طريق المجاهدين نحو الظفر والتمكين في ظل ابتلاءهم وفقدانهم بعضاً من مواقعهم، لا يترك المجاهدون ...

طريق المجاهدين نحو الظفر والتمكين


في ظل ابتلاءهم وفقدانهم بعضاً من مواقعهم، لا يترك المجاهدون قتال أعدائهم من الكفار والمرتدين، بل يسعون جهدهم لأداء ما أوجبه الله تعالى عليهم من جهادهم، والقيام بكل ما يلزم لتحقيق التمكين للمسلمين في الأرض تمهيدا لحكمها بشريعة الله العظيم.

وفي فترات ضعفهم وقلة أعدادهم، لا يستكين المجاهدون ويقعدون عن الجهاد بانتظار تشكيل الجيوش الكبيرة المسلحة بأقوى الأسلحة حتى ينازلوا أعداءهم، وإنما يقاتلونه بما مكّنهم الله فيه من عدد وسلاح، مستخدمين أسلوب العصابات المجاهدة، التي تضرب العدو، وتسعى للنكاية المستمرة فيه، عملا على إضعافه، في الوقت الذي تسعى لتقوية نفسها، من خلال توحيد جهد أفرادها المنتشرين هنا وهنالك، وتوجيهه كله الوجهة الصحيحة، نحو تحقيق الهزيمة للعدو في قسم من الأرض أو في كلها، ما يمنعه من تهديد دار الإسلام التي سيقيمها المجاهدون فيما مكنهم الله تعالى فيه.

فالغاية التي تحققها العصابات المجاهدة هو أن تُكثر النكاية في العدو، وتزرع الرعب في قلوب جنوده وأنصاره، وتفقده السيطرة الكاملة على الأرض، إلى الدرجة التي يمكن بها منازلته في معارك حاسمة، من قبل جيش نظامي أو شبه نظامي للمجاهدين، تشكله العصابات المجاهدة نفسها في مراحل متقدمة من جهادها، أو تقوم بتمهيد الأرض لقدومه من منطقة أخرى هو موجد فيها.

فالعصابات المجاهدة تكون عادة في مراحل تأسيسها الأولى قليلة العدد، خفيفة التسليح، ضعيفة الارتباط والتنظيم، وهذه الصفات كلها تمنعها من منازلة الجيوش النظامية القوية في معارك حاسمة، ونقصد بالحاسمة هنا أي التي يمكن أن يقصم فيها ظهر أحد الجيشين المتصادمين، فدخول العصابة المجاهدة في صدامات مباشرة مع جيوش العدو المنظمة القوية قد يعرضها لخسائر كبيرة هي في غنى عنها، تضعف من قدرتها على تحقيق أهدافها في إنهاك العدو وإضعافه رويدا رويدا حتى إيصاله إلى مرحلة التوازن مع مجموع قوة العصابات المجاهدة الموحّدة، أو الجيش النظامي الذي تمهد له الأرض للمعركة الحاسمة التي ستقصم ظهر العدو بإذن الله.

فالمجاهدون في العراق لم يستولوا على المدن ويحققوا فيها التمكين في يوم وليلة كما يتصور البعض، ولا شكلوا جيش الخلافة المنظم ودخلوا في حرب جبهات مفتوحة مع المشركين فورا، ولكن استمروا في حرب استنزاف منهكة لسنين عديدة، تمكنوا -بفضل الله- بواسطتها من إضعاف الجيش الرافضي الضخم، وتفتيت بنيته التنظيمية، وتدمير معنويات جنوده المنهكين، وتهديد طرق مواصلاته وإمداده، وإفقاده السيطرة الحقيقية على الصحاري والأرياف ثم المدن، حتى أصبحت الأجواء مهيأة ليدخل المجاهدون مع الجيش الرافضي في معارك حاسمة.

فبدأوا بتجميع قواتهم في مناطق آمنة، والانطلاق من الصحراء متوكلين على ربهم مستمدين النصر منه سبحانه، لشن غارات كاسحة لتكسير مفاصل قوة أعدائهم، وصولا إلى اكتساح المدن للإجهاز عليهم، والروافض وإخوانهم من الصحوات في أضعف حال، لا يقوون على قتال، ولا يثبتون أمام صولات الرجال، فكان الانهيار السريع لجيش تعداده عشرات الألوف من الجنود ، يحوز على أحدث الأسلحة وأقواها، أمام بضعه مئات من الموحدين، مسلّحين بيقين راسخ بالنصر، هو أقوى من الأسلحة التي بأيديهم التي لا تكاد قوتها تذكر مقارنة بقوة أعدائهم.

وإن عصابات جنود الخلافة المنتشرين في مختلف البلدان قادرة بإذن الله على تكرار درس (فتح الموصل) مرارا، واستنبات تلك التجربة المباركة في كل أرض، وصولا إلى تحقيق التمكين فيها للمسلمين، خاصة أنها تمتلك اليوم بعضا من أهم عوامل النجاح -بإذن الله تعالى- وهي وحدة العقيدة والمنهج، فكلهم يقاتل لنفس الغاية وذات الهدف، كما أنهم يخضعون لقيادة واحدة، تضمن -بإذن الله تعالى- توحيد صفهم وجهودهم.

وإن كان المجاهدون في العراق احتاجوا لقرابة 7 سنين حتى تحقق لهم التمكين في الأرض، وربما أكثر إن أضفنا فترة جهادهم للصليبيين، فإن الزمان أكثر تقاربا اليوم -بإذن الله تعالى- وستطوى المراحل طيا للوصول إلى إعادة دار الإسلام، وإقامة الدين في مشارق الأرض ومغاربها، ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 178
الخميس 13 شعبان 1440 هـ