إسقاط المدن مؤقتا كأسلوب عمل للمجاهدين (2) - الأهداف وتتعدد أهداف المجاهدين من استخدام هذا ...

إسقاط المدن مؤقتا كأسلوب عمل للمجاهدين (2)


- الأهداف

وتتعدد أهداف المجاهدين من استخدام هذا الأسلوب (التكتيك) في حربهم الطويلة الأمد ضد الكافرين، وخاصة في مرحلة القتال بنمط العصابات السابق للتمكين، ومن الأهداف ما هو مباشر يتحقق خلال ساعات الغزوة، ومنه ما يتحقق على المدى المتوسط والبعيد، وخاصة مع تكرار هذا الأسلوب مرات عديدة، وتوزيع الهجمات على مناطق واسعة.


- النكاية والغنيمة

فمن أهم الأهداف المباشرة، تحقيق النكاية في العدو وأنصاره من خلال أسرهم وقتلهم واغتنام أموالهم أو إتلافها، وذلك لإضعاف قوتهم ودفعهم إلى ترك قتال المجاهدين وتوبة المرتدين من ردتهم.

ومنها أيضا أخذ أموال الكفار بالفيء والغنيمة، وتأمين احتياجات المجاهدين من السلاح والعتاد والوقود والآليات والغذاء والدواء والأموال، وغيرها، وخاصة في حال صعوبة تأمين هذه الاحتياجات بسبب ضعف ذات يدهم أو فرض أعدائهم الحصار عليهم، عندها يكون التموّن من العدو وأنصاره هو الوسيلة الأفضل والأكثر بركة بإذن الله تعالى.


- فكاك الأسرى

ومنها أيضا فكاك أسر المسلمين، المحتجزين في سجون العدو أو مخافره ومراكزه الأمنية، عن طريق اقتحامها وهدم أسوارها وكسر أقفالها، أو أسر عدد من قادة العدو وجنوده وأنصاره، بما يمكن من فداء الأسرى بهم، أو حتى إتلاف المستمسكات التي تُدينهم والموجودة في المراكز الأمنية والمحاكم الطاغوتية، مما يسهّل -بإذن الله تعالى- إغلاق القضايا المفتوحة لهم في تلك المحاكم، بسبب انعدام الأدلة عليهم.


- الاستفزاز

وكذلك فقد يكون الهدف من اقتحام قرية أو بلدة ما ومهاجمة العدو فيها، استفزاز العدو لإرسال قوات من المناطق المجاورة لإنقاذ جنوده الذين يطلبون النجدة منه، حيث سيكون في انتظار الإمدادات كمائن المجاهدين وعبواتهم على الطرقات لتفتك بهم، وتوقع فيهم أكبر الخسائر، وبتكرار عملية الاستفزاز والفخاخ مرات عديدة، يصبح العدو في حيرة من أمره بين الاندفاع لإنقاذ قواته التي تتعرض للهجوم، وبين أمن قواته التي سيرسلها للإنقاذ والتي قد تقع في كمائن قاتلة، حتى يصل إلى مرحلة امتناع أي موقع للعدو عن تقديم الدعم والإسناد للمواقع المجاورة، والطلب من كل موقع الاعتماد على نفسه، حينها قد يلجأ الجنود للهروب من المواقع أو الاستسلام عند تعرضهم لهجوم يرونه يفوق طاقتهم على الدفاع، في ظل يأسهم من قدوم أي مؤازرة صديقة لمساندتهم.

وقد يكون الاستفزاز أبعد مدى من هذا، وذلك حين يتحصن العدو في مواقعه، ويتنقل بحذر شديد بينها، ويمتنع عن الدخول إلى المناطق التي يسهل على المجاهدين اصطياده فيها، وعند ذلك يمكن لهم استفزازه باقتحام القرى والبلدات ذات الحماية الضعيفة، وتحقيق النكاية في جنوده وأتباعه، واتخاذ ذلك وسيلة لإذلاله وتمريغ أنفه في التراب، مما قد يدفعه إلى الخروج من حصونه لملاحقة المجاهدين، وطلب الثأر منهم، والاندفاع بغير احتراس نحو مناطق خطرة، يكون المجاهدون قد أحسنوا تمهيدها بالعبوات وحقول الألغام والكمائن وتمركزات القناصين وصائدي الدروع، ليدخل في محرقة لجنوده وآلياته لا يخرج منها إلا بخسائر كبيرة، ويعود لحصونه مثخنا بالجراح، عازما على أن لا يعود لملاحقة المجاهدين مرة أخرى، مما يتيح لهم حرية حركة أكبر في مناطق عملهم، ومن ثم تكرار استفزازه بشكل أكبر لدفعه مجددا على الحركة الخطرة.


