الدولة الإسلامية - قصة شهيد يُعلّمون الناس نواقض الإسلام ثم لا يُكفّرون من تلبّس بها؟! عبد ...

الدولة الإسلامية - قصة شهيد

يُعلّمون الناس نواقض الإسلام ثم لا يُكفّرون من تلبّس بها؟!

عبد المنان المهاجر
سؤال دفعه للبحث عن الحقيقة... فهاجر وصبر وقاتل وقتل -نحسبه والله حسيبه-

(كيف يُعلّمون الناس نواقض الإسلام ثم لا يكفّرون من تلبّس بها؟! بل كيف يدرّسون الكفر بالطاغوت ثم يجعلونه وليّ أمر تجب طاعته؟!) سؤالان جعلاه في مواجهة مباشرة مع علماء الضلال وشيوخ الإرجاء، لكن أحدا منهم لم يُجب، فبحث ودرس وطلب العلم وأمعن، فأيقن أنهم ليسوا على شيء.

فجدّ في المسير وألزم نفسه قول الله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} (الكهف: 28)، إلى أن ارتقى مراتب الشرف وبلغ غاية المقصود، وقاتل وقتل في سبيل الله.

إنه الأخ المجاهد عبد المنان المهاجر (أحمد خالد) -تقبله الله- كان يعلم أن الدعوة إلى الله تعالى لا تتم إلا بمتلازمتين -اللسان والسنان- وأن ذلك طريق الرسل وسبيل الصالحين ودأب المتقين، والصادق من الدعاة هو من يدعو إلى سبيل الله بأفعاله قبل أقواله، ملتزما الحكمة في دعوته، ممتثلا أمره تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (النحل: 125).


• أتبع العلم بالعمل

فلقد كان -تقبله الله- داعية بقوله وفعله، لم يكتفِ بحفظ القرآن الكريم كاملا وبإجازته برواية حفص عن عاصم رحمهما الله، وطلب العلم واكتفى بالقعود كما هو حال الكثير من طلبة العلم -والله المستعان-، بل أتبع العلم بالعمل فلم يشغله شاغل ولم يمنعه مانع، فألقى ما في كفّه من متاع وأبعد ما على قلبه من وَهَن، ولم يصدّہ شيء عن طاعة ربه القائل:{انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}،(التوبة: 41)، ولم يخدعه تلبيس الملبسين من علماء السوء المرجئة الذين كان يدرس عندهم مُحسنا الظن بهم، فما لبثت الفتن أن بيّنت حقائقهم وكشفت سوءاتِهم فهم ليسوا سوى جند للطواغيت، ولا فرق بينهم وبين العسكر إلا في الزي الذي يرتدونه، فأولئك يقاتلون بالسنان وهم يقاتلون باللسان.

كان تقبله الله يتحرق كمدا وحزناً عندما يرى الناس معرضين عن شرع الله لاهية قلوبهم عنه، منغمسين في ملذات الدنيا الفانية وبهرجتها الزائفة.


• بين الدعوة والتعليم والتحريض

وُلد هذا البطل في منطقة (المنصورة) في مدينة عدن، وكان تقبله الله متفوقا في دراسته، شديد الغيرة على دينه، طلب العلم الشرعي فرزقه الله منه بحظ وافر، وعرف ما عليه علماء السوء من تناقضات، الأمر الذي دفعه للبحث عن أهل الدين العاملين به، فتعرف إلى منهج الجهاد، ورأى فيه الحق الواضح، فلزمه ولم يلتفت إلى علماء الضلال وشيوخ الإرجاء الذين حاولوا ثنيه.

