وقد أنعم الله عليهم بعد حين، وهداهم للإسلام فدخل هو وأختا له فيه معا، ثم أسلمت أسرته إلّا أمّهم ...

وقد أنعم الله عليهم بعد حين، وهداهم للإسلام فدخل هو وأختا له فيه معا، ثم أسلمت أسرته إلّا أمّهم الّتي كانوا يدعون الله تعالى أن يهديها إلى الدّين الحقّ بعد أن تأخّرت عنهم لما كانت تجده في نفسها من مشقّة ترك دين كانت تدعو النّاس إليه وتدخل النّاس فيه لمدة 30 عاما، وتقرّ بأنّ أبويها الّذين كانت تحبّهما غاية الحبّ وتدعوا لهما بالرّحمة والمغفرة كانوا كفّارا مشركين وأنّهم ماتوا على ذلك فتتوقّف عن الاستغفار لهما.

وبعد إسلامهم وجدت النّساء مشقّة في الالتزام بالحجاب في منطقتهم (آلنصو) الّتي يسكنون، فلم يتأخّروا أن يقرّروا انتقالهم إلى منطقة أخرى في فرنسا، وهي (تولوز) حيث يكثر المسلمون، وتنتّشر المساجد، ولا يعد التزام المرأة بالحجاب مشهدا غريبا هناك، بالإضافة إلى أنّهم أرادوا الخروج من المنطقة الّتي تذكّرهم بتاريخهم القديم بما فيه من إشراك بالله تعالى والدعوة إليه.


• بحثٌ عن الحقّ ودعوة إليه

ولمّا أسلم أبو أنس أنعم الله الكريم عليه بأن يستعمله في الدّعوة إليه سبحانه، مثلما كان سابقا داعيا إلى الشّرك، فانطلق بهمّة كبيرة يدعو كلّ من يعرفه أو يصادفه للدّخول في دين الإسلام، ولا يترك فرصة لبيان حقيقة أو ردّ شبهة أو ترك أثر طيب عند إنسان يحبّب إليه الدّين وأهله إلّا اغتنمها، فنفع الله تعالى به عددا كبير من النّاس أسلموا لله ونبذوا ما كانوا عليه من شرك وجاهلية، أعانه على ذلك خلق رفيع، وأدب جم في مخاطبة النّاس، ومعرفة كبيرة في دين من يخاطبهم ويدعوهم إلى تركه.

ولم يتوقّف سعي أبي أنس للسير على خطى الأنبياء والمرسلين -سلام الله عليهم- بالدّخول في دينهم الّذي كانوا عليه، والانتساب إلى المسلمين، بل رأى في ذلك خطوة أولى نحو الارتقاء في هذا الدّين بالعلم والعمل، فكان تقبله الله تعالى يطوف على المنتسبين إلى الدّين ويسأل كلّ من يراه على علم به، ويجاور من يرى فيه معرفة به، ويعاون من يحسبهم من العاملين به والدّاعين إليه، فطاف في فترة إسلامه الأولى على كثير من الأحزاب والجماعات البدعيّة الّتي يزعم كلّ منها أنّهم وحدهم أهل الإسلام الّذين يفهمونه حقّ الفهم ويعملون به كما أنزل.

فكان يرى في كل طائفة من هذه الطوائف المبتدعة ما يذكّره بدينه القديم من عمل بغير ما هو مكتوب في القرآن واتّباع لغير ما هو مأثور عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويرى في دعاتهم وزعمائهم ما يذكره بالقساوسة والأحبار والرّهبان من تحريف لكتاب الله تعالى، وتبديل لأحكام دينه وشريعته، فهداه الله تعالى إلى هجر التبليغيين والإخوان المرتدّين والتحريريين والمرجئة المدخليين، بعد أن عرف ما هم عليه من ضلال، وهيأ له من يدلّه على التّوحيد وأهله، ويحبّب إليه الهجرة والجهاد في سبيل الله تعالى.

وقرّر أن يهاجر إلى اليمن فلم يتيسر له الأمر، فسافر إلى مصر ليتعلّم العربيّة والقرآن، ومكث فيها سنتين، ولمّا عاد إلى فرنسا وجد السجن بانتظاره، إذ هاجر بعض إخوانه إلى العراق للجهاد في سبيل الله تعالى، وقدّر سبحانه اعتقال بعضهم على يد النّظام النصيري وسلّموا إلى فرنسا الّتي بدأت باعتقال كلّ من يعرفهم أو يرتبط بهم بعلاقة من الشّباب المسلمين المناصرين للجهاد والمجاهدين.

في السجن استمرّ بالدّعوة إلى الله تعالى، ومجادلة دعاة النّصرانيّة النّاشطين بين السّجناء، وهدى الله تعالى على يديه بعضهم إلى نطق الشّهادتين، وترك ملّة النّصرانيّة، وبقي على هذا طيلة فترة مكوثه في السّجن والّتي استمرت 5 سنين.


• الهجرة إلى دار الإسلام

وبعد خروجه من السّجن استمرّ أبو أنس في دعوته إلى الله تعالى، كما التحق بكلّيّة جامعيّة أملا في توسيع معارفه في علوم الشّريعة من خلالها.

ولمّا أعلنت الدّولة الإسلاميّة في الشّام، سبقه شقيقه أبو عثمان تقبّله الله تعالى بالهجرة إليها هو وأسرته، فقرّر أبو أنس أن يوقف كلّ نشاطه في فرنسا ويهاجر في سبيل الله رافقه بعض من إخوانه الّذين أعانوه -بعد الله تعالى- في تأمين مستلزمات الرّحلة، وتشجيعه على المخاطرة لكونه ممنوع من الخروج من أوروبا من قبل السّلطات الفرنسيّة الصليبيّة.

ويروي أبو أنس رحمه الله عن أهمّ أحداث تلك المرحلة من حياته:

"في هذا الوقت كان أخي قد انضمّ للدّولة الإسلاميّة، فبدأت أحاورُه من هناك، وأسأله عن كلّ ما يُثار حول ذلك من الجدل في الإنترنت، وفي وسائل الإعلام، لكونه أصبحَ على أرض الواقع، فكان يجيبني أجوبة مقنعة، في الوقت الّذي كانت تتهاوى أمام نظري صورة هاني السّباعيّ وغيره من الّذين كنت أحسبُهم يوما من أهل العلم العاملين به، إذ بي أراه يتكلّم بكلام، ليس في مقامه، كلام بذيء يهاجمُ به مجاهدي الدّولة الإسلاميّة وعلماءها.