فوائد التقوى في الدنيا والآخرة (2) الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ...

فوائد التقوى في الدنيا والآخرة (2)

الحمد لله والصّلاة والسّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:

ذكرنا في العدد الماضي بعض فوائد التّقوى التي ذكرها الله في كتابه، ونكمل هنا بقيّة الفوائد:
ومنها محبة الله للمتّقين، قال تعالى {إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:4].

قال الإمام الطبري رحمه الله:" إنّ الله يحبّ من اتقاه بطاعته، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه". ا.هـ

ومنها أن المتّقين المؤمنين هم أولياء الله المبشَّرين في الدنيا والآخرة كما قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس:63،62].

وقد اختلف أهل العلم في "البشرى"، التي بشّر الله بها المتّقين في الدّنيا على أقوال، والصّحيح أنها عامّة كما قال الإمام الطّبري رحمه الله:" وأولى الأقوال في تأويل ذلك بالصّواب أن يقال: إنّ الله تعالى ذكره أخبر أنّ لأوليائه المتّقين البشرى في الحياة الدّنيا، ومن البشارة في الحياة الدّنيا الرؤيا الصّالحة يراها المسلم أو تُرى له ومنها بشرى الملائكة إيّاه عند خروج نفسه برحمة الله... ومنها: بشرى الله إيّاه ما وعده في كتابه، وعلى لسان رسوله صلّى الله عليه وسلّم من الثّواب الجزيل، كما قال جلّ ثناؤه: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} الآية، [البقرة:25].

وكلّ هذه المعاني من بشرى الله إيّاه في الحياة الدّنيا بشّره بها، ولم يخصّص الله من ذلك معنى دون معنى، فذلك ممّا عمّه جلّ ثناؤه: أنّ {لهم البشرى في الحياة الدنيا}، وأما في الآخرة فالجنّة". ا. هـ


معية الله ونصرته لأهل التقوى

ومنها حصول معيّة الله ونصره وتأييده وَمَعُونَتِهِ لأهل التّقوى، قال تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[النحل:128،127]، قال الطّبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره {إِنَّ اللَّهَ} يا محمّد {مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا} الله في محارمه فاجتنبوها، وخافوا عقابه عليها، فأحجموا عن التّقدّم عليها {وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} يقول: وهو مع الذين يحسنون رعاية فرائضه، والقيام بحقوقه، ولزوم طاعته فيما أمرهم به ونهاهم عنه". ا.هـ.
وقال ابن كثير رحمه الله: " أَيْ: مَعَهُمْ بِتَأْيِيدِهِ وَنَصْرِهِ وَمَعُونَتِهِ" ا. هـ
وقال تعالى {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية:19].
قال الطّبري رحمه الله: "يقول تعالى ذكره: والله يلي من اتقاه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه بكفايته، ودفاع من أراده بسوء، يقول جلّ ثناؤه لنبيّه عليه الصّلاة والسّلام فكن من المتقين، يكفِكَ الله ما بغاك وكادك به هؤلاء المشركون، فإنه وليّ من اتّقاه، ولا يعظم عليك خلاف من خالف أمره وإن كثر عددهم، لأنّهم لن يضرّوك ما كان الله وليك وناصرك" ا. هـ

واشدد يديك بحبل الله معتصما
فإنه الركن إن خانتك أركان
من يتق الله يحمد فِي عواقبه
ويكفه شَرّ من عزّوا وَمن هانوا
من استعان بغير الله في طلب
فإن ناصره عجز وخذلان


إن الله ينجي المؤمنين من النار بتقواهم

ومنها النّجاة مما أعدّ الله تبارك وتعالى لأعدائه من العذاب والعقوبة، قال تعالى {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا} [مريم: 72].

قال ابن كثير رحمه الله: " أي: إذا مر الخلائق كلهم على النار، وسقط فيها من سقط من الكفار والعصاة ذوي المعاصي، بحسبهم، نجى الله تعالى المؤمنين المتقين منها بحسب أعمالهم، فجوازهم على الصراط وسرعتهم بقدر أعمالهم التي كانت في الدنيا" ا. هـ
وقال تعالى: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ} [الزمر:61]
قال الطّبري رحمه الله: " يقول تعالى ذكره: وينجّي الله من جهنّم وعذابها، الذين اتّقوه بأداء فرائضه، واجتناب معاصِيه في الدّنيا، بمفازتهم: يعني بفوزهم" ا. هـ
وقال تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} [الدخان:51].
قال ابن كثير رحمه الله: "{إِنَّ الْمُتَّقِينَ} أَيْ: لِلَّهِ فِي الدُّنْيَا {فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} أي: في الآخرة وهو الجنة، قد أمنوا فيها من الموت والخروج، ومن كل هم وحزن وجزع وتعب ونصب، ومن الشيطان وكيده، وسائر الآفات والمصائب". ا. هـ