومَيلِ نَفسِهِ إلَيهَا؛ إلَّا لِيَسُوقَهُ بِهَا إلى مَحَبَّةِ مَا هُوَ أفضَل مِنهَا وخَيرٌ لَهُ وأنفَعُ وأدوَمُ، ولِيُجَاهِد نَفسَهُ عَلى تَركِهَا لَهُ -سُبحَانَهُ-، فَتُورِثُهُ تِلكَ المُجَاهَدَة الوصُول إلى المَحبُوبِ الأعلَى،

فَكُلَّمَا نَازَعَتهُ نَفسُهُ إلى الشَّهوَاتِ واشتَدَّت إرَادَتَهُ لَهَا وشَوقَهُ إليهَا؛ صَرَفَ ذَلِكَ الشَّوق والإرَادَة والمَحبَّة إلى النَّوعِ العَالِي الدَّائِم، فَكَان طَلَبُهُ لَهُ أشَدَّ، وحِرصُهُ عَلَيهِ أتَمَّ؛

بِخِلَافِ النَّفس البَارِدَة الخَالِيَّة مِن ذَلِك؛ فَإنَّهَا وإن كَانَت طَالِبَةً لِلأعلَى، لَكِن بَينَ الطَّلَبَينِ فَرقًا عَظِيمًا!

ألَا تَرَى أنَّ مَن مَشِيَ إلى مَحبُوبِه عَلى الجَمرِ والشَّوكِ أعظَمُ مِمَّن مَشِيَ إلَيهِ رَاكِبًا عَلى النَّجَائِب؟ فَلَيسَ مَن آثَرَ مَحبُوبَهُ مَع مُنَازَعَةِ نَفسِهِ كَمَن آثرَهُ مَعَ عَدَمِ مُنَازَعَتِهَا إلى غَيرِهِ،

فَهُوَ -سُبحَانَهُ- يَبتَلِي عَبدَهُ بِالشَّهوَاتِ؛ إمَّا حِجَابًا لَهُ عَنهُ، أو حَاجِبًا لَهُ يُوصِلُهُ إلى رِضَاه وقُربِه وكَرَامَتِهِ ».

ابنُ القَيِّم -رَحِمَهُ اللهُ-.
[ الفَوَائِدُ || ١ / ١١٠ : ١١١ ]

#التقوى