- تثبيت العدو

وبالعكس من ذلك تماما، فيمكن أن يكون هدف المجاهدين من مهاجمة القرى والبلدات، إجبار العدو على تثبيت قوات كبيرة فيها، للدفاع عنها وحماية مصالحه وطرق إمداده وأنصاره، وتبرز أهمية هذا في حال رغبة العدو تنفيذ هجوم على مواقع المجاهدين، وذلك بحرمانه من قسم كبير من طاقة جيشه التي ستصرف على حماية أهداف قد تكون قليلة الأهمية، وخاصة عندما يكرر المجاهدون اقتحام قرى وبلدات في مناطق متباعدة، عندها يُجبر العدو على توزيع قواته على مناطق واسعة، لتخوفه من حدوث اختراق في أي مكان، والأفضل أن يختار المجاهدون لأهدافهم مناطق بعيدة عن التي يتوقعون أن يهجم العدو منها، كي لا يستفيد العدو من القوات التي يخصصها للدفاع عن القرى والبلدات في الإسناد والمؤازرة عند الحاجة.


- كبت المنافقين ونصرة المؤمنين

ومن أهداف هذه الغزوات كسر شوكة المرتدين، ورفع همم المسلمين، فالمنافقون حين يرون من المجاهدين ضعفا، وللطواغيت وجيوشهم ظهورا، فإنهم يندفعون باتجاه الردة، بالانتماء إلى جيوش الكفر، ومظاهرتهم على المسلمين، والتجسس لصالحهم على المجاهدين، وكذلك فإنهم يُمعنون في إيذاء المسلمين وأهاليهم وخاصة ممن هم في صفوف المجاهدين أو يناصروهم، في حين أن كثيرا من أهل الإيمان في هذه المرحلة يفرض عليهم الذلة والاستضعاف، ويتردد كثير منهم عن اللحاق بالمجاهدين مخافة أن يصيبه وأهله الضرر.

ولذلك فإن المجاهدين عندما يقتحمون على المنافقين والمرتدين مناطقهم، ويقومون باعتقال رؤوسهم، وينكلون في المرتدين، ويتلفون أموالهم التي لأجلها ارتدوا عن دين الله تعالى، وكذلك يُرونهم عجز جيوش الطواغيت عن حمايتهم، فإن هذا سيدفع من سلم منهم من بطش المجاهدين إلى ترك ما هم عليه، وربما يقودهم إلى التوبة من الكفر، في حين يقوّي من عزائم المسلمين، ويشفي صدورهم ممن ظلمهم، ويعينهم على تقوية إيمانهم بنصر الله تعالى لهم ولإخوانهم، وجهاد أعدائهم.
وهذا الأمر مهم جدا ليس في إبعاد الناس عن الردة وجذبهم إلى الإسلام والجهاد فحسب، ولكن له دور كبير أيضا في إضعاف جيش العدو، بتقليل معدلات انضمام المقاتلين من سكان المنطقة إلى صفوفه، وكذلك كل أوجه التعاون الأخرى من تقديم المعلومات أو الإمدادات، وذلك خشية من عقاب المجاهدين لمن يرتد عن دين الله تعالى بذلك، وفي نفس الوقت تشجيع المسلمين على إعانة المجاهدين، عندما يرون قوتهم وقدرتهم على هزيمة أعدائهم بإذن الله تعالى، ويقينهم بانتصارهم عليهم.


- التمهيد للتمكين

وكذلك فإن هذا الأسلوب في القتال قد يجعله الله تعالى سببا لحصول التمكين للمجاهدين في الأرض، وذلك بعد تكرار تنفيذه مرات كثيرة في مناطق متعددة، فإن العدو يحاول بادئا تغطية كل المناطق، بشكل دائم أو على سبيل توفير النجدات المتأهبة للدخول في معركة ضد المجاهدين في أي منطقة يظهرون فيها، حيث يبدي جيشه بدايةً نشاطا في هذا الباب.

ولكن مع تكرار الأمر، وتعاظم الخسائر الكبيرة في صفوفه، يصبح من الواجب على الجيش المفاضلة بين المناطق بحسب درجة أهميتها بالنسبة إليه أو للمجاهدين، فينتهي أولا الارتباط بين قطع الجيش الموجودة في المناطق المتجاورة، بأن تصبح كل منطقة مسؤولة عن أمنها، وذلك لخطورة تنقل القوات بين المناطق أثناء الهجمات عليها.

ثم يضطر إلى تقديم الحفاظ على المناطق التي يهمّه جدا الحفاظ عليها أو منع المجاهدين من السيطرة عليها، وترك المناطق الأخرى بشكل جزئي، بحيث يفقد السيطرة عليها في أوقات معينة (خلال الليل مثلا) أو أطول من ذلك بحيث يقتصر وجوده على لحظات عابرة يُثبت وجوده فيها من خلال أرتال كبيرة يجول بها بين المناطق التي فقد السيطرة الكاملة عليها، وهو متوقع أن يتجنب المجاهدون الاشتباك معه فيها مؤقتا، فإذا ما تلقى بعض الضربات الموجعة، أو انشغل بأمر آخر، ترك هذه المناطق كليا، وتحولت إلى مناطق خالية من السيطرة، مما يمهد لتمكن المجاهدين فيها بإذن الله تعالى.

فهذه بعض من الأهداف المهمة التي قد يسعى المجاهدون لتحقيقها من خلال السيطرة المؤقتة على المناطق، وسنبحث في المقال القادم بإذن الله تعالى في طرق تنفيذ هذا الأسلوب من القتال، والحمد لله رب العالمين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 180
الخميس 27 شعبان 1440 ه‍ـ