فلما أُعلنت الخلافة وتمددت لليمن، سارع في النفير والهجرة في سبيل الله مؤثرا ما عند الله، تاركا زوجته التي لم يمض على زواجه بها سوى أربعة أشهر، عَمِل مع إخوانه في المجال الطبي فكان مسعفا موَفّقا وجليسا مؤنِسا، اختير ليكون أحد أعضاء اللجنة الدعوية في الولاية، فاستعمل ما أعطاه الله من العلم في خدمة إخوانه وتعليمهم وتصبيرهم والتنفيس عن كربهم، وقد شارك في نشر الدعوة بشكل فعّال ولم يغفل عن طلب العلم، بل لم يكن يفارق حاسوبه الخاص أي منزل ينزله، مقسّما وقته بين طلب العلم وزيارة نقاط الرباط، متفقدا إخوانه شادّا عزيمتهم، يعظهم وبالله يذكرهم، متحمّلا في ذلك مشاقّ الصعود والنزول من جبل إلى آخر ليروّح عن إخوته بمشاهدة إصدارات دولته المغيظة للكفرة والمرتدين في كل مكان.

وعُرف عنه شدة تمسكه بالسنة وإيثاره ما يرضي ربه، فكان غليظا على الكافرين والمرتدين، رحيما رفيقا بإخوانه الموحدين، متبعا هدي نبيه (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الأخيار(رضوان الله عليهم أجمعين) الذين قال الله سبحانه وتعالى عنهم: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} (الفتح: 29).

لم يصدّه أي شيء عن جهاده في سبيل ربه واختار ما عنده، ولم يُفتن بأهله كما هو الحاصل لكثير من المتخلفين والمنتكسين الذين تركوا الجهاد بسبب أبنائهم وزوجاتهم -والله المستعان-.

• لم تقنعه السفاسف ولم يرض بالدون

نعم لقد صبر مع الموحدين المجاهدين المبتغين لمرضاة الله المقاتلين لأعدائه رغم صعوبة طريقهم ووعورته وقلة السالكين وضعف حال اليد من عدة وعتاد، ولم تُغرِہ زينةُ الحياة الدنيا ولم يطعِ الغافلين الراكضين خلف ملذّاتها الفانية، فإن أصحاب الهمم العالية لا يعطون الدنية، ولا يقنعون بالسفاسف، ولا يرضون إلا بمعالي الأمور.

وكأن لسان حاله يقول:

إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم

فإن الموت نهاية الجميع، لكن شتان بين من يموت وهو يحمل همّ الإسلام مجاهدا في سبيل ربه مقبلا غير مدبر، وبين من يموت وهو منغمس في شهوات الدنيا وملذّاتها مرتكب لكبيرة القعود.

ولقد كان تقبله الله يُلّح على أمرائه طالبا منهم تنفيذ عملية استشهادية ويُكثر الطلب ولكن لم يأته الاذن بها، وقد تأثر كثيرا بتنفيذ أخيه الإعلامي (أبو علي العدني) -تقبله الله- بحزامه الناسف على جند الطاغوت في عدن، فكان يقول: "سبقني أبو علي" وكان يتمنى اللحاق به في أقرب وقت.

كان تقبله الله حريصا على الشهادة ساعيا لها، حتى حان الوقت الذي تمناه والساعة التي سعى لها، فعند حصول الغدر من (تنظيم قاعدة اليمن) الذين لم يدّخروا وُسعا في تضليل الناس عن دينهم ولم يألوا جهداً في جمع كيدهم لمحاربة الموحدين والتحريض عليهم ونشر الأكاذيب عنهم، مستغلين بُعد الناس عن الحقيقة، غير أن الله سبحانه وتعالى بمنّه وفضله على المجاهدين الصادقين أوقع التنظيم بشر مكرهم، فبدؤوا بقتال المجاهدين صراحة، فأخزاهم الله تعالى، وعرف القاصي والداني كذبهم وسوء بضاعتهم ووقوعهم في نصرة المرتدين ومحاربة الموحدين والغدر بهم، وكان أخونا (عبد المنان المهاجر) -تقبله الله- ممن هبّ دفاعا عن عقيدته ودينه ناصرا لإخوانه، رادًا صيال عدوه ليكون على موعد مع ساعة لطالما تمنّاها واستبطأ الليالي والأيام في انتظارها، فنال الشهادة -نحسبه والله حسيبه-.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 176
الخميس 28 رجب 1440 هـ