مقال: فسوف يأتي الله بقوم استغنى الله سبحانه وتعالى عن عباده في كل شيء، ومن ذلك استغناؤه عنهم ...

مقال: فسوف يأتي الله بقوم


استغنى الله سبحانه وتعالى عن عباده في كل شيء، ومن ذلك استغناؤه عنهم في نصرة دين الإسلام والعمل على إقامته في الأرض، فهو القادر جلّ جلاله أن يهدي حين يشاء وحيث يشاء عبادا له ويصطفيهم للقيام بواجب طاعته والعمل في مرضاته.

فالناس جميعا فقراء إليه تبارك في علاه، وهو الغني عنهم أجمعين، لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، حتى يقدروا على نفعه بالعمل لدينه، أو الإضرار به بالتولي عن ذلك، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وحذّر تقدّست أسماؤه عباده من التولي عن الطاعة، مبيّنا أنهم الخاسرون بهذا، لأنه قادر على أن يجعل مكانهم أقواما آخرين يعملون بطاعته ويقومون بأوامره، فقال تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].

ولقد رأينا مصداق هذا الأمر كثيرا في هذا الجهاد المبارك، إذ يبعث الله تعالى في كل حين طوائف من عباده تنصر دينه وتعمل لإقامته في الأرض، في الوقت الذي تزيغ فيه قلوب عباد مضى لهم في طريق الجهاد سنين، إما لشهوات دنيوية رانت على قلوبهم فأنستهم ذكر ربهم، فمكنوا الشيطان بذلك من أنفسهم، أو لشبهات دينية استولت على عقولهم حتى ضلوا بها عن سواء السبيل، والسعيد من أسعده الله بالثبات على الطريق من بعد الهداية إليه، حتى نيل الجائزة التي أعدها الله تعالى لمن ختم حياته بالسير عليه، جنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للمتقين.

ولقد أرانا ربنا تعالى في الأيام الماضيات أعمالا مباركة قام بها فتية آمنوا بربهم، فهداهم إلى القيام بأحب الأعمال إليه وهو الجهاد في سبيله، وختم لهم بالشهادة، نحسبهم كما ذكرنا ولا نزكي على الله أحدا، بعد أن زيّنوا تلك الأعمال الصالحات بالدخول في جماعة المسلمين، ببيعتهم لإمامها الشيخ المجاهد أبي بكر البغدادي، في الوقت الذي ظن الكفار والمرتدون أنهم قضوا على الدولة الإسلامية، بتدمير ديار الإسلام، وقتل سكانها، وأسر بعض مجاهديها.

وليست العمليات المباركة في سريلانكا وجزيرة العرب إلا جزءً من النصر الذي نشاهده هذه الأيام في مشارق الأرض ومغاربها، بتيسيره سبحانه لجنود الخلافة النكاية في أعدائهم، ورفع راية الدولة الإسلامية في ساحات جهاد جديدة، واشتداد سواعد المجاهدين في ساحات أخرى، وعودة كتائبهم وسراياهم لتصول وتجول في مناطق ظن الكفار والمرتدون أنهم أنهوا وجود جنود الخلافة فيها تماما، ولا زالت الأيام حبلى -بإذن الله- بكثير من الخيبات لأعداء الله رب العالمين.

ومن يتابع كلام خبراء الصليبيين وقادتهم يدرك أن إثبات المجاهدين -في سريلانكا وجزيرة العرب على وجه الخصوص، وبقية مجاهدي الدولة الإسلامية عموما- فشل الحملة الصليبية المستمرة منذ 5 أعوام في إنهاء تهديد جنود الخلافة لهم، ومنع امتداد نفوذها، وانتشار دعوتها في الأرض، هو أشد إيلاما للكفار والمرتدين بكثير من النكاية العظيمة التي أحدثها المجاهدون في صفوفهم خلال الأيام الماضية.

وإن مدد المسلمين لدولتهم لن ينقطع -بإذن الله تعالى- مهما حاول المشركون قطعه، وستبقى رايتها مرفوعة شامخة يقاتل من دونها الموحدون في كل مكان، ليأرز إليها المجاهدون جيلا بعد جيل، كلما قضت منهم طائفة تبعتها أختها بإحسان، وكلما تولّى عن نصرتها قوم أبدلهم الله تعالى بقوم خير منهم، وكل ذلك محض فضل الله عز وجل على جماعة المسلمين، كما قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54].

وإن لهذه المرحلة من اليأس الذي بدأ يسيطر على نفوس الكفار والمرتدين ما بعدها من خير، بإذن الله تعالى، وبمقدار النكاية التي يحدثها المجاهدون في صفوفهم في هذه المرحلة، بمقدار ما يزداد يأسهم ويصابون بالعجز عن إكمال الحرب، ويكف الله بأسهم عن المسلمين، ولينصرنّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 179
الخميس 20 شعبان 1440 ه‍ـ